23 ديسمبر، 2024 3:49 م

الحنين الى الملكية  وصدام ..مؤشرات ودلائل !

الحنين الى الملكية  وصدام ..مؤشرات ودلائل !

” إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي،  أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك” ، قالها ثعلب السياسة العالمية ، ونستون تشرشل ،  ذات يوم وصدقتها  صحيفة “الفايننشال تايمز ” البريطانية  ونقلتها  محطة البي بي سي ، امس ، بعد ان  فجرت  مراسلة الفايننشال في العراق، إريكا سولومون، مفاجأة من العيار الثقيل حين كشفت عن حنين العراقيين الى عهد صدام بين الشيعة والسنة والأكراد، على حد سواء،  لأن  الديمقراطية التي جاء بها الاحتلال الأمريكي، يكتنفها خلل كبير  ولأن العراق الغني بنفطه يوشك على الانهيار اقتصاديا بسبب نخبة سياسية فاسدة تستغل الطائفية للسيطرة على الحكم، وملء جيوبها بدل تحسين الخدمات العامة مثل الصحة والكهرباء والماء” على حد وصف التقرير الخطير  الذي نشر  في أشهر صحيفة في  العالم وأعرق  محطة اذاعية في التأريخ .ربما  يكون هذا الحنين المفاجئ مندرج تحت منطوق الحكمة الشهيرة  ” نحن نحب الماضي لأنه ذهب، ولو عاد لكرهناه”  اقول قد يكون ذلك ولا أجزم به  ، إلا أن  المراقبين للشأن العراقي  لمسوا ذلك  جليا من خلال إعادة نشر مقاطع فيديو   تتضمن مقتبسات  من خطابات ” صدام ” على مواقع التواصل العربية والمحلية ومن قبل جهات غير محسوبة على نظامه ولا حزبه وبكثرة غير مسبوقة وعلى غير المعهود منذ عام 2003 ،فضلا عن نشر قصائد تتغنى بشخصه  بشكل او بآخر بالتزامن مع تصريحات لمسؤولين  وإعلاميين معروفين عرب واجانب  في ذكرى غزو العراق 9/4  اتفقت بمجملها على ان سقوط بغداد وازاحة صدام عن الحكم  فتح الباب على مصراعيه امام سقوط دمشق وصنعاء وطرابلس  لاحقا وظهور الجماعات الإرهابية ذات الأجندات الدولية ، واحتدام الصراع الفارسي العربي ولو كان الحاضر مشرقا وآمنا ومستقرا والمستقبل واضح المعالم  غير مجهول  لما لمست مثل ذلك الحنين حتى من قبل  أقرب المقربين الى صدام  حسين ذاته   .ولو اردنا ان نعلل أسباب هذا الحنين – الفايننشالي – موضوعيا  بعيدا عن وجهة نظرنا الشخصية مع او بالضد منه ، لوجدنا ان تمزق النسيج الاجتماعي بين المكونات  المذهبية والدينية والقومية وارتفاع معدلات الحقد و الكراهية بينها وانعدام الثقة التي يتم تغذيتها إقليميا ودوليا تمهيدا لتقسيم العراق  والوطن العربي مستقبلا  على وفق  خارطة برنارد لويس ، وطروحات  نائب الرئيس الأميركي جو بايدن  ، اضافة  الى  غياب  الأمن والأمان  وانتشار العصابات والميليشيات والمجاميع الإجرامية المسلحة بمختلف مسمياتها وخلفياتها وأجنداتها وارتباطها بعلاقات وثيقة مع  احزاب  وجهات متنفذة في السلطة  ، ارتفاع معدلات النزوح والتهجير والهجرة واللجوء الى 6 ملايين  داخل العراق وخارجه ، ارتفاع معدلات البطالة الى مليونين ونصف المليون عاطل ،تراجع الصناعة والزراعة والتربية والتعليم والسياحة والثقافة والرياضة والصحة  العراقية بعد ان كانت رقما صعبا في محيطها العربي والآسيوي ،  استشراء ظاهرة “الفضائيين وبمئات الألوف في المؤسسات الحكومية وشبكة الحماية الإجتماعية ، غياب سلطة الدولة وظهور سلطة  الكتل والأحزاب وشيوخ العشائر وزعامات القبائل بدلا منها ، تراجع مكانة العراق دوليا وعربيا واقليميا وعلى الصعد كافة ، مقتل واصابة وإعاقة وفقدان اكثر من ثلاثة ملايين عراقي منذ الغزو الأمريكي عام 2003 ،تكبيل العراق بقروض ربوية  بفوائد هائلة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بدلا من اعادة ما سرقه  الفاسدون والمفسدون   ،  بيع نفط العراق وثرواته لعقود مقبلة  في صفقات يكتنفها الغموض والشبهات  ضمن جولات التراخيص الى الشركات الاحتكارية ” شركة شل الهولندية ، وبترونوس الماليزية ، وتوتال الفرنسية ، وبرتش بيتروليوم البريطانية ، وأكسن موبيل الأمريكية ، وايتا الايطالية، التي منحت حق استثمار حقول  مجنون والحلفاية، والرميلة الشمالي ، والرميلة الجنوبي ، وحقل كركوك ، وباي حسن، والزبير والقرنة ، استيلاء الكويت على مناطق شاسعة من  أم قصر تضم 16 بئرا نفطيا ، استيلاء ايران على آبار مجنون  والفكة .فرض رسوم على العلاج والتعليم  بعد ان كانت مجانية ورفع الدعم عنها مع التلويح بإلغاء الحصة التموينية  وخفض الرواتب بنسبة 30 % ، افلاس الخزينة بالكامل ، انعدام الثقة بالمرجعات السياسية والعشائرية والعرقية والدينية ، كل هذه الكوارث وغيرها دفعت الفايننشال تايمز ولأول مرة الى الكشف عن حنين العراقيين بعربهم وكردهم وتركمانهم ، بشيعتهم وسنتهم الى عهد صدام ، على حد زعمها مصداقا للمثل الشعبي ” الي يشوف الموت يرضه بالصخونه  “واكرر بصرف النظر عن قناعتي مع او بالضد من تقرير الصحيفة البريطانية الذي شهد انتشارا واسعا ضجت به الصحف ووكالات الأنباء العالمية على مدار  الـ 24 ساعة الماضية وماتزال .وانوه الى ان التقرير الحالي  جاء بعد يومين  من ظهور القاضي ، رزكار محمد أمين ، أول رئيس للمحكمة الجنائية الخاصة بمحاكمة صدام حسين  بعد خروجه  عن صمته وكشفه   لمحطة “روسيا اليوم ” كواليس وخفايا  المحكمة والأسباب الحقيقية لإستقالته ،مشيرا الى  وجود خروقات  وضغوطات شابت جلساتها  ، وبعد ايام على ظهور مفاجئ،  لعزة الدوري،  المطلوب رقم 6 في قائمة الـ 55 الأميركية ،وبالتزامن مع تشكيل حكومة تكنوقراط  – بوخة لتمشية الأمور شكليا  – في سيناريو ربما يكون الغرض منه الضغط على الحكومة العراقية الحالية التي فقدت مصداقيتها بالكامل  لتقديم مزيد من التنازلات وبيع ما تبقى من العراق الذي يشهد انهيارا على المستويات كافة والا فأن ” بعبع ” صدام   جاهز للعودة  في اية لحظة ، وقد تتصاعد وتيرة ذلكم الحنين الذي يأتي بالتوازي مع حنين آخر لم يفصح عنه بعد بالطريقة التي  تم الأفصاح عن نظيرها  الى النظام الملكي الذي حكم العراق بين 1921- 1958 على حساب الجمهوري ، ومع ازدياد النفوذ الأيراني  والأجنبي في البلاد  وتراجع سيادة العراق على ارضه وثرواته وحدوده وممتلكاته وغياب اية انجازات  منظورة  على مدى 13 عاما سترفع من مستوى  الحنين وصولا الى المطالبة الفعلية بالعودة الى احد النظامين – الملكي او الصدامي –  او من يمثلهما او من يشابهما او من يتشبه بأحدهما او بكليهما  وما أجمل ماقاله شاعر الهند الكبير ” طاغور ”  ثقيلة هي قيودي و الحرية هي منآي، و لكنني لا أستطيع أن أحبو إليها فمن استعبدوني رفعوا لافتات الفضيلة و جعلوها حائطا بيني و بين حريتي” . اودعناكم اغاتي