18 نوفمبر، 2024 12:55 ص
Search
Close this search box.

الخباثة الأمريكية والسذاجة العراقية !!

الخباثة الأمريكية والسذاجة العراقية !!

في حواره الأخير مع قناة العربية تحدث السياسي العراقي المعروف (أياد علاوي) بطريقة فيها الكثير من السذاجة وقلة الخبرة ، ليست فقط كونها لا تتناسب وباعة الطويل في العمل السياسي ، فضلا”عن حصائل تجربته المخيبة للآمال سواء في قيادته لأحدى التكتلات السياسية الحالية أو في رئاسته للحكومة السابقة فحسب ، وإنما كذلك لعدم انسجامها مع سعة اطلاعه على نمط التفكير الأمريكي وطبيعة العلاقات الدولية ، لاسيما أنه قد أمضى فترة طويلة يمارس نشاطه المعارض تحت كنف ورعاية أجهزة ومؤسسات تلك الدولة البرغماتية . ومن جملة ما يعاب عليه السيد (علاوي) خلال تلك المقابلة ، حديثه عن الدور الذي لعبه والتأثير الذي مارسه على الإدارة الأمريكية حيال موقفها من الأزمة العراقية الحالية . إذ حاول الإيحاء كونه من جملة العوامل التي ربما سببت إحجام وتردد تلك الإدارة عن الشروع بالتدخل لمعالجة تداعيات الأزمة ، وبالتالي امتناعها عن إرسال بعضا”من قاطعاتها العسكرية لفرض تلك المعالجة . حيث تبين إن النصيحة (كذا) التي أسداها السيد (علاوي) لطاقم حكومة (أوباما) الأمني تضمنت فكرة ؛ إنكم تجهلون طبيعة المجتمع العراقي ولا تعرفون نمط شخصيته ولا تدركون – فيما لو تدخلتم – منحى ومآل الصراع الدائر بين أطراف المعادلة السياسية في العراق ! . كم هذا الاعتداد بالنفس مفرطا”في سذاجته ! تصوروا إن هذه الأمريكا (المسكينة) التي تتزعم سياسات العالم وتحدد خيارات شعوب المعمورة ، باتت تستجدي – لأغراض مخططاتها الإستراتيجية – النصح والمشورة بشأن قضية هي من كان المسبب الأول والمباشر في اندلاع ليهبها وتسعير عواقبها . ومن أين تطلب المساعدة ؟! صدقوا أو لا تصدقوا ، من بعض الساسة العراقيين الجدد الذين كانوا – وما زالوا لا يهشون ولا ينشون – مجرد ألعوبة رخيصة بأيدي المؤسسات والشخصيات الأمريكية الرسمية ، يأتمرون بأمرها وينصاعون لإرادتها حتى في أخص الشؤون المصيرية ، التي تتعلق بالشأن الوطني والأمني الصرف !! . تواضعوا قليلا”أيها السادة بالله عليكم ، واحفظوا ماء وجوهكم وتجنبوا أن تجعلوا من أنفسكم أضحوكة العالم . فأمريكا هذه التي تعتقدون واهمين أنها لم تبرح بحاجة إلى دوركم الصوري وتفتقر إلى خبراتكم الهزيلة ، لا تسمع إلاّ صوت نفسها ولا تصغي إلاّ لحفيف مصالحها ؛ ليس فقط من واقع كونها القائد الفعلي لما يسمى بالقطبية الأحادية الحالية وزعيمة العالم بلا منازع فحسب ، وإنما هي – ينبغي أن تتذكروا ذلك – وريثة الدول الاستعمارية القديمة ، بكل ما تحفل به خزائنها وأقبيتها السرية من وثائق ومحفوظات وملفات وأرشيفات ، حيث تحتوي على كم هائل وغني من المعلومات التاريخية والبيانات الانثروبولوجية من الدقة والوضوح ، بحيث يجهل تفاصيلها حتى أصحاب الشأن المعني ذاتهم . ولذلك لا تظنوا إن مراكز البحوث والدراسات الأمريكية المدججة بحشد هائل من الأساتذة والخبراء من كل الاختصاصات ، فضلا”عن المؤسسات الأمنية والاستخبارية المجهزة بأحدث الأجهزة وأفضل المعدات ، التي تمكنها من التقصي والاستخبار عن أدق الأمور وأصعب القضايا ، على مدار الساعة وفي أبعد نقطة ضمن قارات العالم الخمس . نقول إن كل هذه المعطيات وتلك الإمكانات لن تجعل من أمريكا دولة بحاجة إلى معونة أحد من كهنة السياسة ومعممي السلطة ، وبالتالي لن تحول دون حصولها على أية معلومة تحتاجها سياستها الخارجية ، بحيث تتصرف – غالبا”ما توفق – على وفق متطلبات أمنها القومي وأهدافها الكونية . هذا من جانب ، أما من جانب ثان ؛ كيف فاتكم أن تدركوا حقيقة فاقعة الوضوح مفادها إن الحكومة الأمريكية حين تعمد – لأغراض تعزيز معلوماتها وإنجاح إجراءاتها – إلى الاستئناس برأي هذا الطرف أو ذاك ، واستمزاج وجهة نظر هذه الجهة أو تلك ، حيال قضية من القضايا الدولية والإقليمية الساخنة والحساسة ، لا تبادر هكذا بوازع من الحرص على حل الخلافات وتسوية النزاعات التي تعاني منها شعوب العالم ، والتي غالبا”ما تكون هي من تسبب بتفاقم مشاكلها وتأجيج إشكالاتها ، وإنما تتصرف بوحي من دافع الخبث السياسي الذي تجيد إخفائه وتمويهه ، فضلا”عن الطبيعة النفعية المجعولة بمثابة فلسفة للدولة وعقيدة للمجتمع ، منذ الأيام الأولى لحصولها على الاستقلال عن بريطانيا ولحد الآن . ولذلك فان مسألة وضع حدّ للمحنة العراقية إما أن يكون أمريكيا”أو لا يكون ، هذا بالطبع دون أن نغفل – للحظة واحدة – دور القوى الإقليمية التي تدور ضمن فلك السياسات الأمريكية بالضرورة ؛ سواْء أكان بالتطابق والتوافق معها أو بالتعارض والتناقض ضدها ، إذ إنه في كلا الحالتين ستبقى عيون الجميع شاخصة صوب البيت الأبيض ، حيث جلاد الشعوب يمسك هراوة التأديب والتهذيب ، ويحجب خبث السريرة ومكر الطوية تحت قناع البراءة !! .

*[email protected]

أحدث المقالات