18 ديسمبر، 2024 8:49 م

الخدمة القهرية/هلوسة في زمن الأفلاس !؟

الخدمة القهرية/هلوسة في زمن الأفلاس !؟

تحاول قوى عراقية أعادة طرح قانون التجنيد الألزامي المعطل منذ الأحتلال الأمريكي البغيض عام 2003 والتصويت عليه في البرلمان وسط رفض قوى في البرلمان لا يستهان بها كماً ونوعاً لها تأثير على مركز القرار السياسي ، والذي أرى أن هناك عقبة كأداء كارثية خفية على الكثير ” أن بعض الأحزاب التي سيطرت على مصادر القرار السياسي في الحكومات المتعاقبة بعد الأحتلال تغلغلت في المؤسسة العسكرية والذي أحال تلك المؤسسة إلى تعدد الولاءات الحزبية والمذهبية والأثنية والمناطقية وعكست تداعيات كارثية في : منح تنظيم داعش الأرهابي فرصة لأجتياح ثلث جغرافية العراق في صيف 2014 ، والثاني منحت الميليشيات فرصة أن يكون لها نفوذ وقوّة تنافس قوة الجيش .
والمؤيدون والمروجون للقانون والتي عرّفتْ نفسها للأعلام هي : ( تحالف القوى العراقية وأطراف كردية وتحالف سائرون ) بعد أن حظيت بموافقة الحكومة ، وكان رأي الحكومة : في يوم الأثنين الماضي 19-10-2020 بجملة مقتضبة على لسان الناطق الرسمي لمجلس الوزراء {لا حديث داخل المجلس عن مشروع قانون التجنيد الألزامي } فقط وأنتهى —- والذي يظهر لنا أن الرافضين والمؤيدين متعادلان في التأثير وسوف لن يصلوا إلى حل ويبقي في مجلس الوزراء ولم يرسل لحد اليوم إلى البرلمان .
وتأسس الجيش العراقي عام 1921 ، وأولى وحداته تأسست خلال الأنتداب البريطاني للعراق ، وبعد مرور 15 عاما على ألغائهِ عاد الحديث مجدداً بين أعضاء مجلس النواب دعوات تطالب بأعادة التجنيد الأجباري الذي أنتهى بعد سقوط النظام السابق في 9نيسان 2003 تناست كون هذا التجنيد الألزامي قهري وأستعبادي ذاقت الطبقة الوسطى منه ألوان من الذل والعبودية ، أنهُ سيعيد مآسي الأنظمة السابقة التي أفرزت سلبيات أستمرت عقوداً وما زال الشعب العراقي يدفع فاتورتها المأساوية الثقيلة ، مبادرة من كتلة سائرون قدمت مسودة للمشروع إلى البرلمان العراقي في 12-8 -2020 بعنوان ” التجنيد الألزامي المدني ” بدل العسكري بتوظيف فئة الشباب من عمر 19 – 45 وتشغيلهم في مؤسسات الدولة لقاء راتب ، وهو مجرد مسودة مشروع مقترح قُدم لهيئة رئاسة البرلمان العراقي ، وربما يظهرللعراقي المتعب والمستلب تلك الطروحات ” عبثية وهلوسة في عراق أعلن أفلاسهُ ” .
أن اليوم نرى العديد من الدول العريقة بالديمقراطية تخلصت من التجنيد الأجباري وأسست قواتها المسلحة من المتطوعين وبذلك بنت قوات عسكرية قوية محترفة وحققت أنتصارات ساحقة في الدفاع عن الأوطان ، وأن هزائم الجيوش لا تعزى إلى التجنيد الأجباري أو حتى الطوعي بل إلى جيشٍ قوي مهني ومحترف للدفاع فقط يأتي عن طريق ثقافة المواطنة التي تتمحور على شكل عقيدة ثابتة في حب الأوطان والدفاع عنها لكون خدمة العلم واجب وطني ، وبما أن مفهوم الدولة هو صناعة بشرية لخدمة الفرد وليس للتحكم بهِ وبالتالي ليس من حق أية جهة أن تفرض على الفرد وتلزمهُ بالتجنيد القسري أو دفع البدل النقدي .
تداعياته القهرية
– أن تطبيقهُ في العراق المأزوم الفاقد للضوابط التي تتحكم بسلوكيات الأفراد وأضطراب المنظومة الأخلاقية بعد الأحتلال الأمريكي البغيض في 2003 وأثر الفشل الذريع لخطوات الحكومات المتعاقبة منذ عقدٍ ونيّف ، ستكون هذه الصورة السوداوية المعتمة والعيوب والمعوقات اللاحقة التي سوف أطرحها متمنيا أن تكون دافعاً لعدم أقراره ، لكونه موضوعاً قابلاً للجدل وأثارة المناكفات والأعتراضات في زمن المرحلة الحرجة المليئة بالأزمات والقابلة للأشتعال أن لم تكن قد أشتعلت بعضها ، وأن العودة إلى تطبيق قانون الخدمة الألزامي في الجيش سيحطم الأجيال الحالية مثلما حطمت الأجيال السابقة ، سوف يقول المعترضون : التجنيد الاجباري يمحو الفوارق الطبقية هذا إذا ما طُبقتْ بشكلٍ منصف وهي أمنية ثمينة لا يمكن أن تحصل عليها اليوم في العراق !؟، ويقولون أنهُ ينهض بالروح الوطنية ألا يمكن أستنهاضها بأساليب أخرى متاحة ؟ ثم أن العراق ليس بحاجة لترسانة سلاح بل لأحلال السلام في ربوعه المكتوية بالحروب العبثية ولأن القوات المليونية كافية لمعالجة الأزمات الأمنية وها هي طردت التنظيم الأرهابي بأقصر وقتٍ قياسي غير مسبوق في عالم الحروب الدولية .
-العبأ المالي أنهُ سيرهق ميزانية الدولة لحاجتهِ لأموال طائلة ، سيحمل العراق ثقلا ماليا أضافيا بحوالي 50 مليار دولار بتوفير معسكرات وتجهيزات عسكرية وميرة تغذية ومواصلات بالوقت أن الحكومة غارقة بديون مليارية سيادية ومستديمة ، إن موازنة 2019 قُدمت ب108 ملياردولار وعجزهُ المالي 19 مليار دولار ، وأن العراق مديون للبنك الدولي 151 مليار دينار عراقي أي 125 مليون دولار ، وعليه دين من الصندوق النقد الدولي 70 مليار دينار أي 58 مليون دولار وبذلك يبلغ المجموع التقريبي لديون البنوك والمؤسسات العالمية وفوائدها ما يقارب 13 مليار دولار .
– سيعتبر التجنيد الألزامي باباً جديداً ومشرعناً للفساد الأداري والمالي وباباً لأنتشار الرشوة كي تهرب من الخدمة لأن راتب المكلف غير مجزي وقد لا يكفي لأيصاله إلى المعسكرات المترامية في أنحاء البلاد أضافة إلى المحسوبية والمنسوبية وكانت تحدث مثل هذه الخروقات حتى في زمن النظام السابق الذي كان يعتقل على الشبهات ، والعراق في ظل ظروف هشة بسبب ضعف سلطة القانون والرقابة الوطنية .
– ثم أين هي سلطة الدولة ؟ في( سوقْ )المكلف وهي عاجزة تقديم لصوص المال العراقي للمحاكم ومن ترويض الشلة الحزبية والفئوية المسيطرة على المنافذ الدولية والمطارات .
– سيظهر على السطح التجنيد الأنتقائي الذي سوف يشمل الطبقات الفقيرة والحيادية البعيدة عن التحزبات ولا يشمل أولاد المسؤولين الذين يتنعمون في الخارج ، وأن المشروع سوف يتناغم مع قرارات اللص بريمرفي ألغاء الجيش العراقي وأشرف على تقسيم الولاءات العسكرية إلى ولاءات طائفية وأثنية كردي شيعي سني والذي زج بالمؤسسة العسكرية في لعبة المحاصصة البغيضة ، وأن الأكراد لديهم تحفظ معلن ومخفي في تسليح الجيش العراقي وهي نابعة من عقدة الأضطهاد المعاكسة من العرب حسب رؤى البعض في الأقليم .
– أن تأريخ الجيوش الحديثة تعتمد التكنلوجية الرقمية الحديثة أي على عناصر من الخريجين لكونها سوف تعمل على منظومات دفاعية متطورة وكيف الحال في نسبة الأمية العالية في بلدنا حسب تقرير حديث من اليونسكو الدولي نسبة الأمية في العراق 18-22% من الشعب والذي سوف يُغرقْ المؤسسة العسكرية بالأميين وبأعداد غفيرة .، وأن التجنيد الأزامي يعني عودة عسكرة المجتمع وأعادة الوضع المأساوي الذي عاشهُ الشعب العراقي خلال فترة الثمانينات والتسعينات ، وأن الصورة القاتمة لعسكرة الناس لا تغيب عن الذاكرة العراقية حين كانت مقصلة محاكم التفتيش تتحكم في رقاب العباد وأعدام المتخلف أمام داره وجباية 75 دينار ثمن الرصاصة والتي تقيّم قيمة الأنسان أضا فة إلى وشم جبين المتخلف الهارب من الخدمة الألزامية وختم مستمسكاته الشخصية بكلمة جبان وسوف تصطدم بالنظام الديمقراطي الجديد المعمول به حاليا الذي يفوّض الطوعية لا القسرية في الأنتماء للجيش .
– وشهد تأريخ الجيش العراقي الذي أقحم نفسهُ بالسياسة أن يقوم بقيادة حركات أنقلابية فكان أول أنقلاب عسكري عام 1936 في بواكير تأسيس الدولة العراقية بقيادة الجنرال العسكري بكر صدقي وتبعه حركة الضباط الأحرار عام 1941 وأنقلاب الجيش على النظام الملكي بقيادة العقيد العسكري الشهيد عبدالكريم قاسم عام 1958وتبعهُ أنقلاب شباط الأسود عام 1963بتدخل من وحدة الدبابات المرابطة بأطراف بغداد ، والمطروح اليوم على الساحة العسكرية عدد كافي من المقاتلين المرتبطين على جبهات القتال وخطوط التماس مع الحدود العراقية من الجيش العراقي والشرطة الأتحادية والحشد الشعبي وقوات البيشمركة والحشد العشائري ونتساءل ما هو موقف القانون من هذه التشكيلات ؟ ، ستكون حتماً نسبة الأستجابة ضعيفة ومحدودة ستضطر حينها إلى السير في نهج الأسلاف بأتخاذ أجراءات ظالمة لأنجاح التجنيد القهري الألزامي ، وأن رأي منظمات المجتمع المدني هو السعي لتقليل من عسكرة المجتمع .