تشاع هذه الايام بين القوى السياسية ما يسمى بالوساطة للحوار وتقريب وجهان النظر لحل المشكلات التي تعيق العملية السياسية واكمال الحكومة وخاصة الوزارات الامنية منها و من الواضح ان تلك الخلافات ليست سياسية انما شخصية وصراع ارادات من اجل لي الاذرع (( والطايح رايح ))، مما ادت الى فشل الحكومة وعجزها عن القيام بأبسط واجباتها وما وصلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتنموية المتدهورة التي آلت إليه في السنوات الخمسة عشرة الماضية اضافة الى الفساد المالي والاداري المستشري وشكلت في مجملها بيئة خصبة لتنامي الارهاب و تنشيط عمل حزب البعث واتساع رقعته في الاونة الاخيرة ودخوله مجلس النواب في الانتخابات الاخيرة بشكل واضح وقياداته وشخصيات سياسية اخرى اخذت بالتحدث بشكل علني عن ذلك ،
ولكن يجب علينا ان نأخذها الامرعلى محمل حسن لان الحوار أصبح مطلب رئيساً من مطالب الحياة وتخدم المجتمعات التي تسعى الى السلم والمحبة لعبور التوترات والازمات والعيش بأمان واستقرار .الاختلاف والتعددية بين البشر قضية واقعية ،وتعتمد في ايجاد الحلول لهاعلى مهارات الوسطاء و قدرتهم ومقبوليتهم للعبور الى الطرف الاخر لدى المتحاورين ليساعدهم على الاتصال الفعال بوضوح لتجنب الأخطاء المكلفة وهذا اذا ما كان هناك حرص لايحتاج للاعلام والتبويق في وسائلها ، ومن صفات الوسيط الناجح كما تقول باربارا أندرسون في كتابها التفاوض الفعال ” بأنه لديه قوة التحمل ونضج الشخصية، ويتمتع بالذكاء والدهاء، ولديه حسن التصرف وسرعته، وإجادة فن الاستماع والانصات، وسرعة الملاحظة والفطنة، واللباقة والكياسة “، ونحن نضيف ان لا يكون حزء من المشكلة ولديه الإدراك الشامل والكامل بالامور الواقعة والاتكال على الجانب القوي وتجزئته وترك الضعيف .
ويمكن أن نشرح الكثير من التكتيكات الفعالة للاستماع الفعال، فهناك طرق للقبول أو الرفض وكيف تحولها لمفاوضات وآلية تعامل مع القضية التي يتم البحث فيها من خلال توظيف الاختلاف وترشيده بحيث يقود أطرافه إلى فرصة وفريضة للتعارف والجلوس على مائدة الحوار، ويجّنبهم مخاطر توسيع الشقاق والتفرق و يستطيع من خلاله الإنسان المفاوض التواصل مع من حوله وفهم أفكارهم و مناقشتهم فيها ضمن إطار الاحترام وتبادل الأفكار و شرح المضمون بطرق أكثر سهول ولاعطاء صورة متطورة من صور حل النزاعات والصراعات. لقد اعتادة البشرية منذ الخليقة على إنهاء صراعاتهم والتحرك في أفق الصراع الذي يقسم المجتمع إلى جهتين متصارعتين ( اولاد ادم عليه السلام هابيل وقابيل ) على الأقل بالقوة التى تشمل قوة البدن وقوة العدد وقوة الاقتصاد وقوة السلاح إلى غير ذلك ولا يمكن ان ننكر من ان الاختلاف بين الناس حقيقة فطرية ، وقضاء إلهي أزلي مرتبط بالابتلاء والتكليف الذي تقوم عليه خلافة الإنسان في الأرض .وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم اذ قال تعالى :
“وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ” [المائدة:48] ، “ولا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” [النحل:92-93]
التحاور مفتاح ذهبي لإقناع الاخر وازالة العقد ، وهو من الممارسة العقلية الهادفة في الحياة اليومية ويجب النظر اليها بنظرة ايجابية مؤثرة على نشاطنا ومشاعرنا، ويجعلنا مستعدين للعمل مما يقضي على العزيمة، وتقوية الطاقات وازالة الهموم والأحزان ولقد أضحى الحوار يستمد حتميته من كونه المخرج أو المنفذ الحضاري الوحيد الممكن استخدامه لمعالجة القضايا التفاوضية العالقة بين ألامم وشعوب العالم بشأن المشاكل والخلافات المتنازع عليها ومن ناحية أخرى هو يمثل مرحلة من مراحل حل القضايا محل النزاع إذ يستخدم في أكثر من مرحلة وغالباً ما يكون تتويجاً كاملاً لهذه المراحل نجاح ، فالتفاوض كأداة للحوار يكون أشد تأثيرًا من الوسائل الأخرى لحل المشاكل والتواصل بين المجتمعات ومن المسلمات التي لا تقبل الشك، ولِمَ لا؛ وقد أصبح العالم – كما يشاع عنه – قرية صغيرة اثر ظهوروسائل الارتباطات الحديثة ، ففي ظل هذا الانفتاح الكبير والعولمة الحديثة أصبح الانعزال والتقوقع أمراً منبوذاً؛ فلا يصح لدولة من الدول أو مجتمع من المجتمعات أن يعيش بمعزل عن العالم بمتغيراته وتطوراته وأحداثه ومستجداته ومشكلاته وقضاياه.
فالحوار والتواصل بين أفراد المجتمع الواحد، أو بين الدول ونظيراتها في العالم أضحى ضرورة ملحة يفرض وجوده وآثاره وتبعاته ، لإن الحياة تتطلب منا الجهد والتعب والسلمية وبالجد والاجتهاد لا بالطرق الملتوية والتسلق على أكتاف الآخرين وعلينا ان نبذل الغالي والنفيس من أجل أن نبلغ القمم ونعانق السحاب ولكن يجب أن نرتقي بطموحنا بالطرق السليمة والقدرة الذاتية وتنميتها بشكل صحيح دون الالتفاف على حق الغير .واذا اخطأ الانسان ليس عيبا أن يتراجع عن خطأ ارتكبه، أو انحراف تلبس به فترة من الزمن، أو الاعتراف بالذنب وتصويب مسار معوج سابق،
والاعتراف بالخطأ فضيلة بل هذا واجب ومطلوب إذ يقول رسولنا الامين عليه واله الصلاة والسلام (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ).
لكن من المعيب الإصرار على الذنب وعدم الاعتراف به ، ومن الطامات الكبرى البقاء على مسار منحرف أو فهم خاطئ أو معتقد فاسد أو نهج معوج أو سلوك مشين والإصرار عليه، بعد معرفة الحق والصواب وطريق النجاة من المهلكة الكبرى