ان كتابة حوار مؤثر تمثل تحديا رئيسيا يتوجب على الكاتب القصصي ان يتصدى له قبل ان يتمكن من كتابة قصص قابلة للنشر.
وما يواجه الكاتب المبتدئ عند كتابة الحوار، هي مشكلات نمطية الى حد ما، كأن يكون حديث شخصيات القصة عديم الحيوية وجافا، حتى يبدو كالكلام الانشائي بدلا من كلام اناس حقيقيين. او ان تكون الاسطر مترهلة بالمعاني مؤدية بذلك الى ايصال افكار مجردة عاجزة عن ان تكون حديثا مقنعاً.
حديثا، بدأت انظر الى هذه المشكلات النمطية باعتبارها اعراضا.. لصعوبة جوهرية تتلخص في عجز الكاتب او رفضه للسماح للشخصيات بالكلام، في حين يتوجب عليه ان يتركهم يقولون ما يجب ان يقال وعلى سجيتهم.
هناك الكثير من الحوارات في القصة القصيرة المعاصرة، تبدو كحوارات بلا غاية.. ان لم تكن مشوشة تشويشاً كاملاً… حيث تبدو الشخصيات وكأنها تتبادل الصراخ والزعيق، بدلا من ان تتحادث، واذا ما كان هناك تفاهم، فانه يحدث خلف العبارات التي قيلت فعلا.
وعلى النقيض من ذلك، فان الكثير من الحوادث التي يكتبها الكتاب المبتدئون، تبدو واضحة ان لم تكن شفافة الى درجة تثير السخرية والتهكم. فعندما تتحدث الشخصيات بشكل دقيق جدا، وتتجاوب بصورة مضبوطة على ما قيل، فانها تغدو حبيسة او خاضعة للافكار التي ينبغي الكاتب توصيلها الى المتلقى بدلا من ان نسمعها تتخاطب على نحو قابل للتصديق. ومثال لهذا النوع من الحوار، تلك المحادثة التي تبدو بين احد الشهود والمحقق في بعض قصص الجريمة:
الشاهد- هناك شيء اخر ايضا
المحقق- ما هو؟
الشاهد- تذكرت.. ان (فلان) كان يحمل حقيبة
ان مثل هذا الحوار، موجه بصورة خاصة لغرض تحريك حبكة القصة امامنا، او لاعطائنا تلميحا او اشارة خفية حول النهاية. ومثل هذه الحوارات (شفافة) الى درجة انه يفترض منا ان ننتظر من خلالها لنرى كيف تتفكك الحبكة.. ومن ثم الى نهاية القصة تقوم شخصية ما بالقاء ما يشبه الموعظة حول الجريمة والعقاب.. وعلى الرغم من قدرة الكتاب الذين يعانون من مثل هذه الحالات المتطرفة… الا ان الكثير من الكتاب يخضعون الحوار الى الحبكة او الفكرة، وبذلك يعيقون امكانيات الاقتناع بحديث شخصياتهم.
ان الحوار في القصة القصيرة لا يختلف كثيرا عن الحوار المسرحي، من حيث خلوه من المباشرة.. اي يجب ان يبدو خاليا من البراعة والهدف، الا ان البراعة والهدف.. مخبؤان بعناية وليسا مهملين.
ان احد المفاتيح لهذا النوع من الحوار، هو ان يثق الكاتب في الشخوص الذين يصنعهم، بحيث يسمح لهم بالكلام على سجيتهم وفي مسار العملية، سوف يخدمون الحبكة القصصية او النزاع الدائر فيها.
ان قضية الاغتراب من نوع او اخر.. هي مركزية بالنسبة للقصة القصيرة المعاصرة. كما ان جعل الشخصيات تتجادل مع بعضها هي احدى الطرق الى جعل فكرة الاغتراب مشحونة بالتضارب والاحداث الدرامية.
بالطبع ان خلق حوار بين شخصيات القصة، هو مشروع اسهل عند القول منه عند العمل فهو يحتاج الى كم هائل من الانضباط والمغامرة من قبل الكاتب. وكلما كانت الفكرة او الموضوع المطروح كبيرين كلما ازداد الاغراء لكي يقوم الكاتب الارشاد وايضاح الافعال والافكار لكي يتدخل عنوة في كل حوار يضمنه في النص. ورغم فائدة هذه التقنيات – من وصف وسرد – وكونها مفضلة في بعض الاحيان على الحوار، الا انها وعلى كل حال طرق غير مباشرة للسيطرة على الشخصيات.
ان شكل القصة القصيرة نفسه يساهم في توجيهنا نحو كبت الشخصيات… حيث انه عندما يكون نصب اعيننا الكتابة في جنس ادبي يعتمد على التكثيف والتركيز، كما هو الحال في القصة القصيرة، فان اخر ما نود القيام به هو السماح للشخصيات بتبادل المزاح.. اما بالنسبة للروائيين، فانهم لا يواجهون هكذا ضغوط.
الا انه من المزاح قد تأتي المفاجآت… فقد تقول الشخوص اشياء ماكنا نتوقعها، وبطريقة مؤثرة وطريفة. واذا ما فاجأت الشخصيات كاتبها وهو الذي اخترعها ويفترض انه خبرها جيدا.. فلنتصور المفاجأة الكبيرة التي سيثيرونها لدى القارئ الذي يقابلهم للمرة الاولى. عند كتابة المخطوطة الاولى- المسودة- فمن الضروري مقاومة اي اغراء لايقاف تبادل الحديث والحوار، بسبب نفاذ الصبر فقط.
اما اذا وصلنا الى مكان في القصة يكون في حاجة واضحة للسرد والوصف. فذلك امر لا ضر فيه. كما يجب ان نحمل روح المغامرة بجعل الشخصيات تغير من مسار الحبكة او تعيد صياغة النزاع القائم او حتى ان تعيد صياغة نفسها، ذلك ان جعل الشخصيات تتخاطب، قد يكون الطريق لجعلها تتحرك بحرية في القصة، وبذلك يسمح الكاتب للاجزاء الاقل توترا ومباشرة من ذهنه بتشكيل مجريات القصة.
واذا ما كانت القصة من النوع الذي يتمحور حول شحصية ما بدلا من حبكة، فعلى الكاتب ان يجعل تلك الشخصية تتكلم في المسودات الاولى، اذ انه، يجب معرفة تلك الشخصية بصورة جيدة، وعلى اقل تقدير، يجب معرفتها بصورة كافية لمعرفة كيف تتحدث هذه الشخصية. ثم على الكاتب ان يكون فكرة عامة حول توجه المشهد، ولكن عليه الاحتفاظ بالقدرة على السماح للمشهد بان يحيد عن ذلك التوجه الابتدائي اذا ما دعت الحاجة الى ذلك.. بعدها.. يكون الوقت قد حان للسماح للشخصيات بان تدخل في الحوار.. ان تتكلم تتمازح، تتساءل، تتمتم، تتفاهم، وتسيء التفاهم.
واذا ما نفذ صبر الكاتب حول توجه الحوار، عندها، فعليه ان –يرثي- نفسه عبر الاستمتاع باللغة ذاتها وبايقاع العبارة وحيوية المحادثة.
ولنتذكر – بما ان الكتابة تليها اعادة الكتابة والتنقيح، فان الكاتب ليس ملزما بالاحتفاظ بكل ما كتبه من كلمات، وان هناك الفرصة دائما لتشذيب الحوار واعادة تشكيلة. اضافة الى ذلك يجب ان لا نسمح لشخصية مفردة ان تحتكر الحديث.
وهنا، علينا ان نفكر في الحوار وليس في المفاجأة الذاتية- المونولوج- حيث ان المفاجأة الذاتية عبارة عن طريقة مثلى لاسكات الشخصيات الاخرى. وغالبا ما تكون المفاجأة الذاتية صوت المؤلف بدلا من صوت الشخصية.
وبعد ان نعطي الفرصة للشخصيات بالكلام والتخاطب، لنا ان نقرأ، ما كتبناه بصوت مسموع.. عندها سنستطيع التغلب على مشكلة الحوارات الجافة والمتبلدة، وعلى روح الارشاد والخطابية التي ينفر منها الكتاب الجادون.
وفي مسار العملية… سنتعلم كيف نشحذ الشخصيات ونصوغها بصورة واضحة. ذلك لان الكاتب يتعرف – بصورة جزئية ان لم نقل كاملة- على طباع البشر الذين يعايشهم عبر الاستماع الى مايتفوهون به.
اننا اذا ما اعطينا الشخصيات الحق في التخاطب بما قد يبدو اسلوبا عشوائيا فانها قد تكشف لنا افاقا جديدة لفكرة القصة، وقد تتواصل بامكانيات ربما كانت خافية علينا .
ـــــــــــ المادة مترجمة عن الفرنسية سبق ونشرتها في جريدة القادسية عدد 24121996واعيد نشرها اعماما للفائدة .