في حواره الأخير مع قناة العربية تحدث السياسي العراقي المعروف (أياد علاوي) بطريقة فيها الكثير من السذاجة وقلة الخبرة ، ليست فقط كونها لا تتناسب وباعة الطويل في العمل السياسي ، فضلا”عن حصائل تجربته المخيبة للآمال سواء في قيادته لأحدى التكتلات السياسية الحالية أو في رئاسته للحكومة السابقة فحسب ، وإنما كذلك لعدم انسجامها مع سعة اطلاعه على نمط التفكير الأمريكي وطبيعة العلاقات الدولية ، لاسيما أنه قد أمضى فترة طويلة يمارس نشاطه المعارض تحت كنف ورعاية أجهزة ومؤسسات تلك الدولة البرغماتية . ومن جملة ما يعاب عليه السيد (علاوي) خلال تلك المقابلة ، حديثه عن الدور الذي لعبه والتأثير الذي مارسه على الإدارة الأمريكية حيال موقفها من الأزمة العراقية الحالية . إذ حاول الإيحاء كونه من جملة العوامل التي ربما سببت إحجام وتردد تلك الإدارة عن الشروع بالتدخل لمعالجة تداعيات الأزمة ، وبالتالي امتناعها عن إرسال بعضا”من قاطعاتها العسكرية لفرض تلك المعالجة . حيث تبين إن النصيحة (كذا) التي أسداها السيد (علاوي) لطاقم حكومة (أوباما) الأمني تضمنت فكرة ؛ إنكم تجهلون طبيعة المجتمع العراقي ولا تعرفون نمط شخصيته ولا تدركون – فيما لو تدخلتم – منحى ومآل الصراع الدائر بين أطراف المعادلة السياسية في العراق ! . كم هذا الاعتداد بالنفس مفرطا”في سذاجته ! تصوروا إن هذه الأمريكا (المسكينة) التي تتزعم سياسات العالم وتحدد خيارات شعوب المعمورة ، باتت تستجدي – لأغراض مخططاتها الإستراتيجية – النصح والمشورة بشأن قضية هي من كان المسبب الأول والمباشر في اندلاع ليهبها وتسعير عواقبها . ومن أين تطلب المساعدة ؟! صدقوا أو لا تصدقوا ، من بعض الساسة العراقيين الجدد الذين كانوا – وما زالوا لا يهشون ولا ينشون – مجرد ألعوبة رخيصة بأيدي المؤسسات والشخصيات الأمريكية الرسمية ، يأتمرون بأمرها وينصاعون لإرادتها حتى في أخص الشؤون المصيرية ، التي تتعلق بالشأن الوطني والأمني الصرف !! . تواضعوا قليلا”أيها السادة بالله عليكم ، واحفظوا ماء وجوهكم وتجنبوا أن تجعلوا من أنفسكم أضحوكة العالم . فأمريكا هذه التي تعتقدون واهمين أنها لم تبرح بحاجة إلى دوركم الصوري وتفتقر إلى خبراتكم الهزيلة ، لا تسمع إلاّ صوت نفسها ولا تصغي إلاّ لحفيف مصالحها ؛ ليس فقط من واقع كونها القائد الفعلي لما يسمى بالقطبية الأحادية الحالية وزعيمة العالم بلا منازع فحسب ، وإنما هي – ينبغي أن تتذكروا ذلك – وريثة الدول الاستعمارية القديمة ، بكل ما تحفل به خزائنها وأقبيتها السرية من وثائق ومحفوظات وملفات وأرشيفات ، حيث تحتوي على كم هائل وغني من المعلومات التاريخية والبيانات الانثروبولوجية من الدقة والوضوح ، بحيث يجهل تفاصيلها حتى أصحاب الشأن المعني ذاتهم . ولذلك لا تظنوا إن مراكز البحوث والدراسات الأمريكية المدججة بحشد هائل من الأساتذة والخبراء من كل الاختصاصات ، فضلا”عن المؤسسات الأمنية والاستخبارية المجهزة بأحدث الأجهزة وأفضل المعدات ، التي تمكنها من التقصي والاستخبار عن أدق الأمور وأصعب القضايا ، على مدار الساعة وفي أبعد نقطة ضمن قارات العالم الخمس . نقول إن كل هذه المعطيات وتلك الإمكانات لن تجعل من أمريكا دولة بحاجة إلى معونة أحد من كهنة السياسة ومعممي السلطة ، وبالتالي لن تحول دون حصولها على أية معلومة تحتاجها سياستها الخارجية ، بحيث تتصرف – غالبا”ما توفق – على وفق متطلبات أمنها القومي وأهدافها الكونية . هذا من جانب ، أما من جانب ثان ؛ كيف فاتكم أن تدركوا حقيقة فاقعة الوضوح مفادها إن الحكومة الأمريكية حين تعمد – لأغراض تعزيز معلوماتها وإنجاح إجراءاتها – إلى الاستئناس برأي هذا الطرف أو ذاك ، واستمزاج وجهة نظر هذه الجهة أو تلك ، حيال قضية من القضايا الدولية والإقليمية الساخنة والحساسة ، لا تبادر هكذا بوازع من الحرص على حل الخلافات وتسوية النزاعات التي تعاني منها شعوب العالم ، والتي غالبا”ما تكون هي من تسبب بتفاقم مشاكلها وتأجيج إشكالاتها ، وإنما تتصرف بوحي من دافع الخبث السياسي الذي تجيد إخفائه وتمويهه ، فضلا”عن الطبيعة النفعية المجعولة بمثابة فلسفة للدولة وعقيدة للمجتمع ، منذ الأيام الأولى لحصولها على الاستقلال عن بريطانيا ولحد الآن . ولذلك فان مسألة وضع حدّ للمحنة العراقية إما أن يكون أمريكيا”أو لا يكون ، هذا بالطبع دون أن نغفل – للحظة واحدة – دور القوى الإقليمية التي تدور ضمن فلك السياسات الأمريكية بالضرورة ؛ سواْء أكان بالتطابق والتوافق معها أو بالتعارض والتناقض ضدها ، إذ إنه في كلا الحالتين ستبقى عيون الجميع شاخصة صوب البيت الأبيض ، حيث جلاد الشعوب يمسك هراوة التأديب والتهذيب ، ويحجب خبث السريرة ومكر الطوية تحت قناع البراءة !! .