إن الطائفية مرض أصاب المجتمعات منذ القدم, وخصوصا المجتمع المسلم, وهذا بنص قرآني صريح إذ قال عز من قال في سورة الأنعام الآية 159 { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. إذ تشير الآية الكريمة إن مسألة التفريق والطائفية موجودة في المجتمع المسلم, طبعا الطائفية ذلك المرض له أسباب ومقدمات تُوصل و أوصلت المجتمع المسلم إلى ما هو عليه الآن من اقتتال وسفك للدماء وتشرذم وتفرقة.
وهذه المقدمات والأسباب هو الحقن والشحن الطائفي الذي نتج عن الحقد والكره والبغض الذي تولد عن بعض من تصدى أو أراد أن يتصدى للقيادة والرئاسة في الحكومة والدولة الإسلامية – سابقا وحاضرا ومستقبلا – وهذه الأحقاد والضغائن دفعت بهذا الشخص أو ذاك بان يقوم بالدس والتحريف والتزوير والتشويه في التاريخ الإسلامي من خلال شراء الأقلام المأجورة وأيضا فتح المجال أمام وعاظ السلاطين بان يدسوا سمومهم داخل المجتمع الإسلامي, الأمر الذي جعل التاريخ الإسلامي تاريخ مملوء بالإحداث والوقائع والروايات التي لا صحة لها نهائيا بل أنها أوجدت لرفع شان فلان وتسقيط فلان.
ومن جهة أخرى ابتعد المتصدين لقيادة ممن حمل عنوان المسؤولية وخصوصا في الأزمنة الماضية القريبة عن التحقيق والتحليل والتدقيق والفحص بحيادية الأمر الذي دفع بالأمة إلى التشرذم والتفرقة, حتى أصبحت كل فرقة وطائفة ومجموعة ومذهب تؤمن وتعتقد بجملة من الروايات التي تتعارض وتختلف مع غيرها من طائفة وبالعكس, وهذا الإيمان ولد أن تحقد طائفة على أخرى وكل فرقة تكفر أختها, حيث اتفقت الطوائف على أن تكون الطائفية والفرقة بينها بسبب تلك الروايات المدسوسة والتي أوجدها ضعاف النفوس طلاب الدنيا وأصحاب المصالح الشخصية الضيقة, ولم تتفق تلك الطوائف على ما يجمعها ويوحدها من أساسيات الإسلام ومقوماته كالوحدة بالدين وبرسول الإسلام وبكتاب الإسلام … الخ.
فأصبح المجتمع الإسلامي بصورة عامة والعراق بصورة خاصة يعاني من تراكمات تلك الأسباب والمقدمات – خصوصا الابتعاد عن الحيادية في الطرح العلمي أو في التحليل أو التدقيق في التاريخ الإسلامي- التي جعلت الوضع على ماهو عليه الآن.
لذا وجب أن يتصف من يتصدى لقيادة الأمة والمجتمع الإسلامي بالحيادية والنزاهة والموضوعية في الطرح العلمي وفي تناوله الحقائق والوقائع التاريخية الإسلامية, وعدم الانجراف خلف الميل المذهبي والطائفي, لان في ذلك إحقاق حق وإبطال باطل وإنصاف وعدل وعدم غبن الآخرين, وهذا الأمر سيدفع ويعالج الطائفية ويقضي على كل أسبابها ومقدماتها ويكون سكينا في خاصرتها, بل أن الحيادية ستكون هي تابوت الطائفية.
ولان المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي الحسني هو المرجع الوحيد الذي اتصف بهذه الصفة – الحيادية – ولأنه هدد الطائفية ومروجيها وطلابها وتجارها, تعرض هو وأتباعه للاعتداءات المتكررة والمتواصلة وكان أخرها مجزرة كربلاء في 1 / 7 / 2014 م, حيث قتل أتباعه ومثل بجثثهم واعتقل المئات منهم وحكم عليهم بالمؤبد وهدمت دار المرجع الصرخي الحسني كل ذلك لأنه رفض الطائفية ولأنه حارب الطائفية و حارب أسبابها ومقدماتها من خلال اتخاذه المنهج الوسطي والمعتدل والحيادي في التحليل والتدقيق في التاريخ الإسلامي, وهذا ما لا يقبل به تجار الموت ومدمني الطائفية.
وهذا ما أكد عليه سماحته في محاضرته التاريخية العقائدية الثالثة والثلاثون التي ألقاها يوم الخميس 12 / 2 / 2015 م , في إشارته إلى الحيادية والوسطية في الطرح العلمي الذي اتخذه, إذ يقول ” دام ظله ” …
{ … نحن في مقام البحث العلمي لا نخرج عن الجانب العلمي، ليس لنا جانب الطائفية والتمذهب والسياسة والميل السياسي والمكاسب السياسية هذا ليس من منهجنا هذا ليس في فكرنا هذا ليس في درسنا وليس في بحثنا، وليس من درسنا وليس من بحثنا وليس من منهجنا وليس من رسالتنا, لا يوجد انتهازية في البحث العلمي, نبحث عن حق نبحث عن دليل نبحث عن برهان نتمسك به من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، كل إنسان الله سبحانه وتعالى منحه العقل ونحن نعطي الدليل والغير يعطي الدليل، فمن تمسك بدليلنا، وقبل التمسك يكون الدليل حجة عليه، فيجب عليه أن يتمسك بما ذكرنا ويتبع ما ذكرنا، وأيضا الغير يعطي الدليل والانسان عنده العقل يقارن بين هذا الدليل وبين ذاك الدليل فلينتخب ما يريد أن ينتخب، يكون سنيا، يكون شيعيا، يكون على مذهب آخر هذا بينه وبين الله سبحانه وتعالى، نحن مع الدليل نحن أصحاب دليل نطرح الدليل…}.