23 مايو، 2024 2:13 ص
Search
Close this search box.

الحمى الدينية يمكن ان تغذي الحروب لأزمنة طويلة قادمة

Facebook
Twitter
LinkedIn

بقلم مارك تومسون “مجلة تايم الاميركية”فيما تحرز الحرب ضد داعش تحسنا ملحوظا في العراق، فان تدهورا مقابلا يعصف بالحرب الاميركية-الافغانية ضد طالبان في افغانستان على ما يبدو، وهو ما يبدو ان لابد لنا من الاعتياد عليه. وفي الوقت الذي قد تختلف فيه تسميات الاعداء، الا انهم جميعا يرضعون من منبع ديني واحد, منبع يفترض ان صراعا طويل الامد سيضل مستعرا بطريقة تختلف عن صراع السنوات الثلاثين الذي اندلع في اوروبا ابان القرن السابع عشر. ولا شك ان هذا الكلام يدل بوضوح على ما يكتنف هذا الصراع في وقت قريب، حيث ان لنا ان ننظر الى وجهين لعملة واحدة، صراع لا بد فيه من تدخلات للقوى الاجنبية الخارجية الكبيرة جنبا الى جنب مع محركات الصراع المحلية و الاقليمية.
لقد قطعت القوات العراقية شوطا طويلا نحو استعادة مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار الغربية العراقية التي سقطت بيد التنظيم شهر آيار الماضي. لكن العقيد ستيف وورن من مركز قيادة العمليات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق صرح للصحفيين يوم الاربعاء الماضي قائلا “ان استعادة الرمادي امر محتوم، وان النهاية قادمة بلا شك”.
وفي الوقت الذي يسعى فيه تنظيم داعش لتصدير ارهابه، فأن طالبان حصرت قتالها بالداخل بالرغم من ان ذلك فتح الباب امام خلق ملاذ آمن لإرهابيي القاعدة التي شنت هجمات
الحادي عشر من ايلول. لقد بات من الواضح بشكل متزايد ان رغبة الرئيس اوباما اعادة القوات الاميركية الى الوطن ما بعد حروب اميركا التي تلت الحادي عشر من ايلول انما يمثل حلما لن يتمكن من تحقيقه قط. لقد قال الرئيس قبل شهرين “انني لا ادعم فكرة حرب لا نهاية لها”، حيث كان ذلك في محظر تصريحاته عن قرارات تمديد واطالة الدور الاميركي في كل من افغانستان والعراق. وكم سيتطلب الوقت ليستمر الوجود الاميركي المحدود في المنطقة كي يكون ممكنا منع الجهاديين من شن هجماتهم ضد الولايات المتحدة يا ترى؟ لا شك ان احدا لا يعلم.
لكن حتى مع اختراق القوات العراقية للرمادي وقتالها الملفت لاستعادة المدينة من المتطرفين، فأن القادة العسكريين الاميركيين ومعهم 6 من العوائل الاميركية لا يزالون ينحبون مصرع 6 من افراد القوات الاميركية الذين سقطوا على يد طالبان في افغانستان هذا الشهر، طالبان التي امكن للاميركيين ازاحتهم عن السلطة قبل 14 عاما.
لقد قيل في وقتها ان حكم طالبان انتهى، وان رئيسا جديدا لافغانسان هو حميد كارزاي سيعلن عن انشاء حكمه في الـ7 من كانون الاول عام 2001، اي بعد شهرين فقط من مهاجمة الولايات المتحدة لهذا البلد جراء ايواءه لاسامة بن لادن ومنظمته التي خططت ونفذت هجمات الحادي عشر من ايلول ضد نيويورك وواشنطن. وحتى هذا اليوم، فأن طالبان ليست جزءا من نظام حكم افغانستان.
لكن مع رحيل كارزاي وبن لادن، ورحيل اوباما الوشيك نفسه، فأن طالبان بدأت تشق طريق عودتها من جديد. ضمن تصريح ادلى به وزير الدفاع الاميركي اثناء زيارة قام بها افغانستان انه قال “خلال العام الماضي، امكن لنا سويا ان نحقق مكاسب يمكن ان تضع افغانستان على طريق افضل”. واضاف كارتر كذلك “ان تقدم طالبان في بعض مناطق البلاد، وان كان مؤقتا، انما يؤشر الى طبيعة القتال الشرس، هذا القتال الذي يبدو ابعد ما يكون عن النهاية”.
لكن حتى تحذيرات تحمل عبارات مثل “وان كان مؤقتا” انما تدفع الجنود الذي يقاتلون بأمرته للتفكير بهذا الكلام. ومن اللافت انه قبل وقت قصير من وصول كارتر الى افغانستان، اصدر البنتاغون تقريره نصف السنوي الذي يرفعه الى مجلس الشيوخ حيث قال فيه “ان الوضع الامني في افغانستان تدهور خلال النصف الثاني من العام الحالي 2015”. وقد تسبب هذا التدهور الامني بأبطاء وتيرة تنفيذ قرار اوباما سحب القوات الاميركية من هناك، هذه القوات التي يبلغ عديدها الان 9800 جندي، والتي من المزمع تقليصها الى 5500 بحلول كانون الاول 2017 حينما يغادر اوباما البيت البيضاوي رسميا.
كما اشار التقرير قائلا “ان المتمردين يطورون قدراتهم على ايجاد واستغلال نقط الضعف والانكشاف الافغانية، الامر الذي يجعل الموقف الامني حرجا في بعض المناطق المهمة، فضلا عن خطر تدهوره في مناطق اخرى”.
يوم الاربعاء الماضي، كانت حركة طالبان تقاتل القوات الافغانية المدعومة بمستشارين عسكريين اميركيين وبريطانيين من القوات الخاصة، وذلك من اجل السيطرة على بلدة سانجين، تلك البلدة المهمة استراتيجيا في محافظة جنوبي افغانستان. ومن نافلة القول ان القوات الاميركية والبريطانية خسرت اكثر من 500 فرد عندما تم طرد طالبان من تلك المحافظة خلال الفترة الممتدة ما بين 2006-2010.
وكان مساعد المحافظ قد نشر التماسا عبر موقع فيسبوك للرئيس الافغاني اشرف غاني طالبه فيه بدعم عسكري بغية منع طالبان من استعادة السيطرة على المحافظة.
ان هذا العنف الذي يعصف بالمنطقة يعود سببه الى حد كبير للاحقاد الطائفية العميقة التي تولدت قبل 1400 عام ما بين فرعي الشيعة والسنة في الاسلام. كما ان الاطاحة بدكتاتوريات المنطقة التي حكمت بوحشية غطت بها على الصراع الطائفي، انما ساعدت على اطلاق مارد شر كبير من عقاله، ماردا خرج على شكل موجات يمكن تهدئتها وترويضها في مراحل معينة من دون ان يكون ممكنا القضاء عليها نهائيا ما دام الشقاق والخلاف محتدما وموجودا.
ان هذا هو الوجه المتنامي للحرب، هذا الوجه الذي استمر منذ الانتصار غير المتوازن الذي حققه الاميركيون ضد نظام صدام حسين عام 1991، حيث سعت الامم الى التوجه بوضوح، وعلى الاقل علنا، سعت الى سلوك طريق يتجنب الحرب التقليدية مع الولايات المتحدة، تلك الحرب التي تمثل الاسلوب الافضل للولايات المتحدة اثناء صراعاتها مع الامم الاخرى.
فحينما يكون العدو بلدا آخر، يمكن للقتال ان يقود الى تسوية تنهي الصراع. وحيث يسعى كلا الطرفان عموما الى الالتزام بمعاهدات واتفاقات جنيف، تلك المعاهدات والاتفاقات التي تضع الاطر والقواعد الخاصة بالحرب ما بين الدول المتحضرة. وحتى حينما كانت صراع فيتنام تتطور الى حرب عصابات بقيادة الفيتكونغ، فأن القتال كان متجذرا من صميم القومية الفيتنامية التي ساعدت على توجيه الصراع نحو مسارات وطرق كانت واشنطن تعرفها سلفا.
لكن القتال اليوم ضد فكر اسلامي خبيث يعتبر الشهادة مفخرة ونصرا وغنيمة انما لا يفتح الباب امام هكذا مسارات. ان هنالك الان حسا متناميا في البنتاغون وغيره بأن الاضطرابات والعنف التي فتح الربيع العربي ابوابها انما يمكن ان تؤدي الى ما يشبه
صراع الـ30 عاما الذي اندلع ما بين الكاثوليك و البروتسانت في اوروبا عام 1618، والذي تحو الى واحد من اكثر الصراعات التي عصفت بالقارة الاوربية دموية عبر تاريخها.
لاسباب تاريخية ووجودية واضحة، لم يكن للولايات المتحدة دور في حرب الـ30 سنة تلك. لكن في الوقت الذي لعبت فيه هذه المرة دورا بارزا في اطلاق مارد الشر من عقاله في المرة الثانية، فأن الولايات المتحدة بحاجة للتفكير مليا وعميقا ومطولا قبل ان تزج نفسها اكثر في هذا المجهول. 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب