تراجع الواقع الخدمي يشير الى تفوق أعمال التخريب، ولانعني الهدم المباشر، وإنما وضع الشيء في غير موضعه أو هدر المال دون جدوى، وبين الحق والباطل أربعة أصابع، وفي العراق تتعدد الأصابع وكل منها يشير الى حقيقة قناعته، دون مراجعة أي رأي لغيره، فتتقاطع الإرادات ويفقأ أصبع أحدهم عين الآخر، ويُصاب جميعهم بالعمى، وتكثر الإشارات الى سكة الهاوية، وتفقد الدولة بوصلتها، وفيها من يحركها يمناً أو شمالاً وبعض الى الخلف وقليل الى الأمام.
العلم والإدارة والشعارات بلا تطبيق، كفعل ناسك متعبد لا يخرج من صومعته، أو كدجال مدعي علم، ومن لا يعرف الحلول سيسعى الى أيسر البدايات وأن طالت مسافاتها.
بغض النظر عن كثرة الإشكالات التي تواجه الدولة، إ‘لاّ أن أهمها حقوق تتعلق بحياة المواطن اليومية، تراجعت لسوء الإدارة وحتمية سياسة تقاسم الأدوار بلا دراسة، وأدى الى تفاوت الخدمة بين محافظة وأخرى وداخل المحافظة بين قضاء وقضاء وصولاً الى أصغر التقسميات الإدارية، بين حي وآخر لا يفصله سوى شارع، ولا يفضله سوى وجود تمثيل في الإدارة الخدمية.
أفرزت طبيعة النظم الإنتخابية في العراق، الى التقسيمات التمثيلية في مجالس المحافظات والبرلمان غير عادلة مناطقياً، من فرضيات الضمانات الحزبية وتعدد القوائم، التي أثرت على خيار الناخب وحصرته بالحزبية أكثر من المناطقية، وبذا تجد من قضاء واحد عدة أعضاء فيما لا وجود لممثلين من آخر، والأدهى فوز مرشحين من عائلة واحدة وحزب واحد، أو اثنان من نفس الشارع.
إن تفاوت التمثيل أدى الى إرباك تقديم الخدمة والفرص وتقدير الإحتياج، وتأثير إقتصادي وإجتماعي، وفقدان غاية نظام الحكم المحلي، الذي يعطي دور للتمثيل الشعبي والطبقي والثقافي والمناطقي، ويعتبر نظام الحكم المحلي من أفضل الأنظمة المحلية سواء كان نظام الدولة رئاسي أو برلماني، مركزي أو لا مركزي، على أساس ملامسته للحالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، ويسهل إيجاد الحلول بسرعة الوصول للمسؤول.
العراق مقبل على إنتخابات محلية، ويحتاج قانون يضمن تمثيل متوازن حسب نسبة السكان.
سوء الإدارة سبب ضياع ثروات العراق، حيث ما يزال كثير من قياداته السياسية والتنفيذية لا تميز بين المركزية واللامركزية، في حين هو فدرالي إتحادي بنظام حكم محلي، لذا لم تُعطى أهمية لتغذية فوائد تطبيق الحكم المحلي، وهنا لم تكون في كل القوانين الانتخابية السابقة، خاصية التمثيل حسب الوحدات الإدارية، وتحدد الدوائر على عدد الوحدات ولكن تختلف من دائرة لأخرى حسب نسبة السكان، فمثلاً ناحية سكانها 100 لها ممثل واحد، وإذا تضاعف العدد يتضاعف التمثيل، ويكون الإنتخاب مباشر والفائز من يحصد أصوات أكثر من 50%، أو أعلى الفائزين أصوات، ليكون التمثيل على معرفة بمتطلبات المواطنين، الذين لا ينتهي دورهم يوم الإقتراع، ليكونوا وسيلة ضغط لتغيير السياسة الإدارية أو تنحية المسؤول الفاشل.