18 ديسمبر، 2024 11:45 م

الخدمة الألزامية ، كلمة حق ،ولكن ..

الخدمة الألزامية ، كلمة حق ،ولكن ..

ارقى الدول المتقدمة  لديها قانون خدمة العَلَم ، ولم يأتِ هذا من فراغ ، فبالأضافة الى رفد الجيوش المستمر بأرصدة بشرية  ودماء جديدة ، فالجندية  تقضي على الأنانية ، والنزق والترف والتذمر والفراغ  لدى الشباب ، تعلمهم العمل كفريق ، تقضي على نزعة التمرد  والانفلات  فتصقل فيهم الانضباط  وروح الأنصياع  للأوامر وأحترام المافوق والأكبر سنا ، تعلمهم نكران الذات والتضحية ، تضعهم على محك الحياة ، بعد ان تُخرجهم من خيمة الابوين ، الى حيث الحياة الحقيقية  ،  ليعلموا أن طريق الحياة ليس دائما مفروشا بالورود ، ، تُعلم الصبر والخشونة  وأخلاق الفرسان ، تشحذ فيهم قيم الرجولة والنبل والايثار والتشبث والثبات ، تنمي لديهم الكرامة والأعتزاز بالنفس ، انها بمثابة خطوة أولى لدرس عملي في حب الوطن ، بعد أن قرأنا أدبياته  ورددنا أناشيده في مدارسنا  كالببغاوات ، هذه هي مبادئ الجندية التي شببنا عليها ، فبعض العوائل كانت تحتفل عند دخول أحد أبنائها الى الجيش بفخر وكأنه عُرس ، فأية عائلة لا تتمنى أن يتصف أبنها بهذه الصفات الراقية ، وهو يعود الى مجتمعه ، بعد انجازه فترة الخدمة العسكرية ؟ .
أقول نعم للخدمة الألزامية ، ولكن بشرط ، أن يخضع لها الجميع ، أبن الأمير والفقير على حد سواء ، وعلى أن لا تظهر استثناأت تجر استثناأت ، وبشرط  أن الأنتماء لميليشيا أوحزب لا يُسقط هذا الفرض ، ولا يعفي من له محسوبية أو منسوبية  ، ولا يستثني مَن يحمل صكا مجيّرا من (الحجي فلان) ، أو الوزير أو عضو البرلمان الفلاني .
ولكني اتسائل ، هل تتوفر لدينا حاليا ، قيادات عسكرية غاية في الحرص والمهنية  والرعاية الأبوية والتربوية ، بحيث نأتمنها على شبابنا ، تلك الثروة الي لا تُقدر بثمن؟  ، وهل هي أهلا لتحمل أمانة  ومسؤولية جسيمة  في قيادة جيل جديد ؟ ، أشك في ذلك ، ولشكّي هذا ما يبرره ، فما مأساة (سبايكر) و(الصقلاوية) ، والحصارات المتكررة التي تلتها ، وكأننا نقدم جنودنا مثل قرابين مجانية ،  منا ببعيدة !.
التاريخ والتجارب وحتى النظريات تؤكد اننا يجب أن نختار بين اثنين ، أما الجيش أو الميليشيات ، وأن السلاح يجب أن يكون بيد الجيش وقوى الأمن حصرا ، فلا مكان لمقاتلين محترفين جنبا الى جنب مع مقاتلين هواة أوطارئين ، فعندها لن تكون ثمة سرية وكتمان ، اساس عمل الجيش ، سوف لن تكون هنالك خططا عسكرية وجهود موحدة ، وستتحول ميادين القتال الى فوضى تعمها  النيران الصديقة ، ويتشتت فيها الجهد العسكري بدلا من توحيده باتجاه العدو .
أسئلة مشروعة تدور بخلد ذوي المكلفين ، فهل تمتلك الدولة المال الكافي وهي على حافة الأفلاس ، لفتح مراكز التدريب ؟ ،، الأجدر بالدولة  أن تطعم النازحين وأيواءهم ، فهل تتمكن من أطعام الألاف من المكلفين ؟ ، هل بأمكان الدولة شراء تجهيزات عسكرية لألاف الشباب ، وتهيئة وسائل الأيضاح ومعدات التدريب والنقل ؟ ، ما هي المواقع الجغرافية لمراكز التدريب ؟ ، فالبلد كله ما بين مناطق ساخنة ،ومحتلة ،  ومناطق غاضبة ، تطلب الثأر لأبناءها المغدورين في سبايكر وأخواتها !.
ساحة البلد الحالية تبدو خالية من مقومات التجنيد الألزامي ، على الأقل ضمن الأفق المنظور ، فبالأضافة الى ما سبق ، هنالك الفساد وتسلط الطارئين وعديمو الخبرة ممن نصبتهم الظروف على المؤسسة العسكرية ، صحيح أن الخطوة الأولى للتخلص من جنرالات الفشل ، خطوة في مسارها الصحيح ، ولكننا بحاجة الى المزيد ، فكيف نأمن على أبناءنا وهم ينخرطون في خدمة العلم ؟.