ان المرحلة الحالية والظروف الصعبة التي تمر بالكثير من الدول ومن معانات وقلق يشوب الدنيا بسبب الحملة الظالمة لعوامل التكفير وعصابات القتل والتشرذم البعيدة عن الانسانية والتي طالت العديد من البلدان واخرها باريس وتونس، تتطلب التوجه بشكل جدي لتعزيز التسامح والمزيد من الحوار بين الحضارات وهي مسؤوليةٌ إنسانيةٌ مشتركة يتحمَّلها بصورة خاصة، صانعوا القرار بمختلف درجات المسؤولية، والنخب الفكرية والثقافية والقيادات الإعلامية في العالم كلِّه، من أجل المشاركة الجماعية في ايقاف النزيف الدموي والتوجه لبناء السلام في الحاضر والمستقبل، على أسس قوية تصمد أمام الأزمات الطارئة الناتجة عن الأحداث غير المتوقعة التي تمر بالمجتمعات الحالية شأنها أن تهزَّ الاِستقرار الدولي وتروّع الضمير الإنساني.ولايمكن من الحوار إلا التمكن من وضع اسس للتسامح كخطوة اولى لان التسامح اولاً يعني بالضد من التعصب ومصادره في التاريخ الإنساني هو عصب الفكرة الشمولية الأحادية سواء كانت دينية أو وضعية ونجد التسامح بمعناه العالمي حسب الإعلان العالمي لمبادئ التسامح والقبول بالآخر، وتقدير ثراء التنوع الحضاري في الثقافة الحضارية ، المحلية والعالمية، وهو يعزز بالمعرفة واختلاف الآراء وكثافة الاتصال وتأصل حرية التفكير والمعتقد. واعلان منظمة اليونسكو بشأن التسامح واضح حيث يطلب من العالم و المجتمع الدولي للاحتفال بيوم التسامح والاعتماد على أساليب منهجية وعقلانية لتعليمه ، وذلك بعد تشخيص أسباب عدم التسامح الثقافي والديني والسياسي وغيرها، بمعنى فحص وتدقيق الجذور الرئيسية للتمييز والعنف والاستبداد في المجتمعات، لاسيما مع الآخر المُختلف، دون تأثيم أو تحريم أو تجريم، لان المجتمع البشري بحاجة الى نشر وتأصيل قيم التسامح كمنظور انساني وأخلاقي، لا يمكن تقدّم المجتمع الدولي والانساني من دونه ، الحاجة اليه في وقتنا الحالي اكثر من غيره من الاوقات والظروف ومن خلال التعامل به يمكن ان تكون وسيلة فعالة للقضاء على التمييز العنصري والاِستعلاء العرقي والتطرّف الديني، وهو العنصر الأكثر قوةً في إقرار مبادئ التسامح والمساواة الكاملة بين الشعوب والأمم في الحقوق كما ان الحوار بين الحضارات هو احدهما يكمل الاخر وسوف يُساهم الاثنان بدرجة كبيرة، في التقارب بين الشعوب والأمم، وفي إزالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم المتبادل ومن الأفكار المسبقة القائمة على أسس غير صحيحة التي تختزنها الذاكرة الجماعية لثقافة بعض الشعوب عن ثقافة شعب آخر، مما يجعل من مواصلة الحوار وتوسيع دائرته وتعزيز التعايش، رسالةَ النخب الفكرية والكفاءات الثقافية والعلمية، ومسؤوليةَ المهتمين بالمصير الإنساني، كلٌّ من الموقع الذي يشغله.كما على اصحاب الحوار، الاهتمام بالموضوعات التي تشغل الإنسانية وتؤرّق ضميرَها، وإلى إيجاد حلول وتسويات مستلهمة من روح الحضارات والثقافات، بحيث يستهدف الحوار في المقام الأول، دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن أراضيها ومقدساتها ، ومناهضة روح الهيمنة ومحاولة فرض نظام ذات النزعة الفكرية والثقافية الواحدة على المجتمع الدولي وضد إرادة الحكومات والشعوب والتي تفرض قسراً، ومنع العدوان بكل أشكاله على الشعوب الطامحة إلى الحرية والانعتاق، وأن يكون الحوار بين الحضارات على جميع مستوياته، واعتبارها وسيلةً للوقوف ضد حرمان الشعوب من حقوقها التي أكدتها المواثيق الدولية وكفلتها الشرائع السماوية وضمنتها المبادئ الإنسانية،وأن يكون عاملاً فعالاً في التوعية بأهمية قضايا التنمية المستدامة ودورها في تطور الحياة الإنسانية ونشر قيم العدل والمساواة والتعايش بين شعوب العالم .
الاعتماد على قاعدة الاِحترام المتبادل بين المشاركين في هذه الثقافات والمنتمين لهذه الحضارات جميعاً، لكي يحمي مبادئ الحق والعدل والإنصاف، ويكون دافعاً مساعداً لمساعي المجتمع الدولي من أجل تعميق التسامح المرتبطة بمفهوم إلاعنف لان التعصب المصدر الحقيقي للعدوانية والشر ولن تجد محل لعلاقات التسامح وضرورتها وأهميتها في أية مرحلة كانت بغياب أساسها الطبيعي باللاعنف والتي تتضمن حق الإنسان في تحديد خياراته دون إكراه أو ضغط، وتقوية العقل الإنساني في مثله وقيمه العليا تكمن وتتكامل بالحرية وكرامة الإنسان عبر الحوار والتسامح والاحترام الصارم لخياراته.والعمل على استتباب الأمن والسلام والتعايش الثقافي والحضاري الشامل بين البشر. ولابد ان نعرف بأن أهمية التسامح تتجلى في العلاقات مع أتباع الديانات أو الثقافات الأخرى. والإسلام هو أول عقيدة توحيدية في العالم يقبل تعايش الآخرين الى جانبه.
وكان هذا المفهوم غير مألوف حتى فترة غير بعيدة مضت. ويمكننا في هذا السياق أن نقارن بين الطريقة التي كان يُعامَل بها النصارى واليهود في المجتمع الإسلامي، وبين المعاملة التي لقيها المسلمون في إسبانيا بعد سقوط الأندلس وإعمال المسيحيين الإسبان بالقتل والتطهير العرقي في كل من يحمل الهوية الإسلامية. وسادت إبان ذاك فكرة أنه لا يوجد هناك سوى دين واحد وأنه لا يمكن إلا أن يكون هناك أتباع ديانة واحدة في مساحة معينة من الأرض. وعليه الان يمكن تحليلُ مُجريات الأحداث في الشرق الأوسط من هذا المحور، حيث أنّ دول المنطقة تُدمّر مستقبلها من خلال الصراعات السياسية التي تحوّلت إلى حروبٍ طائفية،
ومؤخرا درج الحديث عن الانقسام الطائفي المستعصي والذي لا مفر منه ابدأ منذ 1400 عاما. والحقيقة هنا أن تصاعد التوترات الحالية في المنطقة اصبحت أكثر تعقيدا من أن يكون مجرد كراهية دينية، فهي تعكس احتكاكا متزايدا أصله التنافس على السلطة والحقوق والهوية، والذي تفاقم اضعافاً حديثاً ويمكن إعادة تشكيل العالم العربي على اساسه في المستقبل القريب. وهنا يبرز تساؤل حول كيفية قيادة التوترات الطائفية للصراعات الجديدة، ، والتي تعد في طبيعتها نزاع على السلطة والسياسة وتوزيع الموارد.