23 ديسمبر، 2024 11:53 ص

الخروج  من ريع النفط.. ام الغوص فيه!!

الخروج  من ريع النفط.. ام الغوص فيه!!

اذا كان تعريف الريع يشير الى انه ذلك القدر من الدخل الناتج عن استغلال البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تتواجد فيها مصادر الدخل دون ان ينتج ذلك عن نشاط اقتصادي او ممارسة سوقية ، فان العراق يعتبر مثل صارخ ينطبق عليه هذا التعريف بحذافيره ، لان اقتصادنا يعتمد كليا على دخل لا يتم كسبه عن طريق الانتاج والعمل بل بالاستخراج.

والريع له نمطين :

1. الدخل المتحقق من موارد طبيعية كالثروات المعدنية والغابات والنفط ، وهو ما يسمى اصطلاحا بريع الموارد الطبيعية .

2. الدخل المتحقق عن ميزة ترتبط بموقع الدولة من حيث موانئها او تحكمها في طرق التجارة او لثقل عسكري ، اي ان لموقعها ميزة جيوسياسية ، وهو ما يطلق عليه اصطلاحا بالريع الاستراتيجي .

واذا كانت المشكلة خطيرة عند الدول التي لا يتوفر لديها اي من الموردين اعلاه؛ حيث تعتمد بالدرجة الاساس على الدعم الخارجي الذي غالبا ما يكون مشروطا ، فانها تعتبر اشد خطرا على الدول التي تعتمد ريع الموارد الطبيعية؛ لما له من تأثير على تحول مجتمعات هذه الدول من منتجة الى مجتمعات مستهلكة يغيب عن واقعها الاقتصادي تصنيع وانتاج احتياجاتها حتى الاساسية منها ، الى الدرجة التي نجد ان النفط ( سلعة ستراتيجية ) يتحول في هذه الدول والمجتمعات ومنها العراق؛ من نعمة الى نقمة تكبل الاقتصاد وتقصره على نوع واحد من الموارد قد يشح او ينفذ بحكم انه؛ في الاصل؛ مورد غير متجدد او تتعرض اسعاره الى هزات عنيفة كالتي جرت مؤخرا للنفط من هبوط في السوق العالمية تضرر منها كثيرا اقتصاد العراق واقوات العراقيين.

ويذهب البعض الى ان العائدات الضخمة للنفط قد تقوم بدور سلبي في حياة مجتمعات الدول الريعية والقرار السياسي والاقتصادي من خلال الاعتماد والاتكال عليها ، دون التفكير في البحث عن انظمة او بدائل انتاجية جديدة ، مع وجود استثناءات مثل دولة الامارات عامة ودبي بالذات التي لا يشكل النفط من مواردها الا ثلاثين بالمئة من الناتج الاجمالي للامارة .

وعلى صعيد المشكلات الاقتصادية التي تفرزها سياسات الدولة الريعية ، فان بدايتها تقوم بالاعتماد على انظمة اقتصادية تميل نحو السلوك الاستهلاكي الغير منتج وانعدام التوزيع العادل للثروات الذي يؤدي الى ظهور امراض اقتصادية ينشأ عنها خلل اخلاقي واجتماعي ، ومثل هذا النوع من الاقتصاديات يعتبر بيئة خصبة لاستشراء الفساد المالي والاداري . وهذا ما نجده في العراق؛ والسبب هنا قد لا يتناول الجانب الاخلاقي للمجتمع بقدر تناوله لما يفرزه النظام الاقتصادي الريعي وما ينتج عن تطبيقه من آثار سلبية .

وبمقارنة بسيطة بين الدول التي تتبنى اقتصاديات منتجة والاقتصاد العراقي المعتمد على ريع النفط والمعادن ، يتبين الخلل الناجم عن ارتباط اداء الدولة العراقية بالميزانية وارتباط الاخيرة بمقدار ما يتاح لها من عائدات النفط تبعا لمعدلات الانتاج المحلي واسعاره المتقلبة في السوق العالمية ، مما يجعل الاداء الاقتصادي فاقدا لميزات عديدة ، منها :

    الاستقرار والاندفاع نحو البحث عن وسائل جديدة للانتاج .

     التحول الجدي نحو الاقتصاد الحر ، الناتج عن فعاليات ونتائج اقتصادية لا قرارات سياسية.

    التفكير في المستقبل خصوصا بعد ان تنضب آبار النفط ، وهي التي تشكل بموارها اكثر من 95% من الدخل القومي .

    هذه المشكلات بدأ يتلمسها صناع القرار والباحثين والمختصين متأخرين كردة فعل للهزة التي يتعرض لها الاقتصاد العراقي حاليا نتيجة انخفاض اسعار النفط عالميا ، فهل آن الأوان ايها السياسيين ان نقدم الاقتصادي على السياسي اولا؛ ونحدث توازنا مطلوبا في التفاعل بينهما ثانيا؛ ونترك الاقتصاد خالصا لاهله من كفاءات ومختصين يتمتعون بالنزاهة ثالثا. ام تستمرون في خلافات لا تفتر وقرارات اقتصادية ارتجالية غير مدروسة تزيد من آثار الريع السلبية وتغوص فيه ، وتخبط بلا حدود حتى ان سعر النفط في الموازنة ب 56 دولارا خلافا للواقع حيث كان حينه ب 48 دولارا للبرميل الواحد ، ودعوات لبيع احتياطي البلاد من النفط!!! ، فماذا بعد؟ والى اين تسيرون بنا؟؟ ان الشعب لم يجني اي خير.. رغم ما يتمتع به هذا البلد من خير.