بودي أن أضع أمام الاعلاميين والسياسيين العراقيين رؤيتي لمستقبل الاقتصاد العراقي في ضوء السياسات غير المدروسة التي اتخذها رئيس الوزراء مؤخرا , مدفوعا من جهتين تمليان عليه سياساته . واحدة خارجية تمثل ايران وسوريا . والاخرى داخلية تمثل مجموعة من المستشارين المرضى والقياديين المعوقين في حزبه ممن ينقادون عميانا للحقد الطائفي البغيض ضد الآخرين , دولا وشعوبا .
فبعد خروج الولايات المتحدة شكليا من العراق , وخوضها لحربها على مدى ثماني سنوات فوق أرضنا في العراق , كان لا بد لدولة أخرى أن تتكفل قتال القاعدة بالنيابة عنها في المنطقة . ومن البديهي ان تكون هذه الدولة ليست العراق بالطبع , لأنها ببساطة حتى هذه اللحظة ليست بدولة تستطيع الدفاع عن نفسها , انما هي عبارة عن مستودع مالي يغطي نفقات الحروب التي تخوضها الدول بالنيابة عن الولايات المتحدة .
عندما كانت قوات هذه الاخيرة في العراق حتى نهاية العام الماضي , تكفلت هي نفسها بمقاتلة القاعدة , ولم يكن دور العراقيين من قوات الجيش والشرطة الا أداة مساعدة ومساندة لتنفيذ سياساتها في بلدنا . تغذيها وتدعمها دولتان جارتان بعناصر القاعدة المدربة والمستقدمة من دول العالم , سواء كانت عربية أم اسلامية أم عالمية , هاتان الدولتان هما سوريا وايران , يدخلون تلك العناصر الى العراق جهارا نهارا .
ولكن اليوم بعد خروج تلك القوات الأميركية من العراق , كان لا بد لاحدى هاتين الدولتين أن تقوم بالمهمة نيابة عن الولايات المتحدة , ومن الطبيعي أن تكون سوريا وليس ايران , لتأكيد البعد الطائفي في السياسة , ولأسباب يطول الحديث فيها .
على أن يقتصر دور العراق ويتكفل بتغطية مصاريف تلك الحرب ودعم المجهود الحربي الذي تقوم به سوريا وتسانده ايران .. فخمسمائة مليون دولار أميركي من عائدات العراق من البترول , هي كافية لدعم المجهود الحربي السوري وتعويض ايران عن خسائرها جراء التضييق الاقتصادي المفروض عليها من قبل الغرب , بغية توجيه اقتصادها نحو تحقيق الغاية الغربية من الحرب على القاعدة , وليس التوسع في البرامج الداخلية الاخرى .
كان العراق وفي ضوء سياسات رئيس البنك المركزي العراقي الملاحق الصديق الدكتور سنان الشبيبي يعزز من قيمة الدينار العراقي , وذلك بطرح ما قيمته مائة وخمسين الى مائة وثمانين مليون دولارا اميركيا في السوق للتغطية والحفاظ على سعر الدينار العراقي . أما اليوم ومنذ تصاعد الازمة فقد تضاعف المبلغ 3 ثلاث مرات , وهذا ما من شأنه أن يهدد الاقتصاد العراقي ويتسبب في انهياره وانهيار سعر الدينار العراقي في غضون الاشهر القادمة , اذا ما استمر الحال على هذا المنوال .
نعم ربما سيلجأ العراق وبمساعدة الغرب والولايات المتحدة , فضلا عن تغاضي ايران وسوريا الى زيادة حصة العراق من تصدير النفط للتغطية على سياسة الاستنزاف المالي تلك , غير أن هذه السياسة وان كانت لا تفصح عن انهيار ظاهر للدينار العراقي , لكنها تبطن استنزاف فاضح للاقتصاد العراقي . فالعراق اليوم حسب تصريح الدكتور ثامر الغضبان مؤخرا يصدر ثلاثة ملايين وأربعة عشر ألف برميل من النفط يوميا الى السوق العالمية , ومن المحتمل أن تزداد في الاشهر القادمة , بعد أن كان يصدر مليونين وستمائة ألف برميل يوميا في السابق .. كل هذه الزيادات لم تصب في مصلحة المواطن العراقي بقدر ما صبت في مصلحة الدولتين الجارتين , الخائضتين الحرب ضد القاعدة .
ان الغاية الاولى والاخيرة من التوجه نحو ما كان يسمى سابقا بالمعسكر الاشتراكي لابرام عقود التسليح مع روسيا والجيك , هو ليس كما يحاول رئيس الوزراء الايحاء الى العراقيين وغيرهم نحو خلق حالة من التواجد الدولي المتوازن في العراق , ونهاية مرحلة الاعتماد على الولايات المتحدة , فقد كذب هذا الايحاء سريعا زيارة نائب وزير الدفاع الاميركي الى العراق والعقد المبرم مع الولايات المتحدة حول تزويد العراق بطائرات أف 16 عام 2018 . انما تصب زيارة رئيس الوزراء لروسيا والجيك في مصلحة سوريا وايران وتتناغم مع سياستهما تماما .
ان اجراء اقالة الشبيبي من البنك المركزي العراقي اجراء سياسي خاطىء سيعود بايذاء الاقتصاد العراقي لاحقا . أستطيع أن أسترسل بالشرح والاستدلال على خطأ سياسة رئيس الوزراء القائمة على الفردية والجهل بالسياسات الدولية ومستقبل العراق , لكنني أجد نفسي سأطيل , وعليه أكتفي بهذا المقدار من التنبيه والاثارة , داعيا ومناشدا جميع الاعلاميين والسياسيين الحريصين على العراق الى التصدي لتلك السياسة المؤذية والتحذير من نتائجها وعواقبها الوخيمة , ورفع أصواتنا عاليا في وجهها كونها غير آبهة بمستقبل العراق وشعبه .