مثلما التصق مصطلح النازية بألمانيا وهتلر، وهي حركة سياسية تأسست في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تمكن المنتمون للحزب القومي الاشتراكي العمالي الألماني تحت زعامة أدولف هتلر من الهيمنة عام 1933 على السلطة في ألمانيا وإنشاء ما سمي بدولة الزعيم والمملكة الثالثة.
ومثلما التصقت الفاشية بإيطاليا وموسوليني، وتشير الفاشية غالبا الى حكومة مستبدة يرأسها نظام دكتاتوري،
ومثلما تشير الماركسية الى الفيلسوف الألماني كارل ماركس وهي المبادئ أو الأصل الذي تفرعت منه الشيوعية والاشتراكية…
وهذه التسميات مثل غيرها قد تحولت الى ايديولوجيات اتخذت بمرور الزمن صبغة سياسية وأصبحت تشير الى مجموعة متجانسة من الأفكار والمعتقدات السياسية والاجتماعية.
الثورة الايرانية التي قامت في العام 1979 اصبحت في الكثير من الكتابات التاريخية والسياسية تحمل تسمية (الثورة الخمينية) نسبة الى روح الله الخميني، القائد الروحي لها من منفاه في فرنسا، ثم اصبحت الخمينية تطلق على ايران واخذت في لغة الخطابات السياسية والتاريخية تعرف بتسمية (ايران الخمينية) التي صبغت الثورة والدولة والنظام السياسي بصبغتها والتي اتاحت له ذلك السلطات غير المحدودة لمنصبه كولي فقيه..
رغم المحاولات العديدة التي فرضتها الخمينية كتوجه ديني وسياسي واقتصادي على المجتمع الايراني مستفيدة من الوهج الثوري وقتها، ومافرضته الحرب العراقية الايرانية من تحديات داخلية وخارجية، الا انها بقيت تلاقي الكثير من الصعوبات للتمدد والهيمنة، فهناك الكثيرون ممن لم يكونوا في وارد التسليم لسلطات الولي الفقيه المطلقة، سواء على مستوى الفاعليات الدينية كمراجع تقليد او فاعليات سياسية كاليسار الايراني والمثقفين الايرانيين..
من الفاعليات الدينية التي كانت تعترض على ابتلاع الخمينية لكل القوى الاجتماعية والسياسية والدينية، الفقيه والمرجع شريعتمداري، والفقيه المرجع محمد الشيرازي، والاول تمت تصفيته اما الثاني ففرضت عليه الاقامة الجبرية، وتم اعتقال عدد من ابنائه ومريديه..
لم تنته الخمينية بوفاة صاحبها، بل انتقلت وان بتسمية اخرى وهذه المرة (الخامنئية) كتعبير جديد عن محاولة التمدد الى الخارج الايراني، مستفيدة من مناخ سياسي فرضته التطورات الاقليمية والدولية، مثل انشاء مراكز ثقافية وجماعات مسلحة في الكثير من الدول العربية، ودعمها لجماعات موجودة اصلا خارج النطاق الشيعي مثل حماس واخواتها. وكذلك من تطورات على المستوى الداخلي انضجتها سنوات من البناء والاستثمار في قنوات للسلطة والقوة خارج حدود الدستور والقانون، مثل تنامي قوة الحرس الثوري (الباسيج) ومؤسسة اطلاعات، والتي عملت على توسيع نشاطاتها لتشتمل على المجالات الاقتصادية وابتلاعها بالكامل.
اذا كانت الخمينية رغم سطوتها التي استمدتها من صاحبها، كفقيه وقائد، الا ان الخامنئية لم تمتلك هذا الوهج وهذه الكاريزما، والتي افتقدت للكثير منها، مما جعلها تلجأ الى القوى الامنية والعسكرية لتامين مكانتها والتي تشعر بانها مهزوزة لايمكن لها الاستمرار دون اعتماد على هذه القوى..
وحتى وهي في صراعها لأجل تكريس مكانة لها صفة الشرعية التي تتوهم ان ولاية الفقيه يمكن ان تمنحها لها امام شرعيات اخرى، دينية او اجتماعية لاتملك نفس الحظوظ من السلطات العسكرية والامنية، مما يفرض عليها تحديا مستمرا لإثبات الوجود والبقاء.
مشكلة الشرعية هي نفسها تنتقل من الخمينية الى الخامنئية، مع وجود مرجعيات دينية تحظى بالحضور والتقليد، مثل مرجعية السيد صادق الشيرازي، والذي لايمكن له تحت اي ظرف من الظروف ان يبايع الولي الفقيه ويسمح لتلك المؤسسات العسكرية والامنية ان تبتلع كل شيء ومنها الارث الشيرازي في مقاومة الابتلاع من قبل الاخرين.
وهو في موقفه ضد الخامنئية كأيديولوجيا سلطوية يعتبر المعادل الموضوعي للمرجع الديني الراحل محمد الشيرازي ضد الخمينية ومحاولة ابتلاعها لكل صوت مستقل من المرجعيات الدينية او الفاعليات السياسية والاجتماعية في الوسط الشيعي، هذا الموقف الرافض جعل الاخرين يعيشون حالة مما يمكن تسميتها (الشيرازيفوبيا) اي الخوف من الشيرازية كمدرسة ومنهج للمقاومة وعدم الابتلاع.
و(الفوبيا) او الرهاب مرض نفسي يعرّف بأنه خوف متواصل من مواقف أو نشاطات معينة عند حدوثها أو مجرد التفكير فيها أو أجسام معينة أو أشخاص عند رؤيتها أو التفكير فيها. هذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر لمعرفته بهذا النقص. ويكون المريض غالباً مدركاً تماماً بأن الخوف الذي يصيبه غير منطقي ولكنه لا يستطيع التخلص منه بدون الخضوع للعلاج النفسى لدى طبيب متخصص، وتحدث معظم حالات الرهاب نتيجة تعلمها واكتسابها من الآخرين، كما يذكر ذلك علماء النفس..
وقد اكتسبت الخامنئية هذا الرهاب او الفوبيا من الخمينية السابقة لها، بسبب عدد من العوامل منها:
اتساع المرجعية الشيرازية في ايران وبقية الدول التي يتواجد فيها الشيعة..
المنجز الاعلامي الشيرازي والذي يتوسع كما وكيفا، وله تأثير في الاوساط الشيعية.
التفاعل الجماهيري مع المرجعية الشيرازية.
التألق والاسبقية والمبادرة.
وقد بلغ بالخامنئية كأيديولوجيا سياسية ودينية ان تصعّد من حجم تعدياتها على مصدر رهابها، وهو السيد صادق الشيرازي ومقلديه، فقد قامت باغلاق مكاتب الفضائيات التابعة له او لمقلديه، ومصادرة اجهزتها، واستدعاء عدد من مدراء المكاتب الى التحقيق معهم، كما قامت ايضا ولغرض محاولة تطمين هذا الرهاب او الفوبيا، بالكثير من التعديات كما حدث في الزيارة الاربعينية الاخيرة في كربلاء، من تمزيق لصور السيد صادق الشيرازي والتعدي على الاشخاص القائمين بالخدمة في المواكب او الحسينيات في مدينة كربلاء او في الطريق بين محافظتي النجف وكربلاء.
الى اي حد بلغت الشيرازيفوبيا لدى الخامنئية في ايران، وهي التي تسيطر على مقدرات دولة بحجمها واجهزة قمعية ليس لاحد سلطة عليها غير سلطة الولي الفقيه، امام مدرسة او خط لايملك من قوة غير حضوره العلمي او الاجتماعي داخل الوسط الشيعي؟
ستنتهي الخامنئية مثل كل ايديولوجيا سبقتها، والتاريخ يحفل بالكثير من الشواهد، وستترتب على انتهائها ايتام جدد يضافون الى ايتام حكامنا السابقين مثل ايتام صدام او ايتام القذافي.. اين هم الان؟