23 ديسمبر، 2024 8:26 ص

ربما لاتمر علينا حقبة زمنية يكاد يكون فيها الحوار سواء مع الذات ام الاخر مقطوعا مثل هذه الحقبة من زمن التحول المجتمعي سياسيا وثقافيا وفكريا وسلوكيا.  ويبدو ان مستوى ونوع التداخل في هذا الحوار متباين الى حد كبير بين ماهو سياسي وماهو ثقافي او اجتماعي او نفسي او سلوكي. المثقفون اما تحولوا الى سياسيين  ” يقود بعضهم احزابا او واجهات قريبة من احزاب او ناشطون  في بعض الكتل والتيارات “. وبينما ينحسر دور الاكاديميين وبخاصة المثقفين منهم بسبب تراجع ادوار التيارات الليبرالية وانحسار دور الطبقة الوسطى فقد ظهر لدينا جيل لكن هذه المرة من البرلمانيين ممن توهموا ان دخولهم قبة البرلمان يعني انهم صاروا من رجالات السياسة. يشمل هذا من حصل منهم على 50 صوتا, بينما اجتاز العتبة التي هي هنا “ليست كزاز” مثلما تقول الاغنية اما باصوات “الزعيم الاوحد” اواصوات الغلابى من جماعة الخاسر الاقوى ممن ينطبق عليهم المثل الشهير “يكد ابو كلاش وياكل ابو جزمة”. المصيبة ان هؤلاء النواب نسوا  ادوارهم الرقابية والتشريعية وراحوا “يخوطون بصف الاستكان” من قبيل  دعوات مضحكة تصدر عن بعضهم نوابا ونائبات وبصورة يومية مملة ومقرفة ومثيرة لكل انواع الاشمئزاز للكويت لكي تكف عن المطالبة بالديون ولتركيا لكي لاتمول الجيش الحر ولقطر لكي لاتمنح طارق الهاشمي فلوسا ولاوباما لكي لا .. يتزوج على ميشتل. اما المثقفون او من بقي منهم يتذكر ان هناك قصة وشعر ورواية وبقايا ادونيس وجائزة نوبل فان منهم من انخرط حتى في المكتب السياسي للعشيرة ناهيك عن الطائفة. والمحصلة ان كلا  الطرفين اضاعا المشيتين معا.. “لم يتعلموا مشية الطاووس ونسوا مشية الغراب” . وكلاهما ايضا “لم يحظ برجيله ولم ياخذ سيد علي”. وحين تبحث عن الاسباب والمسببات فتكاد تعود الى ما اسميناه بالحوار المقطوع  بين “حداثة” تجربتنا الديمقراطية في مقابل “حداثة” التعاطي مع ثورة الاتصالات وتوابعها والتي تكاد تكون ربيعا مضمرا مع انها اخطر من الربيع العربي. بسبب التداخل بين حداثة التجربتين غالبا ما يحصل نوع من التناقض بين طريقة تعبيرنا عن انفسنا وعن الاخر بوساطة هذه الوسائل وبين مستوى ايماننا بالديمقراطية. ووجهة نظري (غير المتواضعة) ان هناك منطقة فراغ بين كلتا الحالتين .. بين الايمان بالديمقراطية وبين القدرة والكفاءة على التعاطي مع الادوات المساعدة لنشرهذه الديمقراطية. وقد انعكس ذلك على كيفية بناء الانسان بدء من الاسرة وبناء الدولة ومؤسساتها بدء من الحكومة. فالاسرة تدير حوارا مقطوعا بين الزوج والزوجة والابناء او مع المحيط القريب اوالبعيد. والكتل والاحزاب تدير حوارا مقطوعا هو الاخر (والدليل انه لم ينتج شيئا) فيما بينها وبين الاخر, لكن ليس من اجل بناء المؤسسات او تفعيل الاقتصاد او ايجاد بدائل للنفط بعد 50 عاما او معالجة مخاطر التلوث على احفادنا بعد 70 عاما. بل كل حوارها المقطوع ينحصر في ايسر السبل والوسائل للابقاء على “التهدئة” حتى الانتخابات القادمة. وهذه المرة ليس بسبب وجود خطط وحسابات بل لاستسلام الجميع لنظرية اكتشفها العراقيون قبل الفيس بوك وتويتر بمئات السنين وهي نظرية .. من الان الى ذلك الوقت “الف عمامة تميل).