يفترض ان موقف وزير خارجية العراق يمثل موقف حكومته. لكن القرارات المصيرية والحساسة، مثل القرار الأخير لجامعة الدول العربية بشأن تعليق عضوية سورية في الجامعة، قد يتطلب موقفا أو مناورة من نوع آخر.
فالعراق يخضع لضغوطات داخلية وخارجية تجعل من اتخاذه قرارا مستقلا حول سوريا امرا صعبا، ان لم يكن مستحيلا. فإيران تحثه على الرفض. وأمريكا تطالبه بالتأييد. وفي الداخل هناك كتل وتيارات دينية متنفذة في البرلمان والحكومة تعتبر القرار خليجيا وتريد رفضه انتقاما من الخليجيين لموقفهم المضاد لانتفاضة البحرانيين. واصوات وكتل قومية وعروبية ترى في سوريا آخر راية عربية يجب ان تظل مرتفعة حتى لو كان الثمن انهارا من دماء السوريين. ثم موقف التحالف الكردستاني الصريح الذي يريد انهاء النظام السوري اليوم قبل الغد. وبين هذه المواقف المتضاربة هناك رأي لا يستهان به لقطاعات واسعة من الشعب العراقي ترى ان النظام السوري يستحق العقاب لانه اجرم بحقها من خلال فتح ابواب تدفق الارهابيين على العراق.
كل ذلك يجعل وزير خارجية العراق في وضع لا يحسد عليه في اجتماع الجامعة العربية. فحكومته، مرغمة لا بطلة، تريد الرفض. وهو كانسان عانى ما عاناه من نظام مستبد لم يكن يخلص منه لولا التدخل الخارجي. ثم انه يعلم بان مهمته الاولى هي مصلحة العراق قبل مصلحة سورية أو حتى مصلحة الدول العربية مجتمعة. وقطعا تحضر امام عينيه صور البطش والقتل اليومي الذي طال الآلاف من السوريين كما طال ابناء قوميته الكردية وشعبه العراقي في أيام حكم صدام. فماذا يفعل؟
هل يرفض قرارا حظي بموافقة اغلبية الدول العربية والاتحاد الاوربي واغلب دول العالم وباركته هيئة الامم المتحدة؟ أم هل يؤيد القرار الذي تؤيده كتلة التحالف الكردستاني التي ينتمي اليها؟ ثم ماذا عن مصلحة العراق لو أن النظام سوري سقط وتسلمت المعارضة شؤون الحكم؟ هل نصنع منها عدوا ونعطيه عذرا آخر لفتح حدودنا امام إرهابيين بثوب ولون جديدين؟
لا ينكر ان قرار معاقبة سوريا لا يخلو من مطبات طائفية وتصفية حسابات سياسية. انها فتنة بامتياز. والعرب مشهود لهم بخلق الفتن من يوم ما خلقوا. فان كان الحكيم من يمتلك نفسه عند الغضب، فانه ايضا من يمتلك صواب الرأي عند الفتن. وفي هذا ينسب للإمام علي قوله: “كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرع له فيحلب ولا ظهر فيركب”.
اعتقد ان السيد هوشيار زيباري وجد نفسه وسط فتنة فاختار قرار الحياد. لا أمتلك دليلا قاطعا على انه اتخذ القرار بنفسه. لكني متأكد بانه لم يتبع رأي كتلته، لانها صرحت بذلك. ولا الأطراف المتنفذة بحكومته التي وضح، ولو بشكل غير مباشر على لسان الناطق باسمها، بأنها كانت تتمنى رفض القرار.
المدى