في يوم الخميس المصادف 12/29 من هذا العام اعلن كل من الرئيس الروسي والنظام السوري والمعارضة الاتفاق على وقف اطلاق النار في كل المناطق الملتهبة في سوريا . وقد تم استثناء كل من داعش وجبهة النصرة او فتح الشام من هذا الاتفاق . وبالرغم من اننا لم نتأكد بعد من ديمومة وقف اطلاق النار ، الا اننا نعتقد ان الامر سيكون جادا هذه المرة ، رغم محاولة البعض خرق هذه الهدنة لتعارضها مع مصالحه . وبذلك ستكون هذه الهدنة هشة يكتنفها الكثير من الخروقات . الا انها ستتأكد بمرور الزمن بعد ان يدب اليأس بمن يريد استمرار القتال الى امد غير محدود . ومن هنا جاء تساءلنا عن الخاسر والرابح في هذه الحرب في مقال سابق عند بداية التدخل الروسي توقعنا ان يؤدي هذا التدخل الى مفاوضات سلمية . الا ان المصالح المتعارضة للقوى الاقليمية المتصارعة على الارض السورية قد حالت دون ذلك .
ولكن الروس قد استطاعوا اخيرا من وقف القتال ، وان الهدنة هذه المرة ستؤدي الى مفاوضات فاعلة في العام القادم . . ان روسيا ليس لها مصلحة في استمرار الحرب ، لانها تمثل استنزافا لها في وقت تتعرض فيه الى عقوبات اقتصادية امريكية واوروبية نتيجة تدخلها في اوكرانيا ، واعادة جزيرة القرم اليها . ان لروسيا مصالح جدية في وضع قواعد لها على الساحل السوري . اضافة الى رغبتها في فتح جبهة جديدة لتخفيف الضغط عليها على الجبهة الاوكرانية . ويبدو ان الرئيس الروسي قد اطمأن نوعا ما من القادم الجديد للبيت الابيض ، فاراد ان يقدم له مشروعا للتوافق مقابل المصالح المتبادلة بين الروس والامريكان . ولذلك نرى ان الروس سيكونون اول المستفيدين من وقف القتال . في حين ان الامريكان لم يكن يهمهم الوضع في سوريا ، وعما اذا طالت الحرب ام قصرت . لا بالعكس ، ربما اطالة امد الحرب في نظر ادارة اوباما يحقق مصلحة امريكية لاستنزاف كل الاطراف المتحاربة . وهذه مصلحة مؤكدة لاسرائيل ايضا . . وبالمقابل نرى ان المعارضة السورية المتعددة الاطراف قد فشلت في توحيد فصائلها وتوحيد اهدافها . وقد ادى ذلك الى انهيارها التدريجي ، حتى وصل بها الحال الى التسليم بالامر الواقع بعد تعرضها لضغوطات عسكرية واقتصادية وسياسية لاقبل لها بها . . فرضخت للضغوطات التركية بايقاف القتال
اما النظام السوري ورئيسه بشار الاسد . فقد اختلفت الاطراف بشأنه . وعلى الارجح فان الروس مستعدين للتضحية بالرئيس السوري . الا انهم لا يفرطون بالنظام القائم ، وسيدخلون في مفاوضات طويلة من اجل الموائمة بين النظام والمعارضة لايجاد صيغة مقبولة لحكومة موقتة قد تستمر لسنوات
ان ايران والفصائل الموالية لها لا تجد في وقف القتال في سوريا اية مصلحة لها لسببين ، الاول ان وجودها ووجود الفصائل الموالية لها مرهون باستمرار هذه الحرب . اذ ان وقف القتال سينهي المبرر المعلن من تواجدها على الارض السورية . والسبب الثاني يعود الى ان التضحية في نهاية المطاف بالرئيس السوري سيؤدي الى عزلها عن سوريا ولبنان . لان الرئيس السوري بشخصه هو الضامن الوحيد لتحقيق المصالح الاقليمية لايران . ولذلك فان ايران والفصائل التابعة لها ستحاول بكل الطرق عرقلة وقف اطلاق النار ، او الاستمرار بالهدنة والوصول الى حكومة موقتة . لان ذلك يتعارض مع مصالحها
ان تدني اسعار النفط ، والحرب في اليمن قد حد من تدخل قطر والسعودية في الشان السوري . ان قطر قد عجزت عن تحقيق اهدافها من التدخل في سوريا كما ان السعودية قد وصلت الى طريق مسدود في الحرب اليمنية التي تستنزف مواردها يوما بعد يوم اما تركيا فانها بعد محاولة الانقلاب الاخيرة التي هزت نظام الحكم فيها ، وبعد موقف الولايات المتحدة المتذبذب تجاهها . قد ضاقت ذرعا في انعزالها عن المحيط الاقليمي والدولي ، مما حدا بالرئيس التركي الى اعادة النظر بالعلاقات التركية الامريكية من جهة ، والتركية الروسية من جهة اخرى . فآثر التوجه الى الروس ، رغم تورطه في اسقاط الطائرة الحربية الروسية . كما قام بتسوية نزاعه مع اسرائيل . لكون ذلك يضمن مصالح تركيا الاقليمية ، وخصوصا في المناطق الحدودية مع سوريا والعراق ، لدرء مخاطر حزب العمال الكوردستاني ( البككة ) وتوسيع نفوذها الذي اخذ بالتقلص في الاونة الاخيرة . اضافة الى رغبة تركيا في لعب دور اكبر من خلال وساطتها والضغط على المعارضة السورية المتواجدة على اراضيها لتحقيق وقف اطلاق النار ، ومن ثم المساهمة في تحديد مستقبل سوريا بما يضمن المصالح الحيوية لها في الشرق الاوسط
من هذا الاستعراض السريع يتبين لنا من هو الخاسر والرابح في الحرب السورية . . ولكن المتضرر الوحيد من هذه الحرب هو الشعب السوري ، الذي لازال يعاني من التدخلات الاجنبية على ارضه ، رغم اتفاق وقف اطلاق النار ، وهو حتى لا يعلم عما اذا كانت سوريا ستظل موحدة ام ان الشرخ الحاصل بالنسيج الاجتماعي لها سيؤدي الى تقسيمها