-1-
الحوارات التي تجري بين الناس في أيامنا ، قلَّ مَنْ يتصدى لتسجيل الغريب منها ، فضلاً عن الحوار الخالي من الإثارة …
ليس هناك من يدّون …
وليس ثمة من يُولي أمثال هذه الحوارات عنايتَهُ فيتتبعُها ويرصدها ، ثم يحللها وينتزع منها الدروس …!!!
لماذا ؟
لانّ انسان الألفية الثالثة مشغول بهواياته، وهو يسمع الكثير، ولكنه لا يكتب الاّ القليل ..!!
-2-
بينما كان تدوين المُلح والطرائف منحى معروفا لدى الكثير من الأدباء والندماء ، يكتبونها ويحفظونها ويزينون بها المجالس والمحافل …
وهكذا اجتمعت في كتب الادب والتراث أخبارٌ وحكايات ، وشكلّتْ كمّاً لايستهان به من التجارب البشرية التي يمكن ان تُثري الانسان المعاصر بالكثير من الفوائد الاجتماعية والاخلاقية …
-3-
ومن تلك الحوارات :
حوار خالد بن صفوان – الذي قرّبه الامراء ، واصطفاه الأعيان واعجبوا بفصاحته ، وسرعة بديهيته ، وقدراته البيانية والادبية والتاريخية … (ت135 هجرية )
” قالت له زوجتُه :
إنك لجميل يا ابا صفوان
قال :
وكيف تقولين هذا ، وما فيّ عمودُ الجمال ،
ولا رداؤه ،
ولا برنسُه …
فقيل له :
ما عمود الجمال ؟
قال :
الطُول ، ولستُ بطويل ،
وردؤاه البياض ، ولستُ بأبيض ،
وبرنسُه سواد الشعر ، وأنا أشمط ،
ولكنْ قُولي : إنّك لمليح ظريف )
العقد الفريد / 6 / 116
أقول :
ليتَ المعنيين بالشؤون العامة في العراق الجديد ينحون منحى (خالد بن صفوان) الذي لم يقبل من زوجته ما أطلقتهُ عليه من وصف الجمال – ولكنه قبل بانه :
( مليح ظريف )
ان الجمال عند خالد بن صفوان يرتكز على ركائز هي :
الطُول : وهو منتفٍ فيه ، لانه لم يكن بالطويل ،
اللون : وهو البياض ، ولم يكن بالابيض ،
والشعر : ولم يكن شَعْرُه أسود ..!!
انّ المواصفات الجمالية قد تختلف فيها الانظار ، وليس هذا هو المهم في المسألة ، وانما المهم هي عملية الرفض لِمَا وصُفَ به، مع انه لم يكن كذلك ..
إنّ الذي يمتدحه الآخرون فيرّد عليهم ويناقشهم ، يمتلك من الإنصاف والواقعية ، ما يقفز به الى مصاف الرجال البعيدين عن شرنقة الذاتية المقيتة ، ومتى ما حطمّ الانسان حواجز الذات استطاع أنْ يلج دنيا المروءة والانسانية والاحساس بآلام وآمال الآخرين …
اننا في (العراق الجديد) ابتلينا بمن أراد تحويل الاعلام السميّ الى بُوقٍ يضخّ مناقبه وانجازاته ومآثره …
وهناك من يقول :
بانَّ أعداداً من الاعلاميين قد جُنِدوا للعمل في مختلف المواقع الاعلامية ، – بما فيها المواقع الالكترونية المستحدثة خصيصاً للتسويق الشخصي – ومنحوا أموالاً طائلة وصولاً الى التبشير بانَّ الغارق حتى شحمه أذنيه هو رجل المرحلة دون منازع .
ولقد صدرت أوامر بالقاء القبض على جملة من الاعلاميين الأحرار لأنهم رفضوا ان يسبّحوا بحمد الرجل … واضطر بعضُهم للتواري عن الأنظار..
وهذا يعني ان العراق الجديد ، الذي تنفس الصعداء بعد سقوط الدكتاتور المقبور في 9 نيسان /2003 الذي اختصر العراق بذاته ، عاد يعاني من جديد ما كان يعانيه في تلك السنوات العجاف …!!
-4-
وجاءت النتائج على عكس ما أراده الغارق بالأوهام والأحلام .
لن يُفلح المفتون بذاته وملكاته وقدراته لا في الدنيا ولا في الآخرة .
ذلك ان القضية المركزية التي يوّظف من أجلها كل ما يملك، هي قضية شخصية بعيدة كل البعد عن قضايا الوطن والمواطنين ، وكيف يفلح من لا يُحسن إلاّ فنّ إثارة الأزمات والاحتقانات ، ولا يُصغي لا لنداء العقل، ولا لنداء المصالح العليا للبلاد ؟!!