23 ديسمبر، 2024 6:06 ص

الحنين الى الطغيان 

الحنين الى الطغيان 

كانت درجة الحرارة تصل الى عشرة تحت الصفر وكنت بمجرد خروجك الى أحد شوارع العاصمة الرومانية بوخارست تتوقف على الفور عن إلاحساس بأصابعك وقدميك واذنيك وكل اطرافك .لم يكن يوم مناسب لزيارة القبور وخاصة انه يوم عمل في منتصف الاسبوع ومع ذلك كلة فقد كان هنالك حشد من الناس يتجمع مما يقارب 150 شخص يتجه إلى مقبرة (خينسيا) الشهيرة  بشكل لفت انتباه الكاتبة الكرواتية سلافينكا دراكوليتش ,والتي تروي في كتابها المترجم (المقهى الاوربي الحياة في اوربا بعد انهيار النظام الشيوعي ) تقول بانها كانت تتوقع تلك جنازة لشخص مهم جدا ,لكنها لم ترى نعش ,وعندما سألت اكتشفت أن الجمع المحتشد كان في طريقة إلى زيارة مقبرة الدكتاتور الروماني (نيكولاي شاوشيسكو)
الذي لايزال العالم يذكر مشهد إعدامه على يد الثوار هو وزوجتة .اليوم كان يصادف ذكرى ميلاد الدكتاتور شاوشيسكو الخامس والسبعين ,والذي كان في حياته يعتبر عيد قومي وما يرافقه من احتفالات وهتافات.وبعد لحظات من مشاركتها بالحدث أدركت سلافينكا أنها لا تشهد احتفالا بقدر ما تحضر عرضا دراميا اجتماعيا يعبر عن معاناة الكادحين في ظل النظام الجديد.اذ بدى كل المتحلقين حول قبر الطاغية من الشكوى على النظام الجديد ومصاعب الحياة بعد انهيار النظام الدكتاتوري .حيث بدأت سيدة تتذكر بحنين ايام شاوشيسكو التي كان يمكن ان ترسل ابناءها إلى المخيمات الصيفية وامرأة اخرى تشكو ان مرتبها اصبح يكفي لشراء كيلو من اللحم .كانت دراما سياسية لخروج افراد من الشعب يشكون همومهم ومشاكلهم الشخصية وحنينهم للنظام السابق .
هولاء الناس لم ياتوا ليتجمدوا في احتفال مولد شاوشيسكو اومجرد اجلاله وانما جاءو ليتذكروا ماضيهم الافضل وكلهم بدو فقراء ضائعين في معاطفهم وبالنسبة لهولاء كان شاوشيسكو مجرد رمز لكل ما عرفوه وتذكروه).انقل هذا الجزء من كتاب احضان الكتب للكاتب الرائع والجميل بلال فضل الذي يمتعني جدا حين اقرأ له كل ما هو جميل وعميق .الحنين الى الطغيان لماذا رغم الربيع العربي الذي اسقط اعتى الانظمة الشمولية والدكتاتورية عاد الناس يحنون الى تلك الانظمة؟ بل في بعض البلدان قام الناس بانتخابهم والمطالبه بعودهم للواجهه بقوة . اين اختفت علامات النصر والفرح بسقوط الطغاة أين الاماني والاحلام والشعارات ,ضاعت لان الانظمة الجديدة لم تقدم ما تطمح اليه الشعوب  ولم تحقق ما وعدت به من امن وازدهار ورقي بل اعادتهم الى عصور ما قبل الانظمة الشمولية .
حيث فقد الناس كل ما يؤهلها للعيش بصورة حرة وكريمة فقدان الامل بالحاضر والمستقبل بل اقتنعت هذا الشعوب التي كانت تتصور بأن الحرية والديمقراطية هي سفينة النجاه وعصى موسى التي تشق الارض لتخرج لهم من خيراتها والتي سوف تغير حياتهم ومستقبلهم للافضل,اصبحوا مقتنعين بانهم لايستطيعون العيش الا بوصاية ولا يمتلكون القدرة على ادارة حياتهم والعيش سوية الا بسلطة دكتاتورية ابوية تقيدهم وتعيد لهم جزء من امل وشعور بالامن والاستقرار بعد ان فقدوه مع سقوط الدكتاتوريات وتغيرها بوجه اخر لكنة اكثر قبح واشد بطش واسؤء تجربة .لا تلم الناس حين يهتفون ويحنون للطغاة لانهم فقدوا طعم الامن ولذة الحياة السابقة على بساطتها والتي لم يقدم نصفها من جاءوا في زمن الديمقراطية .
ومضة :أود أن أدعو على الطغيان بالنقمة . لكنني أخاف أن يقبل ربي دعوتي فتهلك الأمة !  أحمد مطر