23 ديسمبر، 2024 5:37 ص

الحنين إلى الناصرية والوطن في شعر الشاعر العراقي الشفاف

الحنين إلى الناصرية والوطن في شعر الشاعر العراقي الشفاف

حسن عبد الغني الحمادي
قراءة نقدية تحليلية لتجربته الشعرية الرائعة في مجاميعه الشعرية  الأربعة
(وتر من قيثارة الألم /همسات  لمدينة العشق/ ما زالت أوجاعي قائمة / من يشتري الورد ) أولاً – نافذة الإغناء  النقدي العام الأدب بشكل عام ، إحساس يعكسه الاديب ويجسده ، شذرات فوق الأوراق  ، جواهر في جيد غادة ، بيراع إحساسه ومداد دمه ،  وليس شيئاً عادياً  و كلاماً شفوياً يقذف في سلال التلقائية والحديث العابر ، يختلف الأدب من شخص إلى آخر، فهو هوية تنعكس من خلالها ، تربية ونفسية وشخصية وخلفية الأديب الإنسانية والاجتماعية، لذلك فليس من السهل أن نقيّم إنجازاً أدبياً بنوع من الاستخفاف والسطحية ، من قبل الإنسان العادي المتلقي وحتى المثقف  ، أو حتى من قبل أديب آخر ما لم يكن حاملاً لرؤية نقدية واعية ، حين يمسك عملاً أدبياً لشخص معين ، حينها يمسك قلب هذا الأديب فيحس حتى بنبضاته ، ويحس بكل إرهاصة  من إرهاصاته الإنسانية  وسيدرك حينها كم هو رقيق هذا الشخص في سطوره وما بينها ، وليعلم أيضاً  كل متلقٍ ، بأن هذا الشخص الذي وضع نفسه بين يديك ، قد أعطاك أحسن ما عنده ، وهو لا يعرفك ، من نبضات قلبه ومن ومضات إحساسه وشعوره المرهف ، فهل لك أن تستخف به أو تسطح ما عنده لأسباب أنت نفسك لا تعرفها ؟ المتلقي العادل هو من ينصف من احترمه وغلف إحساسه ورسالته نحو المجتمع بغلاف وخطٍ جميلٍ  و  بطبعٍ أجمل ، يتباهى به ، و أنفق آلاف الدنانير من لحمه ودمه وقوته اليومي ليضع رسالته الإنسانية بين يديك ، حقّه عليك أن تحترمه فيما بين يديك ،على الأقل….. يؤكد الدكتور وليد قصاب في مقدمة كتابه( مناهج النقد الأدبي برؤية إسلامية) اتجاه المناهج النقدية الحداثية وما بعد الحداثة اتجاهاً مادياً محضاً مع الأدب ونقده ،إذ لم تر فيه إلا شكلا لغوياً جمالياً  ، لم تعد تعبأ لما يقدمه النص الأدبي من قييم ،أو مثل أو  فلسفة أو فكر ولم تعد تسأل عن وظيفته ودوره ، صلته بالمجتمع والناس والحياة …. وهذا نهج خطير لا يتفق مع التصور الإسلامي ،يعني بما يقدمه هذا الأدب من فكر وما يأرب بتحقيقه من رسالة تسعد الإنسان……إن  الكلمة شأنها شأن مخلوقات الله جميعاً – لم تخلق عبثاً ، ولا تكمن قيمة اللفظ فيه في حد ذاته مهما كان هذا اللفظ جميل الإيقاع ، رشيق الجرس ، باهراً مدهشاً ، ولكنها تكمن فيه وفي  مدلوله أيضاً، والدال والمدلول لا ينفصلان ، وقيمة الأدب في مادته وأدائه ، في مضمونه وشكله ، ولا يجوز التطرف في إيثار أحدهما وإسقاط الآخر ، لا عند المبدع ولا عند الناقد…… بعد ممارسات سلبية وظلم دام كثيراً ، لصاحب الحس المرهف ، ظهرت  ، أخيراً ، في أفق النصف الثاني من القرن المنصرم ، أفكارُ وأيديولوجيات ونظريات تنصف الأديب وتعطيه الحق بالدفاع عن نفسه ، من أصحاب تلك النظريات الهدامة و المائتة وأصحابها المتدخلين في أحاسيس الأديب، وتوجيه إحساسه مادياً نحو آرائهم في التشدق ، والفردية المبنية على الجهل والتسلط  والأنانية المفرطة  ، وماتت البنوية، وجاءت النظريات التحليلية ،التي أنصفت  الأدب، وأعطته سلاحاً بعلمية في التقييم وهو النقد التحليلي والتفكيكي ، حيث أبعدت صاحب النص عن عملية النهش بلحمه ، لبعض ذئاب النقد المتسلطين المتبنين للنظرية البنيوية والنظريات الأخرى التي تركز على الأخطاء اللغوية ، والأخطاء التعبيرية، كما تنظر لها من زاوية الخطأ والصواب رغم أنها إحساس  خاص لصاحب النص لا يمكن تغييره ،  ومن النظريات التي أنصفت الأديب  النظرية السيميائية ، حين أعلنت موت الأديب بعد نشر النص ، واعتبرت النص ليس ملكاً للأديب نقدياً بل ملكاً للمتلقي ، يفهمه ما يشاء حسب وعيه وثقافته وإدراكه الإنساني والثقافي ، بشرط أن يكون النص مستوفياً للشروط الأدبية، ومستوفياً لمبدأ التنصيص  (Texualization  )  وأن يحوي النص الميزات السبعة (cohesion الربط/cohesion  الانسجام /intentionality  القصدية/ acceptablity المقبولية / situationality الموقفية /informality  الاخبارية / intertexuality التناص ) يذكر الناقد الغربي أنريك أندرسن أمبرت في مقدمة كتابه ( مناهج النقد الأدبي ..ترجمة الطاهر أحمد مكي ) الأدب تعبير والنقد دراسة  ، ودون شك أن حركتي الروح هاتين ، التعبير والدراسة ، تلتقيان في الشخص الواحد نفسه ، ففي كل شاعر ناقد يساعد على أن يعنى ببناء قصيدته، وفي الوقت نفسه يوجد في أعماق كل ناقد شاعر يعلمه من الداخل كيف يتعاطف مع ما يقرأ ، ولهذا تكثر في تاريخ الشعر حالات الشعراء الذين تركوا لنا نقداً ذاتياً مضيئاً ، وتكثر في تاريخ النقد أيضاً حالات النقاد الذين – بدل أن يحللوا موضوعياً عملاً ليس لهم – يعكفون على جلاء قصائدهم نفسياً……. نستنتج من هذا وذاك أن الأديب لا يكتب شيئاً وينشره من فراغ، وإنما يمر بمراحل تجديدية كثيرة، فالأديب الرصين هو ماكنة من تجديد ، لا يرضى عما يكتبه أبداً، فتراه ينقد كل كلمة تكتب ، ويبدلها في كل قراءة من قراءاته لنصه، حتى يستقر  هذا النص بعد أشعر أو سنوات ، فلا تتصور أديباً ينشر مجموعة شعرية أو  قصصية بشكل عجول جزافاً ، وقد عمد النقاد المعتدلين والذين لديهم انحياز للتجديد واحترام الأدب والأديب كجزء من التراث الإنساني ، لا يمكن تجاهله أو التعرض له بأي شكل من الأشكال، إلى اتباع المنهج التفكيكي لهذا الغرض السامي ،  وهذا المنهج يهتم بتجزئة النص مدار البحث إلى فقرات ، وفصل مكوناته الفكرية واللغوية ، ومن ثم إرجاعها إلى أسبابها وملابساتها ، في ضوء السياق الذي ورد النص فيه ، مع مراعاة عدم الخروج عن إطاره . والمحلل في ذلك كله ينتقل من المركب إلى البسيط ، ومن الكلي إلى الجزئي ويمكن تلخيص : أسس النظرية  التفكيكية في قراءة النصوص فيما  يلي : 1ـ الاختلاف : السماح بتعدد التفسيرات انطلاقاً من وصف المعنى بالاستفاضة ، وعدم الخضوع لحالة مستقرة، ويبين (الاختلاف) سيل من الاحتمالات ، حيث يختلف النقاد بالنقد والقراءات، فكل واحد يفهم النص من وجهة نظره بشرط الحفاظ على جانب التمركز ، وهذا الأمر يدفع القارئ إلى العيش داخل النص ، والقيام بجولات مستمرة لتصيد المعاني الغائبة ، لذلك يقول صاحب التفكيكية جاك دريدا: ليس هناك نص نهائي أو نقد نهائي أو ناقد نهائي أو أديب نهائي…. 2ـ نقد التمركز:‏ يفرق التفكيكيون بين المركز الذي هو الجزء الحاسم من التركيب النصي ، وهو النقطة التي لا يمكن استبدالها بأي شيء آخر ، والمركز شيء إيجابي لحركة الدلالة والمعنى ، أما التمركز فهو شيءٌ مُفتعل يضفي المركزية على من هو ليس بمركز :  مثال توضيحي على فكرة التفكيكية : تخيل أن هناك جوهرة سقطت مع الزمن , تراكمت عليها الأوساخ , حتى صار شكلها الخارجي قبيحاً ، لا نعرف أنها كنز إلا بعد إزالة تلك الأوساخ  حتى وإن تحتم  الضرورة أن نضرب تلك الجوهرة القبيحة بحجر لتهشمها حتى تتفتت وتتفكك ، حينها  سنرى الكنز بداخلها ، جاء دريدا يقول: إن النص نفسه قد يكون هو النص الأصلي القديم، ولكن أهواء النفوس حرفت معناه , غالباً لسبب ارتزاقي ديني , كما يفعل باباوات الغرب وحاخامات اليهود, أو استبدادي سياسي….. اما مواصفات شخصية الناقد التفكيكي ١-قوة الشخصية : مما يمكنه من التخلص من التقليد ويجعله مستقلاً في رأيه
٢- الحياد والموضوعية :  وذلك لأن التحليل يتلون بثقافة المحلل وخلفيته الدينية ، ولذلك لا بد أن يتحلى بالموضوعية على قدر الإمكان .
٣- الصبر والاحتمال:  حيث أن المنهج التحليلي يحتاج إلى جهد كبير ومضن في جمع أدواته وفي تطبيقها على حد سواء .
٤- سعة الثقافة في مجال النص: لأن المحلل يخرج عن المعاني المباشرة الواردة في النص إلى مناطق أرحب  في المجال. ثانياً- التمركز التفكيكي في نصوص الشاعر الإنسان حسن عبد الغني:  تتمركز نصوص الشاعر الشفاف حسن عبد الغني الحمادي حول  ثلاثة محاور أساسية في مجاميعه الشعرية الأربعة ( وتر من قيثارة الألم/ همسات لمدينة العشق / ما زالت أوجاعي قائمة / من يشتري الورد ).. وتلك المحاور هي : ١-محور الحنين للوطن 
٢-محور الحنين للناصرية التي تسكنه أكثر مما يسكن فيها 
٣-محور آلام أبناء الناصرية التي يحملها في قلبه 
 وتلك المحاور هي التي ساهمت بشكل كبير في تكوين شخصية الشاعر الأدبية الداخلية، وبنت حوله طوقاً كونكريتياً لا يستطيع الخروج منه أبداً ، وذلك بسبب نمط تربيته الجنوبية  و طيبته العفوية  ، منها هجر التنوع الشعري واستقر- وأظن إلى الأبد في تلك المحاور الثلاث -، فرحاً مستبشراً لا يحيد عنها قيد أنملة ، فاستحق بذلك لقب الشاعر الشفاف وشاعر مدينة الطيبة……والأمثلة النصية تزخر بها إصداراته الأربعة الورقية من الغلاف وللغلاف ، وإليك منها والتي تعطيه هويته الأصلية كإبن بار لمدينته الناصرية  :   متى تنطلق كواكب الأجيال
فتمحو صفحات التاريخ الصفر
وتنير مصابيح…. الانتظار
محطات السفر……
(وتر من قيثارة الألم….27 ) ————— سلاماً أيها الملفوف بجنائن آدم
ونكهة الشعر
لأنه الثمر المشتهى
مسته سهام الخائبين…..
(مازالت أوجاعي قائمة …….12) ————— منذ الطفولة
أنعم بطلعتها البهية
عمرتني السنون
عاشقاً لأزقتها
جذلاً
تطوقني الهوية(همسات لمدينة العشق………..7) —————– لي وطن جميل
أرادت الريح أن تتقاسمه
لكنه أبى….
فتقاسمها…..
كان نحن….وكنا هو….عراق….عراق
( من يشتري الورد………………8)    أما تعلق الشاعر حسن عبد الغني الحمادي العجيب بأبناء الوطن ومدينته الناصرية ، فهو شيء عجيب وغريب ، مثير للجدل ولكم ولنا في ذلك أمثلة:  حميدة برصاصة خرساء
ماتت حميدة
ضيعتها مثلما طفولتها
العتيدة
برصاصة هوجاء
رحلت حميدة
ورحلت….أسطورتها الطريدة (وتر من قيثارة الألم ….58 ) حميدة امرأة فقيرة متشردة ، بسبب غياب نصف عقلها ، والغريب أنها لا تستجدي ، تستحي من الاستجداء ، فتقترض النقود و حسب حاجتها اليومية ، ولا تعيدها ، والكل يعرف طبعها هذا ، ويسلفها ما تطلب حتى احتل الأمريكان مدينة الناصرية وحدد الاحتلال نهاية حميدة  ، فقضت برصاصة قناص أمريكي———————– بكائية لرحيل الفرات  أيها الصامت في حزن الليالي
أراك ساطعاً
نجماً يذوب
وسط أحزاني
تؤرقني الذكريات باكية
تسرح بعيداً
ونعاود حرقة
(مازالت أوجاعي قائمة …….102) تلك القصيدة قالها بموت فرات، وفرات فيصل زامل مدرس لمادة الأحياء وافاه الأجل وهو في عز شبابه وكان إنساناً راقياً وتربوياً متميزاً محبوباً من كل أبناء مدينة الناصرية ،وهو ينتمي لعائلة عريقة من عوائل المدينة  ————————– آهات من وجع المدينة سلام على الناصرية
وهي تودع قمراً مضيئاً
من فنها الأروع
سلام على الناصرية
تهب عيوناً
تذرف دمعها
مدراراً وتجمع
(همسات لمدينة العشق………..79) منذر علي شناوة (رحمه الله ) رياضي عراقي وعالمي معروف بكرة السلة العراقية  ومن أبناء الناصرية الأصلاء، ومن عائلة معروفة في المدينة ، استشهد بتفجير إرهابي في فندق بابل في بغداد…. بلوى الشعر هو ماسك
بحروفه وعشقه
عشقه الذي لا ينطوي
هو ماسك بجمرة أوجاع الشعر
والسحر…..
( من يشتري الورد………………67) الأستاذ خالد صبر سالم، تربوي معروف وشاعر جميل ، خدم العملية التربوية أكثر من أربعين سنة مدرساً للغة العربية ، وشاعراً فحلاً ، له إصدارات في الشعر القريض، ولا يزال محارباً فذاً في هذا المجال ….. ثالثاً – المرأى البصري لنصوص الشاعر الشفاف حسن عبد الغني الحمادي:   قرأت الشاعر الشفاف الأستاذ حسن عبد الغني الحمادي كلمة ، كلمة وبشكل مستفيض ، أبهرني ما  قرأت ! فقد أعطى  هذا الشاعر للغة امتداداً إنسانياً جميلاً بتبسيط المفردات ، بسهل ممتنع شفيف ، ومفردات راقية اختيرت بشكل مذهل تؤسر القاريء وتمسكه من تلابيبه ليبقى معها حتى النهاية قسراً ، ورفست بساطته الشعرية ومباشرته في التعبير ورسم الصورة المثالية لكل المستويات الثقافية ، كل الأنواع  الشعرية التي تهتم بالماديات والغموض والإسفاف والتدني الأدبي والإنساني ، وأبعدت القواميس اللغوية عن مداه البصري والمعنوي ، وذلك هو الأدب الحقيقي  ، رسالة وصورة واضحة المعالم لجميع المستويات ، للبسطاء والمثقفين على حد سواء ، بعيدة عن التشدق وإبراز العضلات والسريالية والبحث عن المفردات الغريبة والقديمة والمعقدة ، لذلك اهتم الشاعر حسن عبد الغني بعملية اقتراب الأديب من أذهان و أسارير الناس وأحاسيسهم ، فمن يعطيهم ثقة ويقدم لهم نفسه وتفكيره وأسراره الدفينة ملفوفة بقرطاس الصدق والشفافية والجمال دون مقابل، فهو سيد للقلم والحروف والاحترام ، ذلك ما شدني بهذا الشاعر الواضح والصادق بإحساسه وقلمه المعطاء ، فقد جعل من قطرات دمه أنغاماً وحروفاً و ألواناً،  ليقدمها لقاريء حروفه ، لكي يرسم ابتسامة  على محياه دون مقابل ، أو طمع بجاه أو مال أو شهرة….فهل نتردد أن نسميه الشاعر الإنسان….؟ استخدم الشاعر حسن عبد الغني الحمادي في لغته الشعرية الجمل القصيرة المحملة بالمعاني والعمق التعبيري بأسلوب واقعي مباشر ومبسط /سهل ممتنع/ وعميق في نفس الوقت وقد كتب شعراً حراً بنوعين : شعر تفعيلة وقصيدة النثر، وكل من النوعين مموسق و يحمل موسيقى داخلية: سنرى تلك الأنواع بشكل عملي من أمثلة وردت في إصداراته الأربعة: كتب قصائد بتفعيلات متقاربة دون أن يشوه المسافات البصرية في الجملة الشعرية ويجعلها جمل مسجوعة ، و مع موسيقى داخلية خفيفة لا يتخللها وقوف أو كسر فيها في قوائمها النصية ، وتلك مقدرة وتفوق مقرون بموهبة الشاعر / مثال: من هنا مرّ الخالدون
رمّموا خارطة الزمن
المثقل بالحسرة والأنين
نثروا بذور البدايات
صحوة …
ويقظة للأنام التائهين….. (وتر من قيثارة الألم ….31…/ من قصيدة لا تعبني فأنا العراق ) وقد كتب قصائدا رائعة بتفعيلة متباعدة ، وتلك المساحات البصرية سلمته مفاتيح الحرية ليغني النص بالمعاني والخيال الواسع جداً ، بدرجات انزياح عالية كافية ، بعيدة عن المباشرة ، ورمي المفردات من خارج النص وليس من داخل أسواره / مثال : هنا تفيض مدامعنا زهواً
وبعشقنا نستعين
فأي انتماء هذا
يجرجرونا….؟!
وأي نغم تردده الحناجر
في مسافات الحالمين
آه…إنها الناصرية
شجرة مباركة
لك الهوى يا مدينتي
ولك العشق
تغريدة حب
وتراتيل محبة
يحملها العاشقين ( من يشتري الورد…. 7 / من قصيدة وحي المحبة ) كتب أيضا قصائد رائعة بتفعيلات متتالية مقفاة ، لكنها لم تقع في بركة السجع ولا تميل إلى البحرالخليلي ، إلا قليلاً، وقد حافظ عليها الشاعر بموهبته وقدرته الشعرية بين التفعيلة والبحر دون أن تغط في بركة السجع، وإليك مثالاً: من آه تطوف بأنين
تردد عذابات العشق والحنين
تعلنها بحة في صدور العاشقين
………..
……….هنا الناصرية أفق المحبة واليقين
مدينة علمتني الحب وسر الحالمين (همسات لمدينة العشق……72 / من قصيدة ومضة )  وقد توفق الشاعر ، حسن عبد الغني الحمادي ، أيضاً ، بكتابة قصيدة النثر بطريقة مموسقة بموسيقى داخلية راقية خالية من الكسر الموسيقي والتوقف الزمني ، وإليك نموذجاً من هذا النوع الشعري الجميل : آه…. حرقة الشعراء
آه…. أيها الأمراء
نص كتب إلى روح الشاعر كمال سبتي
 
سيبقى ظل أشياءك ظلاً،
عند حده تتلاشى حيرة الكلمات
وينفخ في جوفها أنين الشعر
كان مثلهم
يتخطى جمر الغربة
……..
……………..أين ظلّي…؟أين منأعطاني وردةوأعلننشيد الرحيل….؟ (مازالت أوجاعي قائمة ……. 52)  رابعاً – النظرية والمذهب الأشكال الأدبية المتعددة ودرجة المباشروالانزياح في نصوص الشاعر حسن عبد الغني الحمادي: سكن الشاعر حسن عبد الغني ، بشكل دائم تحت خيمة نظرية الفن للمجتمع، لكونه شاعرٌ من الطراز الاجتماعي الأول ، المثقل بجنوبيته السمحاء ، من طيبة وكرم وعنفوان ، وهو فرد من هذا المجتمع المظلوم ، يحس أوجاعهم، ويتلمس آلامهم عن قرب ، ويحول تلك الأوجاع والآلام إلى نصوص شعرية تتحاكى مع إرهاصات البسطاء والفقراء والمظلومين ، يلقيها في كل مناسبة على  مسامع من يسمع ، ومن لا يسمع ليبلغ رسالته واجبه الإنساني بشكل أدبي فني متكامل ، ويدخل ضمن مشروعية الأدباء أصحاب الفكر والرسائل الإنسانية  ، ويطهر نفسه من العبثية الأدبية، ويعلن وطنيته جهاراً برأس قلمه العفيف المرفوع ، يصر حسن عبد الغني ، على الابتعاد عن الرمزية والسريالية ، ويكتب الواقعية بمسحة راقية من الرومانسية وهذا النوع من الأدب  محبب للبسطاء والعقلاء من الناس ، الذين لا تغويهم جمل الغموض والفوضى والهروب من الواقع والادعاء بالفهم لشيء لا يفهم ، ومذهب الواقعية ، هو مذهب يختص بأوجاع الناس وهمومهم، وهذا منحى تاريخي رافق المجاهدين من الشعراء بسلاح القلم والإيمان به، فهو أمضى سلاح ، أما على الصعيد الفني ، امتاز هذا الشاعر بعبقرية المزج بين الواقع والخيال أي بين المباشرة والانزياح بنسب دقيقة جعلت من نصوصه  نصوصاً متوازنة ومؤثرة في الحبك الجمالي والشكل البصري، فقد كتب بجميع الأنواع الفنية للنص : مباشر كامل ، انزياح كامل ، مختلط بين الواقع والخيال ونصوصاً تظهر فيها الموسيقى من خلال الكلمات، وكان مبهراً في تلك الأنواع الصعبة ……..وإليك أمثلة عن الأشكال الأدبية : نص بانزياح كامل ، انزاح الشاعر به عن الواقع تماماً ، واستخدم الخيال في المفردات مع المحافظة على التبسيط والمباشرة بالتنصيص مثال: متى يورق شجر الصبروتتفتح أزهار العمرفيمتد غصن للودغصن لا يعرف أثر الظلم والعصيان ؟متى … متى…  (وتر من قيثارة الألم ….27 ) أسلوب مباشر كامل لا خيال فيه، ويفتقد لدرجة الانزياح تماماً ، لكنه وضع في القصيدة بأسلوب سردي شعري رائع يعكس مقدرة الشاعر في تجربته الشعرية…… مثال آه
يا جمال الشجرة
فرواها بدمه، وأكتفى بالزهو…!
هناك……
وسط الأزقة القديمة
والتأملاللهفة ، والهمسة والبدايةكبرنا بظلهاورفضنا الفطام
عشقنا فيها يقين السنين (همسات لمدينة العشق……11)  مختلط مباشر وخيال (درجة انزياح نصف) ، أيضاً برع الشاعر في هذا النوع من النصوص براعة تحمل درجة الأستاذية بالصياغة الجمالية ، فجاءت نصوصه المختلطة مؤسرة…..مثال : سعادة وطني
دمعة في
عيني وأغنية رددها الآخرون
 
لكني أطلقهانشيداً وغناءلأطفالنا الخائفين (مازالت أوجاعي قائمة ……..16) براعة الشاعر باستخدام مفردات يظهر فيها الصوت مع شكل الكلمات وكأن القارئ يسمع ما يقرأ ….وهناك أمثلة  كثيرة لهذا اللون العجيب لهذا الشاعر المبدع……مثال : هل أتاك صمت النواقيس ؟هل أدركت صدى أصواتها ؟أنا أدركتهفنواقيسي لم تكن معطلةهي التي قرعت صمتي وآهاتيهي التي أيقظتأحزانيلأن بها حرارة الذاتوصدى أيامي ( من يشتري الورد…. 19 ) خامساً- البيئة الشعرية لنصوص الشاعر حسن عبد الغني الحمادي:يطلق حسن عبد الغتي العنان لنفسه ليجند شعره لكل مناسبة تخص الوطن ، خيراً أو  شراً ، ويسكب في أوراقه البيضاء هموم الناصرية وآلام أبنائها ، في كل دورة من دورات عجلة الزمن ، الوطن تعرض للكثير من الهموم والأوجاع ، فترى أبا طيبة فوق منصة الإبداع ، شاهراً قلمه سيفاً ، يعلن في طرفه الولاء لهذا الوطن ويطلق رصاص الكلمات لتدخل القلوب ، منهم من تخترقه حتى تخرج من ظهره ، ومنهم من تستقر فيه وتبلسم جروحه ، وما أجمل الكلمة الطيبة الصادقة حين تطلق في مكانها ، فهي أمضى من الكواتم والعبوات…. ما انفك حسن عبد الغني ، إلا وهو أول الحضور في كل مناسبة لتوديع شهيد أو فقدان إبن بار من أبناء الناصرية ، أو النوح على من مات غريباً من أبناء هذا الوطن، أو  من نسته السلطة  فوق الرصيف ، تراه يدور في كل زاوية ومكان يبحث عن مكامن الألم  والهم ، ليخفف عنهم الهم بكلمة أو ببيت شعر ، أو قبلة من قبلاته على الجبين، أو مواساة ،…..تلك هي البيئة الشعرية الحقيقة للأدباء أصحاب الرسائل الإنسانية ، وليس مدح من خان ومن ظلم لكسب جاه أو مال أو كرسي ، أو هرب بأدواته الشعرية ليكتب إسفافاً بعيداً عن اللغة والذوق….بيئة حسن عبد الغني الوطن ، وهموم الناس ويا لها من بيئة راقية…. نعماك أبا طيبة…… يذكر الشاعر الإنسان حسن عيد الغني الحمادي ، كوكبة من أسماء أناس فقراء ومساكين وسكان للرصيف ومشردين ، ساهموا في ديمومة حركة الحياة الناصرية ، بما تملك من أنشطة وحيويات ومواهب متعددة قد استهلكتها ، من أجل الإنسان الناصري ، بأي شكل من الأشكال ، وقد ذكر الشاعر تلك الأسماء بسفر أشعاره كجزء من وفاء منه لها ولكفاحها اليومي….وإليك أمثلة  لهذا الوفاء الإنساني وسنورد أمثلة شعرية عن مشاركته الناس اجتماعياً برسالته الإنسانية : :في مدينتي تحف وعلاماتتحف استهلكها الزمن
وضيعنها الأقدار
……….
……..
وقرب (باب الشطرة)
صادفته يتموج بأنينه
فقلت آه”شنان”يتأبط أوسمة الكدية…………..أي وجوه خطت لها آهات حزينة ؟فتتذكر براءة ” كاظم الحباب”……………….ويهنئالطبقة العليا و الطبقة السفلىذلك “شنيشل”………………..هناك قرب مقهى “جمعة”
كان “كريم” أبو صرة
ينود بألم
……….
………
طوقه الجنون فمات في صحوة القدر
اسمه “مصباح”
لكنه لم يضئ مثل المصابيح
 
……………
…………….عاش ومات طيباً حد الموتوحد القبرإنه الطيف النرجسي ” قدوري”………………………..فظل يعمل حتى في عطلة يوم العيداسمه ” مسلم “كسر روتين التقاعد والتقعيد…………………….وبين الأحباب والصحابإنه ” جلاوي “……………………………..تذكروا…..أنه الحاضر الغائب “كوزان “ويدور الزمان……………………………إنه ياسادتيالمدعو..” عمو جوعان “……………………………….بلا دليل أو علامةإنه ” ناظم ” وما مثيله (همسات لمدينة العشق….35 …القصيدة ) سادساً – البناء الفني الجمالي وتسيد التناص في نصوص الشاعر الإنسان حسن عبد الغني الحمادي : امتاز هذا الشاعر الإنساني بكتابة السيناريو والحبك الشعري في قصيدته ، وقد شدني هذا النوع من الشعر ، فحين تقرأ أية قصيدة لحسن عبد الغني ، تشعر أنها نصاً شعرياً حبكاً كتب بطريق القص الأدبي بعنوان وإخبار تقريري ، من مكان وزمان وحبكة ، وصراع درامي وذروة أو عقدة ثم انفراجاً ونهاية ، وقد تناول بقصائده السردية تلك ، قصص جميع هؤلاء المساكين ، الذين ماتوا على الرصيف من المشردين المعروفين في ذي قار ،مثل ( كاظم الحلو الحباب ،عمو جوعان ، حميدة ، شكر أحمر وجليل البطل ، ومسلم  …..الخ) وكذلك ذكر في قصائد منفردة الكثير من الشهداء والمظلومين ومن قضوا في الغربة بعيداً عن وطنهم، ممن   لاحقهم الظلم : مثال نصي : في هذا النص المخصص للفنان الممثل عزيز عبد الصاحب يرثيه بمرثية راقية عنوانها ( آهات الرحيل المر/ صفحة 91 من مجموعته الموسومة (وتر من قيثارة الألم ) منها : تدحرج الحرف معمداًبأشجانينعاك القلبيا آخر الأحزان……………………….بصمة ذلك الحرففي أي ركن باتتأبحث عنهافقد غلقتها للأبدوسط الشغاف بذلك تراه يتناص مع الكبار من أدباء العالم بتلك السمة الأدبية ، فهو يمتلك موهبة وتجربة شعرية لذلك تعززت لديه تلك السمة بالقراءة و تراكم الخبرة ، عن غيره ولم يكتب في فراغ أبداً ، ذكرني بنصوص عدد من شعراء العالم  الذين ترجمت لهم وعشت مع نصوصهم سنيناً وعرفت عنهم كل صغيرة وكبيرة ، فقد امتلكوا تلك السمة الإنسانية الفريدة ، تحبيك الشعر بطريقة القص ، و لشاعرنا حسن عبد الغني الحمادي معهم ، تناص  عالمي متوازٍ : منهم ، الشاعر المكسيكي فكتور تيران ، والشاعر الأفغاني بارتاو نادري، و الشاعرة الكردية كاجال أحمد،  والشاعرة الإيرانية أزيتا قهرمان، والشاعر الهندي موهان رانا، والشاعرة الأندونيسية توتي هيراتي، والشاعرة الطاجيكية فارزانا خوجاندي، والشاعر التنزاني يوفراس كازيلاهابي، والشاعر الشيلي غونزالو روخاس، والشاعرة الكورية تشوي يونغ ميل، والشاعر الصومالي مكسامد كارييا والشاعر التايلندي أنكارين تشتانتيب، والشاعرة الباكستانية نوشي جيلاني، والشاعرة الارجنتينية تمارا كمانزين، والشاعرة السويدية الزابيث راينل، والشاعر  الإنكليزي سي جيه درايفر و الشاعر الأفريقي كورسينو فورتيز، والشاعر الكيني كثاكا وامبيريا، والشاعرة الأكوادورية شاربوبي جووا، والشاعر التركي سولي أكان والشاعر الهايتي فرنكشتاين، والشاعرة الببروية بلانكا فاريلا….. بالتأكيد سيستغرب البعض عند قراءة هذا النقد المتواضع وسوف يتساءل ، هل حسن عبد الغني بتلك الإمكانية الشعرية أن يقف موازياً لكمية الشعراء العالميين ، الذين ذكروا ؟!؟ الجواب نعم….!!…. و أكثر لأنه لم يكتب لنفسه فقط ،مطلقاً، لطلب مال أو جاه، بل حمل آلام وهموم غيره ، وكتب الشعر كسلاح للدفاع عن تلك الهموم وتحرر من ذاته فصار حراً ، يشبه الأحرار ويذكر بلسان الحرية ، وكل من يحمل رسالته الأدبية سيصبح مثله وربما أكثر ،  لنعلم أنفسنا أن نحترم المبدعين منا ، وهم أحياء ، بوجود الجسد والروح والإبداع ، ونعزف عن عادتنا السلبية ، أي ذكر الإبداع بغياب الجسد والروح ، وهذا طبع بشري سلبي يستولي على الساحة الإبداعية فينا…. مثال نصي آخر يتجرد فيه شاعرنا ، من أنانيته ويرثي شاعراً مثله بقصيدة خاصة بعنوان / سلاماً أيها الثمر المشتهى/ منها : نعم يا صاحبيفإنها رحلة بين ملاذ الشعر ويباس السنين يوم غادرت حوانيت الرغيفصار الصمت موتاًفافترشت صفحات الرصيفلتكتب مرثية الصمت………………………………………..سلاماً أيها الملفوف بجنائن آدم
ونكهة الشعر
لأنه الثمر المشتهى
مسته سهام الخائبين
……….
………..
آه مدامعنا
من يدثرها ويلغي مواعيد
الرحيل…….؟
 
 
والجدير بالذكر أن الأفكار في نصوص حسن عبد الغني ، تتنوع كما تتنوع نصوص الشعراء التي ذكرت أسماءهم أعلاه، لكنه يتحد معهم بالسمة الشعرية والتكنيك النصي البسيط ، السهل المتنع ، مع الحبك في التنصيص ، بعيداً عن التكلف والإطناب والتشدق بالمصطلحات والمفردات الرنانة ، والتي تصبغها العتمة والظلام الدامس ، ولا يسمى الشاعر شاعراً ، إذا لم يمتلك سمة وتكنيك شعري خاص واستراتيجية أدبية وفكر ورسالة ….
 
والشيء بالشيء يذكر ، إن عظمة شكسبير كأديب عالمي ، جاءت من عبقريته باقتراض الحبكة النصية من غيره من الأولين و إعادة كتابتها من جديد شعراً ممسرحاً  ، لذلك امتاز بقوة المزج بين عناصر ثلاث متباعدة في عصره  ، وهي القص الشعري الممسرح  أي الحبكة، والشعر والمسرح وأضاف لذلك سمات عديدة لمناهج فلسفية امتاز بها شكسبير عن غيره ،  كالتردد  …. hesitationهاملت) والمصداقية ، وقوة السقوط( credulousnesالسذاجة والمصداقية ….عطيل ) والعقد النفسية (Oadipus complexأوديب وعلاقته بهاملت) وحب المال( money maniaتاجرالبندقية )…الخ ، وامتاز أيضاً بصناعة النهايات الكوميدية والمأساوية ومزجهما معاً……  سابعاً – جمالية الصور البلاغية والإنسانية في النص الشعري لدى حسن عبد الغني الحمادي: تزخر نصوص الشاعر حسن عبد الغني بجمالية التعبير و الصور النصية فقد استطاع الشاعر حسن عبد الغني ، بموهبته وخبرته الشعرية رسم أجمل الصور الملونة بالكلمات والتعابير ، حيث استطاع أن يخلط ببراعة بين الكلمات والألوان والأنغام معاً ،  استخدم علم الجمال وعلم البلاغة وعلم البيان والبديع في بوتقة واحدة ووظف الطباق والجناس والتشخيص والتشابه والاختلاف والتورية والمواربة والقياس والعناصر البلاغية الأخرى ، بخبرة ومهارة و حرفنة واتزان ، لذلك ، حين تقرأ لهذا الشاعر ، ستجد نفسك و كأنك تسمع ما يقال نغماً ملوناً مرسوماً بأبعاد مرسومة بلون وفرشاة ، مدروسة فنياً وأدبياً ، وتلك سمة واضحة في تكنيكه النصي الخاص ، واستراتيجية بارزة في شعره ، يأتي السبب في ذلك إلى اهتمامه الدقيق بصناعة الجملة الشعرية الواحدة ، بخبرة واهتمام منقطع النظير ، لذلك يحس القارئ بحلاوة النص وتأثيره المباشر المحرك للحس والوجدان ، يضاف لذلك بساطة التعبير وجمالية المفردات المدروسة يشكل دقيق ، وسنورد بعض الصور الأدبية التي تزخر بها إصداراته  الأربعة : قطف الوردمن حدائق الحالمينقطع الحبل السريمن زحام العابرينظلت الأحلام تائهةفمن يفتح نوافذ الصبرفتمر الأحلام ونمر (وتر من قيثارة الألم ….9 ) ____________ طيورنا توارت
رحلت بصمت
غلفها الألم
تاركة نوافذ للوجع
واللوعة….والحرمان
طوقتنا بنصيب من فراق
وقصائد
وميراث الشعر
والآه (مازالت أوجاعي قائمة ……..34)_______________________ سل الليل
يرتعش وحشة
ويبحث عن صحاب
يطبق الفراق جناحيه
ويمضي
ينادي….
أين وهج الحباب ؟
 
(همسات لمدينة العشق……95)
 
________________  فلا تعطش يا صاحبي
فالناصرية
تعطيك شربة حياة
ونبض قصيدة
وتعطيك لبن الأصالة
في زمن التيه والضياع
لتسعد بنغم
تعزفه أوتار القلوب ( من يشتري الورد…..76 ) ثامناً –  التراكيب النحوية والجمل والمفردات الإيقاع الموسيقي
وحسب علم اللسانيات ، تعمل المهارات الميكانيكية الحسية في العقل الإنساني المتلقي للأدب بشكل عام ، والشعر بشكل خاص ، بأربع مهارات ميكانيكية تعمل عل استلام المعلومات المتواترة والمؤثرة بالإحساس حسب نوع اللغة وجنسها وكما يلي 1- حركة العين (eye movement)والفكر حسب اتجاه الدلالة المرسومة من الجهات الأربعة لتقرر هوية اللغة الحاضرة …2- الربط بين الدالة والصورة (association) وهذا ربط واعي بين المنطوق والمرئي من دلالات نصية يقوم مكتوبة بتميزها العقل بشكل منطقي بميزة التمييز….3-(recognition) وهنا يربط العقل بين المنطوق وصورته ، ويميز بين حرف وآخر في الكلمة وبعد ذلك ينص الدماغ على التفسير  الدلالي ((interpretation قد تكون ( phone)الصورة  صوتاً فقط فلا تعطي معنى ، إلا إذا كانت مجموعة من الأصوات رتبت بشكل منطقي وصارت (morpheme) أي كلمة ذات معنى حينها تسمى(word)في سياق منطقي سيمانتيكي (semantic) أي مقبولة بسياق(syntax) نحوي منطقي محبوك بدرجة براغماتية كبيرة(pragmatic meaning) أي وضع لغوي محفوف بعمق اجتماعي وذرائعي ، بدرجة حسية عالية من العمق الأدبي ، وهنا يختلف الأديب عن الإنسان العادي في التعبير طبقاً لتلك المعايير العلمية ، وقد برع الشاعر حسن عبد الغني بتلك النقطة ، دون أن يحس ، وحسب علمي وطبقا  للمعايير التي ذكرت في أعلاه ، فأنه حتماً قد اكسب ذلك من موهبته الأدبية المحفوفة والمسورة بسور الخبرة في كتابة الشعر المكثفة ، والمتلاحقة والقراءات المستمرة …..لذلك جاءت جمله بشكل مدروس ، بأنظمة تكوينية قصيرة مغناة بمفردات متنافرة ومتماثلة ، من خيالية كاملة ، أو إخبارية كاملة ، أو مزج بين الشكلين…..  أما الإيقاع الموسيقي الشعري في نصوص الشاعر حسن عبد الغني الحمادي ، فقد تميز بالانسيابية والتنوع بين النثر المموسق والتفعيلة ، فقد كتب شعراً جميلاً مموسقاً بالحالتين ، بجمل موسيقية مبهرة ، تتخلل جمل النص داخلياً، وتتنقل أحياناً بين ترانيم ترتكز على صوت واحد ، في نهاية الترنيمة للجمل الموسيقية في التفعيلات المتقاربة أو المتباعدة ، التي تتغير بين قصيدة وأخرى سعياً وراء المعنى ، حتى إذا تصيدت المعنى ، ارتكزت فوق حرف موسيقي واحد ، ليختم الاستراحة الموسيقية، وغلق الجملة أو النص موسيقياً مبهراً….سنشاهد أمثلة متنوعة من تلك الممارسات اللغوية الأنيقة الملفوفة بقرطاس الموسيقى : قالوا:هو دم يفوروعلى ملذاته سحرسحروظلونبض يرتعشوقلت :(وتر من قيثارة الألم…..81) لاحظ توافق المعنى والموسيقى ، توافقاً مبهراً …(قالوا وقلت) باب ونافذة ، بداية ونهاية ، حصرت بينهما معنى متكاملاً ، فوران الدم والسحر وارتعاش النبض في الظل وغلق المعنى (بقالوا) لفتح نافذة جميلة لمعنى جديد….هذا التزاوج الرهيب بين المفردات التي تحمل صوتاً مسموعاً مع الموسيقى ، وكأن الشاعر يعزف للكلمات  وهي تتراقص ، بين أسوار الجملة…هذا شيء جديد لم يمر على مرأى من قبل ، إلا في قراطيس حسن عبد الغني الحمادي…. مثال اخر :
بين وجع الغربة
وصحوة الألم
تركت صباحات
المدينة تستمر
تلتهب شوقاً
وهتافك بين جنبيها
أنين العاشقين
تركت المدينة
والأزقة تستغيث
تبحث عن
عشاقها
تعلن
آه

يا حرقة الشعراء

(ما زالت أوجاعي قائمة….58) لاحظ هنا حبك الجمل باقتصادية لغوية عجيبة بمفردات مكثفة ومثقلة بالمعاني ، رغم أن جمل المقطوعة تقع بين كلمة وكلمتين ، وتشكل بنية رهيبة بين الفرح والحزن بكلمات متخمة بالموسيقى ، وكأن الشاعر ملحناً ، يعطي الكلمة كثافة في المعنى متخمة بكثافة نغمية وذلك إبهار منفرد لا يجيده إلا هذا الشاعر المبهر… مثال آخر : فالصلاة نشيد الصابرين
صبرنا
حتى صار الصبر علة بين الخافقين
آه يا صبر
هل تمتد إلى مشوار آخر ورنين…!؟
 
(همسات لمدينة العشق…..58)
 
لاحظ المفارقة بين الصلاة والصبر ، تلاعب بتوجيه المعنى بين الإيمان والصبر ، جعل الصبر علة والصلاة  علاج ، وجعل امتداد الصلاة مع وجود الصبر متلازماً فإذا استمر الصبر بلا صلة بينهما ، هلك صاحبه وهذا نوع من الاقتران الفلسفي بين الثابت والقرين المتحرك ….ثبت الصلاة بقرينها الصبر، وتلك مقدرة راقية لا يستطيعها إلا أعتى الشعراء بالتنصيص الشعري  ، ولم يكتفي الشاعر بذلك بل جعل الجمل الشعرية من خمسة كلمات وشطرمن كلمة، وجعل تلك الكلمة تفوق بالتكثيف المعنوي عن تلك الكلمات الخمسة ، ولم يقف حسن عبد الغني عند هذا الحد ، بل عرج نحو الموسيقى وركز الترنيمة فوق حرف النون( في التفعيلات ،الصابرين الخافقين و رنين) وهل هناك جمال أجمل من هذا العزف….!!؟ مثال آخر: يعلمنا أن الباحة المطوقة بستار
يدعوها دار
فشيدنا الدار
وبقى الحلم يدور
فيدور الزمن
ويضيء النور
كبرنا
وملكنا داراً ونور
وطن جميل ….دار ودور
 
(من يشتري الورد…..28 )
 
ونلاحظ مقدرة الشاعر حسن عبد الغني ، وهو يتلاعب بالشكل والمضمون والمعنى والموسيقى بمضمون محبوك ومغلق ببداية ونهاية في التنصيص الشعري ، أن يجعل معنى الكلمات مدوراً بالمعنى والشكل ويسرق حسك ووعيك ، ويجعلك تحس وأنت تدور ، حين تقرأ هذا النص ، فقد سخر الموسيقى أيضاً، بإشارة من أصبع قلمه بتكرار صوت ( الدال والواو والراء معاً ) ، ثم  بدأ يدور بالقارئ من نفس مكانه نحو الطفولة ، ثم نحو التعلم بتلك الكلمات الأولى ، التي يتعلمها الطفل في قراءته الأولى (دار ودور) ، وبصورة لا شعورية ، ينقله إلى مرحلة الكبر ، حين يحول له  تلك الكلمات شكلاً مكانياً لدار يملكها هو ، ودور يملكها القراء ، ثم يضع الوطن سوراً للمحتوى ، تلك هي عبقرية حسن عبد الغني في صناعة الشعر هو لص شريف ، يسرق القارئ بوضوح ولجة  أشعة النهار ويأخذه جولات في عوالم ودروس وعبر…. تاسعاً – التكميم التفكيكي في نصوص الشاعر الشفاف حسن عبد الغني الحمادي: ويعتبر التكميم ، أحد عناصر تحليل المضمون الهامة ، في تفكيك النصوص ، ويقصد به تحويل المعاني من مفردات  أو تعابير أخرى إلى أرقام ، ومن ثم اكتشاف دلالة الرقم ، وعلى سبيل المثال: عدد مرات ذكر التوحيد في القرآن الكريم (مئات المرات) ، مقارنة بعدد المرات التي ذكر فيها التثليث في الأناجيل (مرة واحدة) ، ويتم هذا التكميم أو التحليل الرقمي بمنهجية ،  وفق خطوات معروفة ، ولغايات محددة ، وتتوخى درجة الموضوعية و الحيادية فيه ، وتجنب الأحكام الذاتية في هذا التحليل ، و وحدات التحليل الأساسية هي :  الحرف ، والكلمة ، و العبارة ، والفقرة ، والفكرة ، والشخصية  ، والزمان  ، والمكان …ومن ذلك يكتسب هذا المنهج العلمي التفكيكي منهجيته العلمية ، بأنه يمكِّن الباحث من التعمق والاندماج في صلب الموضوع ، و يساعده ، أيضا  ، على الوصول إلى إجابات مقنعة عن الأسئلة التي تثار حول النص ، وذلك بفضل قدرة التفكيك على التفسير الذي يزيل الغموض ، ويظهر الغايات المقصودة من النص بوضوح ، وكذلك يساعد على إظهار المعاني الدفينة  والمخبوءة في النص ، وإجلاء مضامينه على نحو دقيق ، ويفيد هذا المنهج العلمي ، المجتمع والباحثين في الأدب والعلوم الأخرى بأنه يصف الظروف والممارسات في المجتمع ، ويبرز الاتجاهات المختلفة ، ويساعد على الكشف عن نقاط الضعف والقوة والتناقضات ، ويساعد على تطوير الأداء ، و إظهار الفروق في الممارسات ، وتقويم العلاقات بين الأهداف المرسومة وما يتم تطبيقه على الكشف عن اتجاهات الناس وميولهم …  قمت بقراءة الإصدارات الأربعة (وتر من قيثارة الألم / ما زالت أوجاعي قائمة / همسات لمدينة العشق و / من يشتري الورد ) للشاعر العراقي الناصري الشفاف الأستاذ حسن عبد الغني الحمادي ، قراءة دقيقة ، مستفيضة وتحليل تجربته الشعرية و مفرداتها المتكرر رقمياً ، وبعد قراءتي تلك لجميع إصداراته الأربعة قراءة دقيقة ، مستلاً منها نبرات الإحساس والحنية والألم والهم والوجع والانتظار ، والإرهاصات الداخلية الأخرى لهذا الشاعر الإنسان ، أحصيت حجم تلك الإرهاصات بحساب رياضي لجميع كلمات الدلالات المعبرة ، وقمت بتحويلها إلى أرقام بدلالات تفكيكية سيميائياً ، وركزت في الكلمات التي تكررت في نصوصه لتعطي دلالات تصور حسي لإحساسات الشاعر الداخلية ، وتحمل معان ودلالات  تبين إمكانية الشاعر في كتابة الشعر بشكل متمكن، وقد بلغ عدد التكرارات الحسية (٩٠٢) وحدة حسية وهو رقماً محترماً معبراً عن إرهاصات هذا الشاعر الداخلية اتجاه وطنه العراق ومدينته الناصرية ،  وأبنائها الكرام…و إليك الدلالات السلبية أو التشاؤمية مفصلة وكما يلي : الدلالات السلبية أو التشاؤمية دلالات الألم والغربة أنين = ٢٠
وجع = ٤٦
ألم   = ١٢
حزن = ٣٣
فراق = ٦
جراح = ٥
رحيل = ٨
غربة = ١٦
حرمان= ٢
لوعة  = ٥
موت  = ١٧
 
————-
 
دلالات الندم هلوسة = ١٢هوس= ٣حيرة = ٥آهات = ٩٤ ————- دلالات الانتظار والصبر الانتظار = ٢٠
الصبر = ٢٧——————
مجموع الدلالات الحسية السلبية أو التشاؤمية = ٣٣١
—————— وسنورد المفردات الإيجابية أو التفاؤلية بالتفصيل: الدلالات التفاؤلية أمل  = ٧
حلم =٤٦
عشق = ١٠
 أمنيات = ٨
حب = ٣١
شوق = ١٧
شجن = ٧
 إنتماء = ١١
سعادة = ٢
حنين  = ١٢
الوطن = ٩٥
الناصرية = ١٠٣
 
————— 
مجموع الدلالات التفاؤلية =  ٤٤٥ وحدة حسية
 دلالات الجمال
 
خضرة  = ٧
نقاء = ٣
غناء= ٤
حس = ٦
همس = ١٦
سحر  = ٢٧
جمال = ٤
مطر = ١٢
نشيد  = ١٥
عبق = ٥
—————–٩٩ وحدة حسية وتضاف تلك الدلالات إلى السابقة بعملية حسابية بسيطة وكما يلي
445+ 99 = 544 دلالة حسية إيجابية أو تفاؤلية وتبرز  من نصوص الشاعر حسن عبد الغني الحمادي ، الشاعر الشفاف ، أنوار الإحساس والإنسانية والولاء للوطن و والامة  والمدينة الناصرية  ، والصحبة وكل معاني العلاقات الحميمة ، وظهر ذلك جلياً في جميع نصوصه ، التي أخذت منها تلك العينات ، أما ما يخص الدلالات الإيجابية  في شعره ، تعطيه الأولوية بالابتهاج والتفاؤلية ، وقد ظهر من كمية التكميم الدلالي للمفردات بأنه شاعر تفاؤلي أكثر من كونه تشاؤمي ، ويظهر ذلك واضحاً في الفرق بين المجموعتين السلبية والإيجابية فقد احتوت المجموعة التشاؤمية أو السلبية على (٣٣١ ) وحدة حسية أما الإيجابية فقد وصلت الى (٥٤٤) وحدة حسية ، ولو طرحنا من هذا الرقم ٣٣١ بالشكل الحسابي البسيط التالي ( ٥٤٤- ٣٣١ =  ٢١٣ وحدة حسية دلائلية ، وهذا الفرق كبير جداً بين السلب والإيجاب ، أي بين التشاؤم والتفاؤل ، لذلك تتقرر كينونة الشاعر الحسية بدرجات عالية من الإحساس وبميل نحو التفاؤل الثلث٪‏ وتلك نسبة كبيرة بالإحساس تقر شاعرية الأستاذ حسن عبد الغني الحمادي بأنه شاعر للشعر الحر الحديث ، الحر بنوعية شعر التفعيلة وقصيدة النثر وبأنه شاعر حسيس تفاؤلي……وظهرت براعته بتوظيف المعاني والجمل والعبارات بشكل أدبي متميز وكما يلي: وقد استخدم الشاعر في لغته الشعرية نوعين من المفردات : المفردات و المعاني الثابتة : وهي المفردات التي أخذت بنوعي المفردات النحوية الأساسية الاثنتين (مفردات المحتوى content words ومفردات التركيب function word) وتلك المفردات الثابتة ، أصر الشاعر حسن عبد الغني الحمادي ، على توظيفها ببراعة وفطنة وعبقرية في بناء النصوص والإصدارات بشكل فني رائع ومثير للإعجاب ، فقد جعل منها آجراً ملوناً لبناء جدران النصوص ، وصفحات الإصدارات وجمّلها بأنواع من الألوان المتنوعة المبهرة بتلك المفردات ، فكان الشاعر بناءاً بارعاً وصبّاغاً ماهراً في تلوين جدران تلك الصروح الأربعة ، بأحسن ما يكون ، ثم  فرشها ببلاط ملون جميل ، وبعد أن انتهى من هيكلية بناء نصوصه ووضعها في إصداراته المبنية بهيكلية جميلة ،انتقل إلى عملية التأثيث وذلك باستخدام:  المفردات الدلالية المتكررة ، وتلك المفردات حركها الشاعر بشكل فني عبقري مدروس لإعطاء جمالية في الأثاث ، الذي فرش بها نصوصه فأعطى لكل مفردة وظيفة معينة ، وعمل على تكرارها بشكل واعٍ ، لتعطي دلالات تضيف عمقاً وجمالية لمتون النصوص جميعاً ،  وقد استخرجت مع تلك الكلمات ودلالاتها ، وقد ذكرتها بنوعين الدلالات السلبية والدلالات الإيجابية وسأذكر مثالاً مبسطاً لشدة التكرار وتأثيره في ترسيخ الدلالات المعرفية للنصوص ،أضرب مثلاً : (وجع = ٤٦) استخدم الشاعر دلالة الوجع بتكرار حسي كبير يساوي ستة وأربعين درجة حسية , يعبر التعبير (وجع = ٤٦) عن شدة تأثره مما يحدث في وطنه من أن( وجع = ٤٦) هي عبارة عن انتهاكات ، عززها( بالحزن = ٣٣ ) ثلاثة وثلاثين درجة حسية ، ليزيد تلك الدرجة لدى القارئ ، ولم يكتف بذلك فقط ، فقد أضاف تعزيزات أخرى ليعطي للنص بعداً مؤثراً باستخدام  دلالات أخرى لهذا الغرض نفسه فضاف( الأنين = ٢٠ )  عشرين درجة حسية (و الموت  = ١٧ ) بسبع عشر درجة ، ليوازن بين الدلالات ويعطيها بعداً مؤثراً إضافياً  ليزيد درجات الحماس وتهيجها ، لدى المتلقي بدرجة انفعال عالية من الندم (بآهات = ٩٤ ) بدرجة عالية ليجعل المتلقي يشارك الكاتب هذا الندم ويزيد عملية الشد والاصطياد الأدبي في النصوص ، وبعد هذا كله عمد الأديب على غلق دائرة الندم ، الدائرة التي رسمها بدقة ووضع فيها المتلقي بدلالات ( الانتظار = ٢٠ والصبر = ٢٧) بدرجات عالية الدلالة واستخدم هذا التكنيك ببراعة في الدلالات الايجابية ليخلق رجحان في كفني الميزان النوعي الذي يبين درجات الاديب السلبية في التشاؤم والايجابية في التفاؤل
وكما يلي :  استخدم (الحلم =٤٦) بست وأربعين درجة حسية ليعطي الرقة والنعومة في نصوصه ، ودعمها (بالحب = ٣١) بدرجة إحدى وثلاثين درجة ثم دعمهم (بالشوق = ١٧) بسبع عشر درجة لنفس السبب ، ثم ببراعة خصص هذا الحب (للوطن = ٩٥) بدرجة عالية جداً خمس وتسعين درجة ، خصصها للوطن وغلق الدائرة مرة أخرى بحب الناصرية بدرجة كبيرة (الناصرية = ١٠٣) مائة وثلاث درجات ، واستخدم بقية تلك الكلمات أدناه بدرجات متواضعة ، لتجميل البناء الداخلي للنصوص بدرجات دلالية متواضعة:  أمل = ٧
عشق = ١٠ أمنيات = ٨
شوق = ١٧
شجن = ٧
إنتماء = ١١

سعادة = ٢
حنين  = ١٢
ودعم الشاعر الجمال في إصداراته الأربع ، بدلالات رقيقة أضافت للنصوص حلاوة وشكلاً مبهراً في المنظار البصري والعمق النصي ، وكانت تلك الدلالات شهادات كبيرة لبراعة وقوة  شاعرية حسن عبد الغني الحمادي ، ربما تغطيها موهبته الواسعة ،يعلم  هو بها أو يغطيها عمداً ، بتواضعه وطيبته اللامتناهية  وإليك مثالاً لتلك الدلالات الجمالية : دلالات الجمال خضرة  = ٧نقاء = ٣غناء= ٤حس = ٦همس = ١٦سحر  = ٢٧جمال = ٤مطر = ١٢نشيد  = ١٥عبق = ٥—————–99 تسع وتسعون درجة تضاف للدرجات السابقة في الدلالات الجمالية ، هي كم كبير لا يستهان به ، يعلن شاعرية الشاعر حسن عبد الغنى للملأ بجدارة وقوة واتزان…. واستنتج من هذا كله أن أحد صفات هذا الشاعر بدقة علمية  دقيقة ، لا نقاش فيها فهو شاعر غنائي شفاف ، وطني وفي متمكن لا يجاريه أحد في مباشرته الأدبية، يستخدم اللغة الشعرية بمقدرة كبير، لا يجاريه فيها أحد، كتب للبسطاء ولم يستخدم التشدق ولا المفردات الرنانة ، فقد عمد جاهداً أن يصل صوته للفقراء والبسطاء من الناس ، ولاءه لأبناء مدينته منطلق من كتاباته لجميع الفقراء ، والشهداء وسكان الرصيف والذين قضوا برصاص الظلم والاحتلال ، وتلك صفة تعلن انتماءه  بصراخ لوطنه ومدينته وناسه ، فقد كتب عن : (32) كينونة مظلومة ، مس الظلم أجسادهم وحطمها ، اذكر منهم : قدوري…..2-حميدة……3-شنيشل…..4-مسلم…..5- جلاوي…..6- كوزان……7- كريم الصامت……..8- مصباح…..9- جلاوي….10-كاظم الحلو الحباب…..11- عمو جوعان ….12-شكر أحمر  أما أبناء المدينة من مظلومين وشهداء، فقد أفردهم  بقصائد خاصة لكل واحد منهم إما  مدحاً أو رثاءاً: عباس داخل حسن ……2- عزيز عبد الصاحب…….٣-منذر عبد الحر…….4-عقيل علي…….5- رشيد مجيد…….6- سعد الأمير عبد الأمير……7- عناية الحسيناوي…….8- قيس لفتة مراد…….9- فرات فيصل 10– عبد الرزاق سكر……11- جواد كاظم…..12-علي بصيص…..13- علي الشيال…….14-حسين نعمة…….15- منذر علي شناوة……16- المعلم……….17- عباس هليل …….18- خالد صبر سالم……19- مسلم عباس الطعان….20- ابن الشاعر …عبدالغني حسن…..وزوجته أم طيبة….. بعدا هذا كله …..هل قصر الشاعر حسن عبد الغني بتبليغ رسالته الشعرية والإنسانية اتجاه  وطنه و مدينته وأبناء وطنه و مدينته….؟؟؟ فهو بحق يستحق أن يلقب بشاعر مدينة الطيبة بلا منازع……. وبعد هذا الخوض الدقيق والتفكيك العلمي السميائي ، أعتذر للشاعر الرائع الأستاذ حسن عبد الغني ، عدم الإحاطة بكل الجوانب الشعرية في نصوصه الرائعة لأن ذلك مستحيل ، لا يمكن تحقيقه والسبب أنني أخذت التجربة الشعرية كاملة لأربعة إصدارات، وكل إصدار يحوي عوالم من أحاسيس  وإرهاصات مختلفة ، لا يستطيع ناقد احتوائها دفعة واحدة ، لكن شغفي وإعجابي بقراءة شعر هذا الرجل الشفيف ، منحني الصبر والمتعة ، كي أخوض غمار محيطات هذا الشاعر ، وأسبح في مساحات إنسانية خيالية، وأزور عوالم شفافة صنعها هذا الرجل بجهود ليس هينة ، ومن ذلك أعترف صاغراً وأقول إن حسن عبد الغني شاعرٌ كبيرٌ يحسب له ألف حساب ، وقد كبر حجمه في مخيلتي يقدر حجم معاناته الإنسانية في نصوص شعره الرائعة ، ويحق لي أن ألقب هذا الشاعر بالشاعر الإنسان ، وأظن أني عرفت شيئاًا آخر عنه أنه سمّى ابنته ( طيبة) ، فهو ذكي جداً حين أدرك ذلك بالصدفة والعفوية فهو أبو طيبة حقاً ، ويعرف نفسه تماماً أنه إنسان مصنوع من طيبة ولحم ودم ، تحياتي لك أخي أبا طيبة ، وشكراً لك أن أهديتنا هذا الإحساس الجميل ليكون دليلاً لنا، ونبراساً للأخوة والحب والعشق الإنساني للوطن والناصرية، سلمت أخي أبا طيبة تحياتي واعتذاري…..