الحياء يعني الخجل، نعم انها خصلة راقية تزين صاحبها بهالة من الوقار والهيبة، وتضفي عليه الرصانة بمنأى عن الرطانة، والمهابة بمنأى عن الوضاعة، تعالوا لنحتمي بجلبابه الواقي من كل شر وحقد وغدر، فالحياء بهذا المعنى على ثلاثة أقسام حياء من النفس ومن الناس ومن الله تعالى، فالأولان يهيئان الانسان للولوج الى الحياء الأهم، الذي ينجي الانسان من مدلهمات الخطوب وطوارق الزمن الأغبر.
فالحياء عندما يتفاعل مع مفردات الحياة فانه ينصهر في بوتقة التكامل ليعطي ألقه الأخاذ رونقا ليس له مثيلا في الكون، ويمكن اعتباره ظاهرة تعبر عن الخوف من الظهور بمظاهر النقص، حيث يوجه الإنسان الوجهة الصحيحة التي تحفظ كرامته وتعزز كيانه الإنساني، وفي نهاية المطاف تهبه حصانة فريدة من نوعها، وتقوم بكبح جماح النفس عن ارتكاب المحرمات حذرا من لوم اللائمين وشماتة الشامتين.
والحياء بهذا الاعتبار التزام مبدئي بحدود الوقاية من الآفات والانطلاق نحو الإصلاح والخيرات، ومن لا حياء له لا يرتجى منه إلا الضرر والبليات، والمقيد بتعاليم السماء يتجلبب برداء الحياء، ويعلم إن الله تعالى مراقبه وهو في كل حال، فيبتعد عن الذنوب والمعاصي التي تهتك العصم وتزيل النعم.
وبقي أن نعرف إن المرأة وبما أنها مظهر العفة والرأفة والمودة والرحمة، فإنها تستحوذ على معظم أجزاء الحياء، فإنه جلبابها وصدفها الذي تتماهى به، إذا ما أرادت أن تعيش حرة كريمة مرفوعة الرأس والجبين، قال الصادق عليه السلام: (الحياء عشرة أجزاء تسعة في النساء وواحدة في الرجال، فإذا خفضت ـ تلفظت بكلمات نابية ـ ذهب جزء من حيائها، وإذا تزوجت ذهب جزء، فإذا افترعت ـ خلعت حجابها ـ ذهب جزء، وإذا ولدت ذهب جزء، وبقي لها خمسة أجزاء، فإذا فجرت ذهب حياؤها كله، وإن عفت بقي لها خمسة أجزاء)… من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج 3 – ص 468.
تبقى تلك المتمنعة، العذراء في خدرها، الحوراء في صفائها، تتسامى في علياء الخلود، لا يجاريها سيل، ولا يرقى اليها طير، في نبلها وألقها وسؤددها الأخاذ، تلك التي تحافظ على الأجزاء التسعة، وخير منها التي تستحوذ على الأجزاء السبعة ولكنها تحصن تلك الأجزاء بالزواج وتربية الأولاد التربية الصالحة النافعة، فيا لها من دوحة نظرة تسر الناظرين، تلك هي دوحة الطهر وما عليك أختي المكرمة الا امتطاؤها للسير الى مرفأ الخلود، ولكي لا تقعي في شراك الصلف والوقاحة تجنبي الالفاظ السوقية، واركني جانبا التحدث مع الأجنبي بغير وجه حق، وحافظي على جوهرة نفسك بالصدف الصلد المتماسك، لكي تكوني في عداد المحاطين بهالة الحياء الأخاذة، بعيدا عن ترهلات العنوسة، ومتاهات الميوعة، ومنغصات الحياة المادية الصاخبة، التي هي بمثابة السراب يترائى للعطشان انه ماء، ولكنه وهم وخيال.
أول مظاهر الحياء بالنسبة للمرأة هو ستر مفاتنها وزينتها عن الرجال الأجانب، وهو ما يسمى بالحجاب الشرعي والذي أوجبه الله تعالى عليها لحفظها والمحافظة عليها من دناءة نفوس الرجال الأشرار، فهي كالكنز إن لم تحفظ بشكل جيد فلا يأمن عليه من أن تمتد إليه أيادي السراق والخائنين.
ومن يتجرد عن الحياء فإنه يتجرأ في عمل القبائح، ولقد قيل إن المؤمن إذا عمل الذنب فكأنما أصيب بحجر على رأسه، والمنافق إذا عمل الذنب فكأنما ذبابة وقفت على وجهه، وشتان ما بين الموقفين، أين الحيي من فاقد الحياء؟! أين الذي يؤنبه ضميره ووجدانه بمجرد ارتكابه الذنب فيحجبه ضميره من الاستمرار والاستزادة، من الذي لا تزيده كثرة الذنوب إلا ارتكاسا في وحل الظلم والجريرة والهتك؟!.