(( قد لا يتجرأ أحدى من المؤرخين القدامى والمتأخرين منهم منة سرد حياة النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الحقيقة وإظهار ما خفي منها بأوامر السلطة الحاكمة آنذاك أما الآن فيمنع الخوض في تفاصيلها والبحث عن حقائقها بحجة الحفاظ على اللحمة الإسلامية والمسلمين حيث بقيت السيرة العطرة لنبينا أسيرة دفات الكتب وبطونها إلا من المعلومات الشحيحة هنا وهناك من قبل الباحثين عن الحقيقة على استحياء وخوفا من أصحاب القرار في إخفائها ومن لهم المصلحة في ذلك . فأن النبي محمد صلوات الله عليه الخاتم للأنبياء والرسل وصاحب الرسالة السماوية الوحيدة على الأرض والداعي للبشرية والجن جميعا لم نجد له سيرة متكاملة واضحة مثبتة ومدونة بواقعية على صعيد الولادة والنشأة والحياة العملية في بناء مجتمع متكامل للإنسانية حتى وفاته والتي تجاوزت الستين من العمر والمليئة بالأحداث والمواقف التي غيرت وجه التأريخ والمجتمع وفق ما رسمه له الحق سبحانه وتعالى بكتابه المقدس القرآن الكريم في بناء دولة العدل الإلهية كمنهاج للبشرية والإنسانية . فأن هناك كثيرا من المغالطات التي رافقت طفولته المباركة وكيف عاشها والمناخ الأسري الذي تربى فيه ومن هم الذين أشرفوا على حمايته وتهذيبه وأعداد هذه الشخصية المقدسة الحاملة للرسالة وخصوصا مرحلة الأعداد للنبوة التي مهدت لفترة الرسالة والتبليغ حيث أحاطها التأريخ كثيرا من الغموض وعدم الوضوح بقصد ذوبانها في بودقة النسيان فقد أوهمونا أن النبي المصطفى عاش يتيما بين يدي مرضعة بني سعد ( حليمة السعدية ) بحجة التعلم على الفروسية والبلاغة والشجاعة والفصاحة وتناسوا أن المجتمع المكي مجتمع حضاري في التنظيم تجاريا وسياسيا واجتماعيا وفكريا مجتمع منظم بأسواقه التجارية والثقافية المنوعة والمطلع على ثقافات الدول والمجتمعات التي يتاجر معها ومرتع للأسواق الشعرية والأدبية والبلاغة والأدب والخطابة والبيان في اللغة العربية التي خاطبهم الله تعالى وهو القرآن الكريم حيث قال تعالى ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا مبين ) كما وليس من العدل أن يُحرم الطفل من حنان الأم وهو فاقد الأب وتفريقه عن والدته آمنة بنت وهب بحجة واهية لم تصمد أمام العقل والحقيقة كما وأنه سليل الديانة الحنفية التي ورثها من آبائه وأجداده حيث تُذكر المصادر التاريخية المعاصرة أن جده عبد المطلب سلام الله عليه يُعتبر من أنبياء الفترة ووارث الديانة الحنفية فقد كانت نشأة المصطفى عليه السلام شابا يافعا محصن من دنس الجاهلية والفواحش زكيا عطر السيرة أمينا صادقا جميل الخلق والأخلاق حنفيا موحدا لم يسجد لصنم قط بليغا مطلع على ثقافات الآخرين ولغاتهم لم يقرب اللهو ومصاحبة الأشرار شريف الحسب والنسب كان كثيرا من أهل مكة لا ينحرون جزوا إلا دعوه ليدعو لهم عليه بالبركة متواضعا تاجرا مرموقا في قومه حلو الشمائل كل هذه الصفات النقية الصافية جعلت منه في مصافي ورتب الأنبياء والرسل فقد حُمل صلوات الله عليه في هذه المرحلة والتي تسمى فترة ( النبوة ) ملل وشرائع وتعاليم الذين سبقوه من الأمم منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم عليه السلام كان حامل هذه الرسالات والتعاليم والشرائع حتى سن الأربعين من العمر وهي ما تسمى مرحلة النبوة ولهذا خاطبه الله تعالى حين قال ( يا أيها المزمل ) و( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) من سورة المزمل الآية 1-5والمزمل جاءت بمعنى حامل رسالة أو شيء ما أو مكلف بحمل ثقيل فكانت هذه فترة النبوة وهي أعدادا فكريا وجسديا وأخلاقيا وعقائديا للمرحلة القادمة والمهمة الصعبة في حياة النبي محمد صلوات الله عليه وسلامه وعلى البشرية جميعا وكانت بداية المرحلة الثانية الرسالة والتبليغ والنذر حين نزل عليه الوحي جبرائيل عليه السلام بأول آية في الرسالة وهي ( أقرأ باسم ربك الذي خلق ) سورة العلق وبعدها ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وبعدها توالت عليه الرسالة السماوية المقدسة ترتيلا على مدى ثلاث وعشرين سنة من عمره الشريف حيث أن مرحلة الرسالة الثقيلة التي حمل لوائها الرسول الأعظم للإنسانية وهو يقاوم عجرفة قريش ورئساهم الذين زاحمهم في هيبتهم ومكانتهم الاجتماعية وتجارتهم فأن اعتراضهم ليس ضد التوحيد لله تعالى كما يزعمون وهم يعلمون أن المشركين يعرفون بوجود الله الخالق لكن أكثرهم أشركوا معه أصنامهم والبعض الآخر وخاصة قريش أشركوهم صيانة لتجارتهم ومكانتهم بين القبائل وعلى مضض يؤمنون به من خلال وجود الحنفاء بينهم كبني هاشم واليهود والنصارى والمجوس والصابئة ومخالطتهم الديانات الأخرى عبر تجارتهم مع بلدان الجوار كما أن المسلمين كانت لهم الفسحة البسيطة من اعتناق الدعوة الجديدة وخاصة من كبار قريش ولم يقفوا ندا للنبي محمد صلوات الله عليه لكن يعاني الصدود والجفاء من أشياخ قومه المتنفذين الماسكين على السلطة والمال بعكس ما صوروه لنا أصحاب السيرة المحمدية ولم يذكر القرآن الكريم سوى التعالي والكبرياء والتكبر والعناد كما قال تعالى ( أن الذين أجرموا من الذين آمنوا يضحكون ) (وإذا مروا بهم يتغامزون )سورة المطففين الآيات 29-30-31-42-33) . فأن النبي الكريم كان يمهد لدعوته منذ صباه وشبابه على نطاق حذر وضيق النطاق خوفا من بطش قريش ومن المتربصين به من اليهود والنصارى الذين كانوا يرقبون ظهوره خلال أربعين سنة من النبوة حتى مبلغ الرسالة والدعوة العلنية حين أعطاه الله سبحانه وتعالى الضوء الأخضر في الجهر بالدعوة والإفصاح عنها ( وأصدع بما تُؤمر وأعرض عن المشركين ) سورة الحجر 94 فرسالة النبي محمد مرت بمرحلتين هما النبوة والرسالة وقد أنجز النبي المهمة بقدر عالي من اليقين بها وذهب إلى الرفيق الأعلى بعدما أدى الرسالة المكلف بها للإنسانية جميعا والآن نعيش بظلها وفضل تعاليمها السمحاء )