18 ديسمبر، 2024 6:02 م

الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق

الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق

عصا موسى – لتجنب كوارث اقتصادية وامنية
تستعد بغداد وواشنطن لبدء حوار استراتيجي منتصف يونيو/حزيران الجاري لتحديد مستقبل العلاقات بين الجانبين،، وسط تحذيرات من ألاعيب إيران ومحاولاتها للانفراد بالعراق حيث ادت هجمات مليشيات إيران ووكلائها على المصالح. الأمريكية في العراق لتدهور العلاقات بين بغداد وواشنطن منذ نهاية ٢٠١٨
طرحت الولايات المتحدة على العراق، البدء في حوارات استراتيجية انطلاقا من حزيران/ يونيو المقبل، لإعادة تنظيم العلاقة بين البلدين، بعد بحث كل القضايا الإستراتيجية ومنها مستقبل الوجود العسكري الأمريكي.وفي الوقت الذي رحبت فيه الحكومة العراقية بدعوة الولايات المتحدة، فإن فصائل وقوى مقربة من إيران عارضت ذلك بشدة واعتبرته إحياء لاتفاقية الإطار الإستراتيجي بين البلدين التي وقعتها واشنطن وبغداد عام 2008.
دعوة واشنطن جاءت نتيجة للضغوط العراقية بعد قرار البرلمان القاضي بإجلاء القوات الأمريكية، وبالتالي يأتي مع واقع سياسي مضطرب وانهيارات اقتصادية متوقعة بالولايات المتحدة قد تؤثر في شعبية الرئيس ترامب، نتيجة الإخفاق في إدارة أزمة كورونا ,, المعايير الدولية لا تسمح بنقض الاتفاقية من طرف واحد، وأن هذا ما سيجري بين واشنطن وبغداد خلال الحوارات المقبلة التي دعت إليها الولايات المتحدة، للتعديل على اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية”.واشنطن تريد ترتيب الأولويات، والسماع إلى الموقف الرسمي وتفعيل الاتفاقية على أساس ذلك، ولن تستمع إلى تصريحات فصائل مسلحة خارجة عن القانون طبقا لأحكم المادة (9) من الدستور العراقي، التي تنص على عدم وجود مليشيات مسلحة خارج القوات الرسمية
الولايات المتحدة تحاول بالفعل إعادة تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تشمل 7 محاور، وإعادة التفعيل مقرون بترتيب الأولويات، والدخول بحوارات استراتيجية مع الحكومة العراقية.ولفت خبراء إلى أن اتفاقية الإطار كتبت بعد خروج القوات الأمريكية عام 2008، وأن إعادة تفعيلها يجب أن يكون بإعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة بالعراق، لكني أعتقد أنها مناورة أمريكية لا تصب في حوارات حقيقية.كما ان ان أن الولايات المتحدة ربما تريد إعادة تموضع قواتها بعيدا عن صواريخ المعارضين للتواجد الأمريكي، والتي طالت مؤخرا شركات نفط أمريكية وهذا يعطي مؤشرا خطيرا على أن الأخيرة تحاول البدء بحوارات خالية من مضمون اتفاق حقيقي مع العراق
وحذر سياسيون من أن إيران ستسعى لطرد القوات الأمريكية والانفراد بالعراق خلال هذا الحوار، وقال السياسي العراقي المستقل مثال الآلوسي إن النظام الإيراني لا يخفي مطامعه في العراق، ولا في سوريا ولبنان والخليج العربي ,,وتابع في تصريحات “إذا ما خرجت القوات الأمريكية فستنفرد إيران بالملف وبالسيادة والحكومة، ونحن نشاهد كيف يتم هذا الأمر، وجود القوت الأمريكية ما زال يمثل الحد الأدنى من وجود الدولة العراقية ذات السيادة، فضلا عن أنها تجعلها مركز انتباه واهتمام ومراقبة عالمية,,وأضاف الآلوسي أن إنهاء الوجود الأمريكي لم يتحقق الحديث عنه كمطلب لا برلماني ولا شعبي ولا حزبي، بل هو هدف استراتيجي لمليشيا الحرس الثوري الإيراني، لذلك التفاوض على إخراج القوات رغبة إيرانية خطيرة تؤدي بالعراق إلى التهلكة,, وقال الخبير الاستراتيجي العراقي علاء النشوع “إن استمرار الوضع السياسي على الشاكلة نفسها من محاصصة طائفية، وبقاء الطبقة السياسية الحالية نفسها ، لن يكون هناك أي حوار
وأكد النشوع أن انطلاق أي حوار يتطلب وجود أرضية حقيقية للديمقراطية، فضلا عن وجود بلد مستقر، وحاليا ليس هناك أي شيء من هذا في العراق– وتابع البلد يواجه الكثير من التحديات، وليس هناك عصا موسى لتغييرها في هذه لحظة، لذلك يحتاج العراق لوقت طويل جدا لتحقيق استقرار دائم,, واستطرد النشوع بالقول “كان هدف الحكومة العراقية إخراج الأمريكيين في هذا الظرف فهذه خطوة غير صحيحة، وستجري الأمور لصالح إيران
ويواجه العراق حاليًا فترةً من الاختلال الوظيفي في الحكم والانقسامات الداخلية العميقة والمشاكل الاقتصادية الخطيرة. غير أنه يملك موارد نفطية هائلة إضافةً إلى شريحة سكانية متعلمة وكبيرة. وفي حال تمكّنت إيران من استغلال مشاكل العراق للسيطرة عليه، سيضاعف ذلك قوتها بشكل هائل. لكن أي مسعى إيراني هادف إلى تقسيم السياسة العراقية أو الهيمنة بشكل كامل سيواجه معارضة ملحوظة من العديد من العرب الشيعة والسنّة والعراقيين الأكراد. كما أنه سيؤجج التوتر الطائفي والإثني والإقليمي ومن المرجح إلى حدّ كبير أن يؤدي إلى حرب أهلية أخرى في العراق.
ومن شأن الصراع الأهلي المماثل أن يؤدي إلى مشاكل خطيرة في المنطقة ويشجع على الإرهاب والتطرف. كما أن وجود عراق غير مستقر سيعزز كذلك التطرف السني والشيعي في العراق وباقي دول المنطقة ككل، ويساعد على عودة تنظيم “داعش” ويمتد إلى ما وراء الحدود العراقية. علاوة على ذلك، قد يعتبر العرب السنّة “داعش” أهون الشرّين إذا ما اصطدموا بحكومة شيعية طائفية إلى حدّ كبير تضغط عليها إيران لاستبعادهم وحرمانهم من أي صوت سياسي في العراق. وهذا ما حصل عقب الانسحاب الأمريكي في 2011 وما من أسباب كثيرة تدعو إلى الاعتقاد بأن هذا المنحى لن يتكرر. إنه سيناريو يصعب على الولايات المتحدة تجاهله وسيتطلّب التزامًا عسكريًا أمريكيًا لاحتوائه.
إنّ المسألة الأصعب في تنظيم حوار استراتيجي مجدٍ بين الولايات المتحدة والعراق وإقامة علاقة استراتيجية دائمة بينهما، هي ما يرغب به العراقيون لبلدهم. فالعراق الآن دولة منقسمة إلى حدٍّ كبير وتشهد عدم استقرار على صعيد السياسة والحكم والاقتصاد. وناهيك عن الانقسامات الواضحة في العراق بين شيعة وسنّة وأكراد، يعيش هؤلاء أنفسهم انقسامات داخلية. وقد ساهمت المؤسسات السياسية العراقية التي أُنشئت في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003 في تفاقم هذه الانقسامات، وهي تُعتبر عاملًا رئيسيًا في الشلل السياسي الذي يشهده العراق. وهناك مسألتين كبيرتين وشاملتين في السياسة العراقية تهيمنان على كافة المسائل الأخرى، وهما: التوازن بين الولايات المتحدة وإيران في ما يتعلق بالسياسة الخارجية وعلى المستوى المحلى، وكيفية استحداث نظام حكم مستقر ومستدام يجلب الازدهار للعراق ويعزز شرعية الحكومة ويأتي إلى السلطة بسياسيين عراقيين يخدمون الشعب الذي هو مصدر قوتهم السياسية. وتحدّ هاتان المسألتان الآن بشكل كبير من قدرة العراق على الخروج من أزمته السياسية الحالية ولديهما القدرة على تدمير البلاد ومنعها من أن تكون دولة فعالة تسيّر شؤونها.
نقول إذا لم يكن العراق مستعدًا لإعطاء الولايات المتحدة ردًا مناسبًا وتحديد علاقة استراتيجية ملائمة معها، من المحتمل أن ينتهي المطاف بميل كفة ميزان المكافأة والعقاب نحو العقاب أو انسحاب الولايات المتحدة. ونظرًا إلى التكلفة الباهظة لجائحة “كوفيد-19” على الاقتصاد الأمريكي، على العراق ألا يتوقع أن تكون المساعدة الأمريكية سخية بقدر ما كانت عليه في الماضي ,, أما النتيجة المحتملة الأسوأ بالنسبة لكل من العراق والمنطقة فهي حوار استراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق يعجز عن إنشاء علاقة مستقرة بين البلدين. ويمكن لنتيجة مماثلة أن تؤدي إلى انسحاب الجيوش الأمريكية من العراق ووقف كافة المساعدات الأمريكية أو حتى فرض عقوبات أمريكية على العراق.
يتعيّن على السيد الكاظمي انتهاز هذه الفرصة لزيادة مشاركة الولايات المتحدة في وضع الأساسات للاعتماد على اقتصاديات السوق الحرة، وإصلاح الدولة الريعية المكسورة بطبيعتها، وكل ذلك مع تحقيق التوازن بين المكاسب قصيرة الأمد والامتيازات طويلة الأجل. وسيكون التحدي الرئيس هو تغيير الأمور اقتصادياً في غضون عامين فقط، أو ربما أقل. ويجب تذكُّر أن طهران تراقب الوضع في الساحة العراقية ولاسيما البيت السياسي الشيعي المجزأ، وسيكون الاختبار النهائي في الانتخابات المقبلة، وهذا اختبار فشل العبادي فيه في السابق على الرغم من الدعم الأمريكي المفتوح لحكومته ,,العراق اولا وتبا لغير ذلك.