في كتابه ( للتاريخ)، إضافة الى التأكيد على حق الكورد في الإستقلال كبقية شعوب العالم، وتوثيق الدوافع والمنطلقات التي جعلت السعي من أجل تقرير المصير أمراً حتمياً ومشروعاً، أشار الرئيس مسعود بارزاني الى ضرورة إتباع الكورد لسياسات متوازنة عنوانها الانفتاح على الجميع، واللجوء الى الحوار الجدي البناء في سبيل معالجة الإشكالات مع الحكومة العراقية، بهدف التوصل الى إتفاقات وحلول معقولة ومقبولة لدى غالبية الاطراف السياسية كما تطرق سيادته الى إستمرار الكورد في إرسال رسائل السلام، وجنوحهم للسلم كلما لمسوا جهوزية الطرف الآخر للسلام، وكلما رأوا الفرصة مواتية للوئام والإستقرار وتثبيت مبادىء الشراكة، رغم أن نصيبهم من الشراكة في الدولة التي بنيت على أساس الشراكة بينهم وبين العرب، (للأسف الشديد) كان الجينوسايد والأنفال والقصف بالأسلحة الكيمياوية والتعريب ومحاولة صهره وتدمير قراه ومدنه الآمنة وتدمير بيئته ونهب ثرواته.
في ضوء ذلك نركز في هذه القراءة ل(للتأريخ)، على تأكيد الرئيس بارزاني على الحوار ومغزاه في هذا العصر الذي يمكن أن نسميه بعصرالحوارات، ورفضه الشديد للإستسلام والخضوع للسياسات العدوانية وتقديم التنازلات دون خطوات ملموسة من الآخرين، لأنه كان على يقين بأن تقديم التنازلات أو حتى التلويح بتقديمها سيتم تفسيرها وفهمها بشكل خاطىء، وكموقف ضعف وعجز يدفع الآخرين للتشدد والتمادي في مواقفهم وسياساتهم العدائية التعنتية.
بعد إنتفاضة عام 1991، وفي سبيل طي صفحة مورس فيها بحقهم كل الجرائم البشعة التي يندى لها جبين البشرية، والتي تمت تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، أبدى الكورد الكثير من المرونة ولم يجنحوا إلى الأخذ بالثأر من الآخرين، ومن أجل إنهاء المعاناة والمآسي زارت القيادات الكوردستانية بغداد عدة مرات، وألتقت هناك بمجرمي البعث، ولكن من كانوا على رأس السلطة في بغداد لم يستلموا الرسالة الراقية لشعب كوردستان، ولم يتعظوا من التأريخ. بل إستمروا في تجاوزاتهم وإجرامهم. وفي عام 2003، كان الكوردستانيون يتأملون العيش في عراق جديد على أساس دستوري وديمقراطي، يتمتعون فيه بحقوق متساوية، وساهموا في صياغة الدستور وصوتوا له وأبدوا حسن نواياهم تجاه العديد من الملفات الشائكة.
وفي المرحلة التي عاش فيها العراقيون في ظل ظروف بالغة الخطورة والتي كانت مثخنة بالجراحات والإقتتال الطائفي، كان الكوردستانيون بقيادة الرئيس مسعود بارزاني على الدوام عاملاً للوحدة والتآلف، وتحاوروا مع الجميع ووقعوا على الكثير من الاتفاقات مع أناس (للأسف الشديد) لايؤمنون بالإتفاق، وكان مصير جميعها متشابها لمصير إتفاقية آذار 1970التي وقعت مع البعث. وتم التثبت من أن هناك بوناً شاسعاً بين الأقوال والأفعال، وانقلاباً دائما على كل الإتفاقات.
وخلال العملية السياسية العراقية ما بعد 2010، أي ما بعد إيقاف اللإقتتال الشيعي السني، واجه الكوردستانيون أجندات تهدف الى تقليص حضورهم ودورهم وسحب إمتيازاتهم وتحديد مستقبلهم وفق ترتيبات وتفاهمات وخرافات تصب في خانة السعي لوضعهم على هامش الأحداث، أو حتى خارج الحسابات السياسية، وتطفيء عندهم مصادر القوة وعوامل الصمود وإضعاف روح ومشاعر الإنتماء والولاء إلى كوردستان، بحجة مسارات المواطنة والولاء للعراق.
أما خلال سنوات الحرب ضد داعش الارهابي، فقد قدم الكوردستانيون الكثير من التضحيات، وحققوا إنتصارات مادية ومعنوية وكسبوا صداقات في دول الجوار وأصحاب القرار والدول الفاعلة، وحصلوا على الدعم من أطراف مختلفة، وربما كانت المفارقة الفريدة من نوعها هي إحتفاظهم بصداقات، وحصولهم على مساعدات، من أطراف لها أجندات مختلفة ومتنافسة فيما بينها على النفوذ والمصالح، بل كانت تكن العداء لبعضها لكنها إجتمعت وإتفقت على التشاور والحوار مع الرئيس بارزاني وحكومة إقليم كوردستان ومساعدة البيشمركه ودعمهم. ولكن مع من كان يحكم (في بغداد)، رفض مساعدة الكورد وقطع عنهم الموازنة السنوية وحاول منع إيصال المساعدات الخارجية لقوات البيشمركه. عندها تم التثبت، مرة أخرى، من أن هناك بوناً شاسعاً بين الأقوال والأفعال، وإنقلاباً دائما على كل الإتفاقات. وتبين أن مواقف الكثير من الذين من المفروض أن نتحاور معهم، لاتختلف كثيراً ًعن مواقف أسلافهم الذين قاتلونا من أجل رهن مستقبل ومصير وطننا وشعبنا بمصالحهم، وأجلوا وتماطلوا في الحلول ريثما يؤمنوا القوة وما يمكنهم من فرض نفوذهم وهيمنتهم وأحلامهم وأطماعهم، دون الإهتمام بمأساة شعب أو مصير أمة.