18 ديسمبر، 2024 6:06 م

الخرس الاجتماعي

الخرس الاجتماعي

احياناً نصاب بحالة من (الخرس الاجتماعي) عندما يخطئ الاخرون بحقنا او نخطئ بحقهم ، وتتعطل لغة الكلام وتسقط من بين شفاهنا كلمة (انا اسف) ، طبعاً هذا يتوقف على حجم الخطأ والتجني ، وتتفاوت درجة التسامح بداخلنا ، فالشخص المتسم بالطيبة المفرطة يبادر بالاعتذار معززاً ذلك بابتسامة الايمان ، والعكس لهؤلاء المعتقدين ان الاعتذار هو سمة النفس الضعيفة ، فيحل الحقد وتعشعش الكراهية في النفس الأمارة بالسوء وتسد طرق الوئام والحب والمودة ، فتستفحل الخصومة وتتربص العداوة وتستمر لأيام وربما لشهور وربما لاكثر من ذلك فنقع في الاثم .
والاعتذار سمة من سمات الإنسان النبيل الذي يجيد لغة الحوار مع الاخر ، وهو نافذة من نوافذ الثقافة ، ووسيلة من وسائل الاتصال الاجتماعي ، ومتى ما فقد المصداقية والثقة تحول إلى مجاملة ، والبيئة المحيطة بنا تساهم نوعا ما في تكوين تلك الثقافة ، فعندما ينشأ شخص في منزل يسوده الألفة والتسامح والحب  فإن ذلك سينعكس على بناء شخصيته حتما ، كما ان الدين أيضا له دور أساس في تكوين هذه الثقافة  لما يحمله من مبادئ كثيرة تحث على العفو عند المقدرة ، قال رسول الله (ص) “من اعتذر إلى أخيه ولم يقبل كان عليه خطؤه مثل مكس ” ومكس وجمعها مكوس وهي الضرائب والجباية . وقال (ص) “لا يدخل صاحب مكس الجنة” . والمعنى إن الذي لا يقبل اعتذار أخيه قد لا يرد على حوض النبي (ص) ولا يشرب من يده الشريفة . 
ولتقديم الاعتذار طرق مهذبة فهناك من يبادر بالاعتذار وجها لوجه أو عن طريق تقديم هدية أو بطاقة كتب عليها عبارة ( أنا آسف) و ربما يلجأ البعض إلى الاعتذار عن طريق الهاتف حينها تؤدي الاذن دوراً في قبوله ، ولا بد من ان يكون الاعتذار مقدماً بطيب خاطر وبدون مبررات كي لا يفقد قيمته الانسانية .
نحن نحلم بان تصبح مدينتنا من اجمل المدن ، نباهي بها العالم ، فيها الماء والخضراء والوجه الحسن ، فيها الهدوء والسكينة والاطئنان ، فيها المشاريع والعمران ، فيها العقول والحقول والفنون تنهض بها وننهض متباهين ، حينما نتجول في شوارع مدننا الحبيبة كثيراً ما نقرأ لافتات كتب عليها ( نأسف لإزعاجكم ، ونعمل لخدمتكم ) ومدة التنفيذ والكلفة واسم الشركة المنفذة وهي بمثابة دلالة على وجود حفريات  أو إعمار  في هذا الشارع أو في تلك المشاريع الخدمية ، فنشعر بالفرح والفخر لتلك الجهود التي ستبذل لبناء واعمار ما خربه الزمن ونستبشر خيرا، ونحترم الجهات المنفذة باختيارهم تلك العبارات المهذبة الراقية ، ولكن سرعان ما تتحول تلك المشاريع إلى عقبة في الطرقات السالكة الى مكان العمل وكابوس ونقمة لطول مدة التنفيذ الذي نتج عنه الازدحام وتشويه منظر مدننا ، ويكون عندها الاعتذار مزيفا وغير منطقي ونبحث عن تلك اللافتة من بين الركام والحفريات فلا نجدها فيتبادر الى اذهاننا تلك الكلمات وكانها كتبت ( نأسف لخدمتكم ونعمل على إزعاجكم ).