17 نوفمبر، 2024 4:48 م
Search
Close this search box.

الخداع في العمليات النفسية

الخداع في العمليات النفسية

الخداع في العمليات النفسية
Deception in psychological warfare
ان المتخصصين بالعمليات والحرب النفسية يقسمون مشتملات العمليات النفسية الى :-
1 – موضوعات العمليات النفسية.
2 – طرق العمليات النفسية.
3 – وسائل العمليات النفسية.
4 –أساليب العمليات النفسية.
وبدوره يمكن تقسيم ( طرق العمليات النفسية) الى :-
اولا – الدعاية .
ثانيا – والدعاية المضادة.
ثالثا – العمل/ الحركة.
رابعا – الخداع.
ونحن اليوم بصدد البحث والكتابة عن الخداع في العمليات النفسية

الخداع Deception
(1) يعرف الخداع، من وجهة نظر العمليات النفسية، {{على أنه مجموعه الإجراءات والأنشطة المنسقة لإخفاء الحقائق ومنعها من الوصول إلى أجهزة المخابرات المعادية والمتعاونة معها وتوجيه ودعم تقديراتها وجهودها إلى اتجاهات زائفة بحيث تؤدى إلى قرارات مناسبة تخدم هدف المخطط}}.
(2) ويهدف الخداع في الحرب/ الصراع ( انظر الصفحة اللاحقة لمعرفة الفرق بينهما )، إلى خداع العدو عن خطة إعداد الدولة وإجراءاتها، مع إخفاء فكرة إدارة الصراع المسلح وطبيعته، وكذا استخدام القوات إجراءات التنسيق مع الدول، الصديقة والحليفة، وذلك من خلال التركيز على الآتي:
(أ) وضع أجهزة المخابرات المعادية والمتعاونة معها في حالة إقناع وتصديق للأخبار والمعلومات الزائفة.
(ب) القياس المستمر لردود فعل العدو وتحليلها.
(ج) ضمان تحقيق النتائج من خطة الخداع.

ما الفرق بين الصراع والحرب ؟ What is the difference between conflict and war
الصراع : هو النزاع الناتج عن الاختلافات في دوافع الدول وتصوراتها ، وأهدافها ، وتطلعاتها ، وفي مواردها ، وإمكانياتها وغيرها ، ويبقى الصراع بكل توتراته ، وضغوطه دون نقطة الحرب المسلحة ، ولكن تتنوع مظاهره وأشكاله ، فقد يكون سياسياً أو اقتصادياَ ، أو مذهبياً أو قد يكون حضارياً ، كما أن أدوات الصراع يمكن أن تندرج من أكثرها فاعلية إلى أكثرها سلبية ، ومن نماذجها على سبيل المثال : الضغط ، والحصار ، والتهديد والعقاب .
أما الحرب : فهي التصادم الفعلي بوسيلة العنف المسلح حسماً لتناقضات جذرية لم يعد يجدي معها استخدام الأساليب الأكثر ليناً أو الأقل تطرفاً ، ومن هنا فإن الحرب المسلحة تمثل النقطة النهائية في تطور بعض الصراعات الدولية .
وعلى ذلك وإنطلاقاً من الحقيقة السابقة يمكن القول : إن الصراع الدولي أشمل في نطاقه واعقد بكثير في مفهومه من مفهوم ونطاق الحرب لأن الحرب متى وقعت فإنها لا تترك أمام أطرافها إلا الخيار بين الاستمرار أو الاستسلام ، أو بين النصر أو الهزيمة ، بعكس ما يحدث في ظروف الصراع لأنه في المراحل التي تسبق وقوع الحرب يكون ثمة مجال أوسع لإدارة الصراع ، والتكيف مع ضغوطه في اتجاه آخر مع الاحتفاظ بالمقدرة النسبية على الاختيار من بين البدائل العديدة المتاحة أمام كل طرف من الأطراف الداخلة فيه . وثمة مجموعة كبيرة من الصراعات الدولية والنزاعات التي تجري في العالم ، منها : كشمير ، الشيشان ، البوسنة ، والهرسك .
(3) ولقد بات واضحاً، وبما لا يدع مجالاً للشك، من خلال الدراسة التحليلية للصراع المسلح والحروب التي نشبت عبر التاريخ، أن الخداع، بجميع أنواعه ومستوياته، قد لعب دوراً بارزاً، ومؤثراً، بل حاسماً، في العديد من العمليات العسكرية. ويمكن القول، أنه منذ تفجر أزمة الخليج الثانية، وحتى نهاية العمليات العسكرية البرية، أي من خلال كافة مراحل الأزمة، لعب الخداع دوراً بارزاً. فنرى القيادة العراقية، على المستوى السياسي، قد نجحت في خداع معظم القيادات العربية، بالتضليل والتظاهر بعدم اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية في حل الأزمة، ثم تفاجئ العالم باجتياحها دولة الكويت، ثم تتوسع في إجراءات الخداع العسكري، بكافة مستوياته وأساليبه، (إخفاء ـ إيحاء)، لتحقيق أهدافها العسكرية، بينما تقوم القوات المشتركة، ومع بداية الحشد، بخداع الجانب العراقي عن اتجاه الضربات الرئيسية، مع الإيحاء والتظاهر بنية تنفيذ عمليات إبرار بحري بحجم كبير،مما حدا بالقيادة العراقية إلى تركيز الجهود الرئيسية للدفاعات على الساحل الشرقي للخليج.
(4) يتم تنظيم الخداع وإدارته، بواسطة أعلى قياده عسكرية في الدولة، ومن خلال خطة مركزية. وتنفذ إجراءاتها على جميع المستويات، ومن خلال أنواع الخداع المختلفة (عسكري ـ سياسي) وبكافة أساليب الخداع وجميع الوسائل المتوافرة والمتاحة لهذه المستويات. هذا، ويُراعى أن تتضمن خطة الخداع لدعم العملية العسكرية الآتي:
(أ) هدف الخداع وفكرته.
(ب) مراحل خطة الخداع والمهام في كل مرحلة.
(ج) أسلوب تنفيذ مهام الخداع.
(د) القوات والوسائل والعناصر، المنفذة في كل مرحلة.
(هـ) توقيتات ومسؤوليات التنفيذ.
(5) ويجب التأكيد على أن تتضمن فكرة الخداع ما يلي:
(أ) الأهداف السياسية ـ العسكرية المطلوب تضليل أجهزة المخابرات، المعادية والمتعاونة، معها عنها.
(ب) الموقف، السياسي والعسكري، والموقف الإستراتيجي ـ العسكري، والعوامل السلبية الخارجية، التي تتعارض مع السياسة العسكرية للدولة.
(ج) أهداف الخداع لكل مرحلة، وأسلوب التغلب على العوامل السلبية الخارجية.
(د) أجهزة المخابرات المعادية وأسلوب التغلب عليها.
(هـ) التوقيتات المنتظرة لاستقبال رد فعل العدو.

(6) أساليب الخداع Techniques of Deception
تجمع كافة المراجع التي تناولت هذا الموضوع ومن خلال الخبرات والدروس المستفادة إلى أن هناك أربعة أساليب تستخدم بتوسع في تنفيذ إجراءات الخداع على كافة المستويات وهي:
(أ) الإخفاءConcealment
تُعَدّ من أكثر الأساليب فاعلية لحجب الحقائق والنوايا المستقبلية والإمكانيات والقدرات المعنوية للقوات المسلحة. وعادة ما يكون تحقيق ذلك من خلال:
1 – التقيد الصارم بالسرية في كافة التحضيرات الخاصة بالعمليات العسكرية. كذلك، في تداول الوثائق السرية وحفظها.
2 – تحديد عدد الأفراد المصرح لهم بالاشتراك في إعداد الوثائق الخاصة بالعمليات، ومتابعتهم.
3 – إعداد الوثائق الإستراتيجية المهمة من نسخة واحدة (باليد)، مع إعطائها أعلى درجات السرية، والمحافظة على سلامتها.
4 – إتباع الأساليب العلمية، والاستخدام الجيد للأدوات والمواد الخاصة بإخفاء القوات وتمويهها (أفراد ـ أجهزه ـ معدات … إلخ).
5 – الإعداد الجيد لخطة المخابرات المضادة، مع الإصرار على تنفيذ إجراءاتها بكل دقة.
(ب) التقليدTradition
وهو أحد أشكال الإيحاء الذي يستخدم، بتوسع، خاصة على المستوى العسكري (تعبوي ـ تكتيكي)، ويتم بتقليد الأهداف المختلفة (أسلحة ـ مطارات ـ معدات ـ منشآت … إلخ). في مناطق هيكلية بما يمكن من خداع أجهزة ومصادر جمع المعلومات عن فكرة العمليات (مناطق تمركز ـ اتجاهات عمل وضربات رئيسية). وتستخدم معدات القتال والأسلحة الهيكلية وكذلك الأسلحة المدمرة/ عاطلة بتوسع لتنفيذ التقليد، ونشير هنا إلى أهمية تخصيص وحدات/ عناصر، تقوم بتنفيذ خطة القرائن الدالة عن نشاط الهدف (تحركات ـ صوت ـ ضوء ـ نشاط لاسلكي … إلخ)، أو ما يُطلق عليه “إجراءات بعث للحياة”.

الجزء الثاني
(ج) التظاهرPretend
وهو أكثر أساليب الخداع صعوبة وتكلفة، كما أنه يتطلب التخطيط الجيد، والسرية الكاملة، ووقت أطول من باقي الأساليب. إلاّ أن نتائجه الإيجابية، لها تأثير حاد على سير العمليات العسكرية. ويستخدم هذا الأسلوب على كافة مستويات الخداع العسكري، وعادة ما يركز على إخفاء هدف مهم، وإظهار هدف أخر أقل أهمية، لجذب الانتباه إليه، أو الخداع عن اتجاه الضربات الرئيسية، والحشود. ومن أبرز الأمثلة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، في هذا المجال، عملية إنزال نورماندي، حيث تم خداع أجهزة الاستخبارات الألمانية، وإظهار ما يؤكد قيام عملية الغزو على ساحل كاليه (200 ميل) شمال نورماندي، كذلك عملية غزو جزيرة صقلية، وإظهار الحشود، وأن هدف الغزو هو جزيرة سردينيا.
(د) الإعلام المخادع Deceptive media
ويستخدم هذا الأسلوب في تزاوج وتنسيق كامل لأساليب الخداع، ومن خلال الخطة المركزية للخداع الإستراتيجي. وتلعب وسائل الإعلام وأجهزتها، دوراً بارزاً في تنفيذ إجراءات الخداع الإستراتيجي، مع مراعاة أن تصمم الرسالة (الخبر المزيف)، في وسائل الإعلام، بأسلوب علمي دقيق، تحسباً للنتائج العكسية. كما يلزم على أجهزة الاستخبارات المراقبة المستمرة للهدف المخاطب لمعرفة ردود الأفعال (نتائج التأثير)، ومدى تأثير هذه الإجراءات على قراراته، أو ردود فعل العدو.
عندما يكون طرفان في حالة حرب وعداء، يكون من الصعب جداً شن هجوم مفاجئ، بحيث يكون مفاجئاً تماماً، في مثل هذه الحالات، يحاول منفذ الخدعة خلق انطباع بأنه يقوم بأعمال روتينية، وذلك عن طريق جعل العدو يدرك أنه يقوم بنشاطات متماثلة متكررة باستمرار.
وإحدى الطرق لتنفيذ ذلك تتم عن طريق تحريك حشودات عسكرية كبيرة تمهيداً لشن الهجوم بدون إثارة الاشتباه لدى الطرف الاخر بهذه التحركات، تحت غطاء إجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق.
في حالات كثيرة من هذا النوع، تتعزز أحياناً درجة السرية عن طريق عدم إبلاغ حتى القوات المشاركة في الهجوم بأنها على وشك الدخول في هجوم، يمكننا القول إن كل أنواع الخدع تهدف إلى تضليل العدو وتشويشه في موضوعين أساسيين فقط، أولاً: تضليله بشأن النوايا، ثانياً: تضليله بشأن القدرة.
إن استخدام الخدعة بهدف تضليل العدو في ما يتعلق بالقدرات العسكرية، يمكن أن يتم بنوعين: النوع الأول : موجه لخلق تقدير مبالغ فيه بالنسبة للقدرات بمصطلحات كمية ونوعية معاً، و يستخدم بشكل عام لدى القوى والدول الضعيفة التي تحاول ردع عدو أقوى منها، ولترجمة تفوق وهمي في مجال القدرات العسكرية إلى مكاسب سياسية، أو من أجل كسب أكبر وقت ممكن تستطيع خلاله إغلاق الفجوة القائمة في مجال القدرات العسكرية.
النوع الثاني: نحاول في النوع من استخدام الخدعة، إخفاء قدرات عسكرية موجودة ، ان هذا النوع من الخدعة، فيهدف إلى إخفاء القدرات العسكرية الموجودة، بهدف خلق انطباع بأنها غير قادرة على تنفيذ خطط هجومية معينة، أي إخفاء نواياها الهجومية أو إخفاء قوتها العسكرية لأسباب أخرى، وهذان النوعان من الخدعة، ليس بالضرورة أن ينفذا فقط في حالات الحرب، ويمكننا ملاحظة استخدام مثل هذا النوع من الخدع لدى المقاومة خلال الفترات السابقة وذلك بهدف خلق حالة ردع لدى العدو.

إن أي عملية خدعة ناجحة يمكن أن تكون موجهة أولاً وقبل كل شيء إلى أحد هذين الهدفين، ولكن في بعض الحالات يمكن أن تشمل الخدعة الهدفين معاً، حيث أنه توجد علاقة وثيقة بين النوايا والقدرة في ما يتعلق بإدارة الحرب.
عندما يقنع أحد الاطراف خصمه بأنه تنقصه بعض عناصر القدرة، فإنه قد يقنعه ايضاً بأنه ليست لديه أية نية للقيام بعملية عسكرية، فمثلاً في حرب أكتوبر روج المصريون إشاعات بأن بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات التي بحوزتهم تعاني من نقص كبير في قطع الغيار (قدرة)، وأنه من الواضح أنهم لا يزالون غير قادرين على المبادرة بشن حرب (نوايا) أيضاً. لاحظوا معي تصريح نتنياهو اليوم بأنه لا توجه إلى الحرب.
إن الخدعة المتعلقة بالنوايا، تكون دائماً تهدف إلى إخفاء الأهداف والخطط الحقيقية لعملية الخدعة، حيث يمكن تحقيق ذلك عن طريق السرية، أو بواسطة خطة تضليل فعالة ومعقدة جداً، التي من شأنها صرف نظر العدو عن النوايا الحقيقية، وتحويل انتباهه إلى اتجاهات أخرى، وهنا أقول، إن الخدعة من النوع الفعال يجب أن تعتمد دائماً على تمويه ناجح للنوايا الحقيقية بالإضافة الى تطوير (طعم) نوايا غير حقيقية.
إن أي خرق للسرية المتعلقة بالنوايا الحقيقية سيؤدي بالطبع إلى الفشل، وإلى تضليل وخداع الذات، حتى ربما تتحول إلى أداة في يد العدو يستخدمها في نشاطاته التضليلية التي يقوم به، إذ إن العدو يمكنه أن يتظاهر بأنه واقع ضحية خدعة، وبنفس الوقت يتوقع سلفاً إجراءات الجانب الذي ينفذ الخدعة، ويضع خطط المفاجأة أو ينصب مصيدة من جانبه، لهذا في عمليات الخداع المعقدة، الاحتلال لديه وحدة خاصة تحاول دائماً التأكد من أن الطرف المقابل قد ابتلع فعلاً الطعم، أم أنه يتظاهر فقط بأنه وقع ضحية خدعة.
عندما خطط الاحتلال في عام 1956 للهجوم على مصر بالتعاون مع بريطانيا والفرنسيين، خلقوا عن قصد، الانطباع بأنهم يعتزمون الهجوم على الأردن، عن طريق حشد قواتهم على مقربة جداً من الحدود الأردنية، وصعدوا عملياتهم الانتقامية ضد الأردن.
بالختام أقول الجزء المهم في فن الخدعة، يتمثل في :-
1 – القدرة على التفكير كما يفكر العدو، إذ إن ما قد يبدو منطقياً بنظر الجانب الذي يرسم الخدعة، ربما لا يبدو منطقياً بنظر الضحية الهدف، ويجب أن نكون على دراية بطريقة تفكير العدو.
2 – تشحيص مواطن الضعف والخلل في جسد العدو، قد تاخذ أهمية وشمولية كبيرة لدى واضع برنامج الخداع.
3 – السعي في الحصول على أفضل المعلومات التي يمكن الحصول عليها عن العدو، والتغلغل في صفوفه بواسطة استخدام الوسائل التكنولوجية والتقنية والبشرية {{ من أجل معرفة ما الذي تعرفه وما الذي تريد معرفته، وكيف تحصل على المعلومات التي تريد}}.
4 – لأنه كلما استطاعت تنفيذ عمليات خداع واختراق استخباري ناجح، سيسعى العدو بالمقابل بالرد من خلال أجهزته الاستخبارية، لذلك عليها أن تسأل نفسها باستمرار ما هي الاتجاهات المعقولة والأكثر منطقية التي قد يهاجم العدو منها.

أحدث المقالات