18 ديسمبر، 2024 8:42 م

الحوزة ضد محمد الصدر!

الحوزة ضد محمد الصدر!

في كل ذكرى للسيد الصدر, اجدني حائراً في الكتابة عنه. والاسئلة تداهمني من كل جانب: ترى اذا كتبت عنه هل سيرضى اتباعه (الجٌدد) سيما اذا ذكرت بعدهم عن سلوكه العالي الذي مثّل اخلاق اهل البيت باجلى صورة؟ واذا اسهبت في كتابة المقالات عنه, هل يقبل الجميع عن ما اطرحه. وخصوصاً ممن لهم علاقة بمراجع الدين في النجف؟ لأن محمد الصدر شكل جدلاً واسعاً, وحدثت انعطافات كثيرة على المنصف ان يقف عندها بحياد, ويضع الحقيقة على الغموض الذي يلفها. واحسب ان هذا المقال سوف يقض مضاجع الكثير, وخصوصاً من اصحاب الجمود, والتقديس المفرط الذي ليس له مبرر. لكنني اعتقد ان من يبحث عن الحقيقة, ويريد ان يفصح بها, بالتأكيد لاينتظر من يرضى عنه. خصوصاً وإن كلمة الحق دائماً “تزُعل” …
خط المرجعية هو طريق فكري ورسالي يقف عنده المتتبع والباحث بأجلال واحترام . ذلك انهم لم يرضخوا لأي نظام ظالم, وحاكم جائر, وكثير من الانظمة المستبدة التي ظهرت خلال مسيرة التاريخ, كان علماء الشيعة لهم اليد الطولى في تأجيج مشاعر الناس تجاه الثورة, سواء كانت دموية او فكرية. وهذا الخط سار به محمد الصدر, وهو الثورة الفكرية, حيث يتم تعبئة الجماهير بمفاهيم ربما تبدو فقهية ودينية بحتة, لكنها تبطن نوايا ثورية جلية وواضحة لكل من عاصر هذه الفترة. لذا تجد محمد الصدر المرجع الاكبر الذي التفّت حوله الناس, اذ كان يمثل الحلم للطبقات الفقيرة المسحوقة, التي طالما سلبوها البعثيين, ووعاظ السلاطين بالحقوق التي كانت تذهب الى “الجيوب”حصراً. كان المتحررين في المجتمع يتوقون الى مرجع ينهض بهم من مستنقع الظلمات الحاصل من قبل المنظومة البعثية الفاسدة, والمؤسسة الدينية الراكدة. فالجموع الغفيرة التي كانت تذهب الى الكوفة, قاعدة قل نظيرها بالنسبة للمراجع. حيث كان التفاف الناس له اثره في اختلاق المعارك, وبث الادعائات السيئة على محمد الصدر.. وهنا لابد ان نتساءل : لماذا شٌنت الحملات لتشويه سمعة الصدر, ومن قبل الحوزة حصراً (على حدة من حملات البعث طبعاً)؟ ولعل هذا الفهم قد كان بعيداً عن الكثير, لأن الحوزة تتسم بتقديس كبير بالنسبة للعراقيين, فهم يعتقدون بها بعد الله, ولايصّدق هذا الفعل بتاتاً. لكن محمد الصدر قرّب الناس الى الحوزة ودهاليزها, وجعلهم يتساءلون عن الاشياء الغامضة التي تعتريها. وكان له الفضل في ذلك, اذ ان المراجع لم ينزلوا الى مستوى الناس اطلاقاً, وخصوصاً في غضون الفترة التي خرج بها الصدر فكان جلهم يجلسون في بروج عاجية منّظرين في الفقه, ومقّدمين اياديهم للتقبيل!. ان محمد الصدر قد هدم هذه البروج. فأنه خرج في صيرورة مذهلة, وغريبة ولم تمثل تتويجاً سابقاً لمسار السلوك الذي تتخذه الحوزة في طريقة التعامل المعروفة عنهم . لذلك كان هذا اشبه بالصدمة لهم. فبثوا عليه اشاعات غريبة عن روّاد الاسواق! وذكر السيّد بعضها في خطبة الجمعة (رحمه الله). وهذا الفضل يسري في نفوس الواعين والمثقفين (وهو كسر الحاجز الذي بين الحوزة والناس) وكانوا يقرّون بذلك دائماً . ولكن الكثير من البسطاء لم يتعّظوا, واخذت الادعائات الكاذبة طريقها الى المجتمع, وظنوا بالصدر انه ضد الحوزة ويريد هدمها, وهذا بسبب التخدير الديني لاتباع المدرسة الصفوية “الروزخونية” اذ انهم يقابلون كل تجديد بأشاعات سيئة, واسهام في اخفاق حركته حتى لو تعاونوا مع اعتى طغاة العصر!. ينقل لي رجل من كبار السن, انه كان عند ظهور السّيد, وصلاة الجمعة, وعندما سمع بها اراد الذهاب للصلاة, يقول: كنت اعتقد ان هذا الرجل هو الذي يخلّصنا من صدام, وفي طريقي الى الصلاة قابلني احد المعممين وكنت اثق به, فاقنعني ان هذه الجمعة باطلة, وقال: اذهب بنا لنصلي في بيت احد الاصدقاء!. حتى ان هذا الرجل صفّق بطريقة جنوبية قائلاً: “قشمروني, وحچيت على الصدر, عمت عيني”. وفي اعتقادي ان الذي جعل الحوزة تجّند معمميها واتباعها للانقضاظ على حركة الصدر التي كانت ضد سلطة البعث الظالمة . هو ان الحركة التي جاء بها الصدر, وإن كانت ذات طابع ديني صرف, لكنها عراقية بحتة(وهم لايقبلون بذلك!),وكذلك حاولت تقريب الناس من المؤسسة الدينية والاتصال المباشر بها, ومعرفة مايدور خلف جدرانها, ورفع مستوى الناس الى الدين ورجاله!. لكن الحوزة ارادت دون ذلك. فأقدمت على حرب شعواء ضد الصدر في سبيل ابعاد هذه الفكرة عن المجتمع المطيع لهم جداً. وترسيخ مبدأ ان المؤسسة الدينية لايمكن نقدها, والبوح بسلبياتها, ولاتصل اليها مستويات الناس لانها تمثل الله في الارض . فلا زلت اذكر العراقيون الذين كانوا خارج العراق في نهاية التسعينيات كيف يطعنون بالصدر, ويعتبرونه من ازلام البعث لانه تكلم عن الحوزة, وجعل الناس بعده (القليل طبعاً) ينقدونها نقد لاذع, وأوصاف ماكان يجرؤ عليها أي واحد منهم!. وكذلك انهم يخافون ان يصيبهم الاذى (اي الحوزة) وتتبدد السلطة التي كانوا يتمتعون بها, ذلك ان الحركة التي بدأ بها الصدر كانت هائلة, وضمت من العراقيون اعداد غفيرة, سيما في السنوات الاخيرة. وهذا بالطبع يبعث على الخوف والريبة, لانهم كانوا مسيّطرون على اكثر الناس, واموالهم التي كانوا يأخذونها بذريعة الحقوق. فجاء الصدر وسحب البساط من تحتهم, وهدم كل الافكار الراكدة التي اكل الدهر عليها وشرب!. فـمتى تٌكشف حقيقة هؤلاء المتسترين بغطاء الدين؟ وتعرف الناس أنهم على استعداد ان يحاربوا أي ثوري, ومفكر, ومصلح, يهدم قصورهم المزخرفة, واموالهم الطائلة التي لايحٌصل عليها في الاحلام!. نتمنى ان يكُشفون في قادم الايام, وتتجلى حقيقتهم امام البسطاء, خصوصاً بعد هذه الاحداث المؤلمة التي تمر بالعراق, ففي دوامة الفوضى, واحداث القتل الجمعي. لانراهم الا في الانتخابات, يحرضّون الناس على انتخاب المفسدين!.