19 ديسمبر، 2024 1:21 ص

الخبز والفن حاجة انسانية

الخبز والفن حاجة انسانية

الخبز والفن مادتان لا يمكن الاستغناء عنهما، وهما تعبيران عن جوع وحاجة، جوع لجسد وحاجة لعقل، وعندما تفقد تلك المادتين من الفرد والمجتمع، فسيظهر تأثيرهما بشكل كبير على نظام الدولة والسلطة الحاكمة من جهة، وعلى قيم وعادات المجتمع من جهة اخرى.
وعبر التأريخ كانت شرارة الثورات وتغيير الانظمة، هي نتيجة لارتفاع اسعار المواد الغذائية بصورة عامة والخبز بصورة خاصة بين الطبقات الفقيرة والكادحة، ولو استعرضنا جزء من هذا التأريخ الحافل بالثورات، لعرفنا تأثير الخبز على تلك الثورات، كما حصل في الثورة الفرنسية فكان الخوف من نقص الخبز وعدم قدرة الطبقات المسحوقة من تأمينه كغذاء يومي، اضافة الى تقسيم المجتمع على اساس طبقي، وكان نوع ولون الخبز واحد من اساليب التمييز الطبقي في المجتمع الفرنسي، حيث كان الخبز الابيض للاغنياء، والخبز الاسمر للطبقات الوسطى، والخبز القريب للون الاسود للاغلبية من الفقراء والمهمشين، وكذلك عجز الحكومة من توفيره كان سببا في حدوث الثورة وتغيير النظام عام (1789).
والثورة الاخرى التي شكلت العالم الجديد هي الثورة الروسية ضد الامبراطورية القيصرية عام (1917)، اذ كانت من الاسباب الرئيسية لاندلاعها هو نقص الغذاء والخبز في روسيا، وبعد الثورة الشعبية بقيادة لينين تحول الحكم الى النظام الاشتراكي، كما ان من وصل للسلطة عمل على استنهاض الفن بكل اشكاله للحفاظ على مكاسب الثورة وتهذيبها.
اذ ان الفن، يعتبر حاجة انسانية ملحة كما هو الخبز، لان الفن هو غذاء الروح والساند لوعي الفرد والمجتمع، وهو المحرك الرئيسي في التعبير عن طموحات الجماهير الثائرة، نحو تحقيق مطالبها المشروعة من خلال التحريض واستنهاض القيم الثورية بصورها السلمية اللاعنفية، باعتبار ان الفن رسالة انسانية توعوية وفكرية، وقد لوحظ فعل اللوحة التشكيلية والعروض المسرحية والقصائد الشعرية والافلام السينمائية والتلفزيونية، التي عرضت خلال الانتفاضات الشعبية في اغلب بلدان العالم، كان لها تأثير كبير في تذويب وامتصاص الخلجات العنفية للثوار وتحويلها الى ممكنات سلمية قادرة على اجتياح الانظمة المستبدة وتغيير نظمها.
وبما ان اشكال النضال والكفاح هي الاخرى تغيرت، بفعل التطور الحياتي والتكنولوجي، واصبح التغيير وتداول السلطة سلميا عن طريق صناديق الاقتراع،
يبقى دور الفن كما كان عليه سابقا، ويبقى الخبز والفن مرتبطان لا ينفصلان ماداما يمثلان حاجة انسانية خالدة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات