قالَ الله- سبحانهُ وتعالى- في كتابهِ الكريمِ ( وإذْ قالَ ربكَ للملائكةِ إني جاعلٌ في الأرضِ خليفة، قالوا أتجعلُ فيها منْ يفسدُ فيها، ويسفكُ الدماءَ ونحنُ نسبحُ بحمدكَ ونقدسُ لك، قالَ إني أعلمُ ما لا تعلمون) البقرة: 30.
منْ خلالِ هذهِ الآيةِ الكريمةِ نبدأُ مقالنا، فنرى الله- سبحانهُ وتعالى- ربُ السماواتِ والأرض، يتحاورَ معَ الملائكةِ في موضوعِ خلقِ البشرية، وهوَ الخالقُ للملائكة، ما هذا الكرمِ والدرسِ الإلهي، ونحنُ البشرِ في أيِ اختلافٍ بسيط، نسلطُ لساننا، وأحيانا، نرفعُ سلاحنا بوجهٍ منْ نختلفُ معهمْ في الرؤى والأفكارِ، رغمَ تعايشنا المشتركِ في السنينَ منْ الزمن.
يعدْ الحوارُ في التعاملِ من خلال تبادلِ الرؤى والأفكارِ بينَ الأطرافِ المختلفةِ أشخاصا أمْ دولا، وصولاً إلى اتفاقٍ مشترك، وعادةُ ما يتطلب بعضُ العواملِ الأساسية للنجاح، تتمثل في : الاستماعُ الفعالُ إلى الطرفِ الثاني، الاحترامُ المتبادل، عدمُ التسرعِ في اتخاذِ الجوابِ للطرفِ الآخر، والقدرةُ على التعبيرِ عما يدورُ في خاطرِ المتحاورين.
منذُ سقوطِ الدولةِ العثمانيةِ في بدايةِ القرنِ التاسعِ عشر، وتوزيعَ أراضيها بعد اتفاقيةِ سايكسْ – بيكو عامُ 1916 على دولِ الحلفاء، التي شاركتْ في إسقاطها، وكانَ عراقنا منْ حصةِ المملكةِ المتحدةِ أوْ ما يسمى بريطانيا العظمى، فقدْ وجدَ أجدادنا القاطنون في هذهِ الأرضِ المباركة، أنفسهمْ في دولةٍ جديدةٍ اسمها العراقَ تحتَ الانتدابِ البريطاني، ثم، تحولتْ إلى مملكة ثم جمهورية الى دولةٍ مستقلةٍ ، بعد صراعاتٍ ودماء أزهت فوق ترابها،، لتضمَ في أكنافها: قومياتِ وطوائفَ وأديان ومذاهبَ مختلفة، يقودها الجميعُ بهدوءَ واتفاقِ فيما بينهمْ ، ولمْ نسمعْ مفردةٌ (محاصصةٌ ) ، واستمروا على هذه الشاكلة لعقودٍ منْ الزمنِ ، فقدْ اختلفوا ، تصالحوا تقاتلوا، لكنَ بقي العراق، وبقي من يحمل جنسيتها (الجنسيةُ العراقية).
بعدُ العامِ 2003 وما حصلَ فيهِ منْ تغييرٍ للنظامِ السياسي، وإقرارَ دستورٍ جديدٍ في العامِ 2005، بدأَ أهلَ العراقِ عامةً وإقليمَ كوردستانْ خاصةً يتنفسونَ الصعداءمن الديكنانورية المقيتة التي كانت راقدة على صدورهم لعقود من الزمن، وكان لكلِ طرفِ أحلامهِ وأمنياتهِ في البناءِ والاستقرار، وهذا لا يمكنُ أنْ يتتحقْ في يومِ وضحاها، فالطريقُ طويلٌ تتخللهُ الأشواكُ والعقاربُ والأسلاكُ الشائكة، فيهِ التخلفُ والعقولُ المتشددةُ والعاداتُ الباليةُ وفيها. . .! وما أكثرها، قبلَ الوصولِ إلى برِ الأمانِ وبناءِ الدولةِ الجديدة.
بينَ الحينِ والآخرِ تطفو على سطحِ تجربة الديمقراطيةِ الجديدة، خلافاتُ ووجهاتُ نظرٍ مختلفةٍ بينَ الحكومةِ الاتحاديةِ والإقليم، بسببَ حداثة هذه التجربةِ ، واختلاف تفسيرَالنصوص الدستورية كلَ طرفِ لصالحه، التي تتعلقَ في الجوانبِ السياسيةِ أوْ الاقتصاديةِ أوْ الماليةِ أوْ الأمنية.
إن الحوارَ والانفتاح؛ يكون شعارَ النجاحِ لكلا الطرفين، والطريقُ الأوحدُ إلى المستقبل الذي نبتغيهُ لشعوبنا، وليسَ كراسيَ الحكمِ الزائلة، وما أكثرها في التاريخِ القديمِ والحديث، فالشعوبُ هيَ الباقية، وجالسي الكراسيّ يتغيروا، مثلما يقولُ المثلُ السائدُ (كرسيُ الحلاقْ ) ، فالمتشمت، والحاسدُ لوحدةِ العراقِ يدفعُ للمنفذِ والمتسلطِ والحاكمِ الضعيفِ منْ المالِ وفقَ سعرِ السوقِ السائدِ له، منْ أجلِ تهديمِ التجربةِ الديمقراطيةِ الجديدةِ وزرعِ الفتنةِ بينَ الشعبِ الواحد، فلا يوجدُ صديقٌ دائمٌ في علمِ السياسة، ولا مستعمر باقٍ في أرضِ دولةٍ محتلةٍ في علمِ التاريخ، ولا حليف وافٍ لوعودهِ في علمِ الأخلاق. لقدْ بنيتْ وأنشأتْ الحياةُ على المصالحِ فقط، وارتكنتْ المبادئ جانبا، فليفكرْ الجميعُ وأولهمْ المسؤولُ التنفيذيُ وصاحبُ القرار، بعقلٍ متنورٍ في مصيرِ شعبه. وليسَ ما يتجمعُ في جعبتهِ منْ مالٍ ليكنزها في أحدِ البنوكِ السويسريةِ إلى يومِ الحسابِ أمامَ القاضي الأوحد، وليتذكرَ تاريخُ الحكامِ السابقينَ في بلدنا والآخرين، مما كانوا سلاطينَ زمانهمْ في الترفيهِ والتبذيرِ والتسلطِ والعبوديةِ والقتل، فقدْ تحولوا وعوائلهمْ بقدرةِ قادرٍ إلى متسولينَ في بقاعِ الأرض.
هذا هوَ الدرسُ الكبيرُ الذي يجبُ أنْ نستقادْ منهُ منْ الحياة. نقول: لأهلِ العراقِ في إقليمنا العزيز: الشعبُ الذي ظلمهُ التاريخُ والمستعمر؛ لتجعلواَ قبلتكمْ الثانيةَ في الحياةِ بعدَ مكةَ المكرمة، ساحةُ التحريرِ في (بغداد) فقطْ لأغيرها، لا برجَ إيفلْ في باريس، ولا نصبَ الحريةِ في نيويورك، أنَ التجارب، قدْ أثبتتْ أنَ الأجنبي في دعمه للآخرين، باسمِ الحريةِ والديمقراطية وحقوقِ الإنسانِ ، يهدف الى الفتنةُ وتفتيتُ الوحدةِ الوطنية، مهما كانَ الدعم الظاهري والإعلامي، فهمٌ يتخلونَ حتى عنْ أبنائهم، أنْ تعارضتْ مصالحهم، والتاريخُ يشهدُ على ذلك: في شاهِ إيران، وفيتنام وكمبوديا وأفغانستان، واليومُ وما يحصلُ في سوريا وتركيا.