بعد الحملة الغربية للتخلص من يهودهم ، من خلال (مشروع تيودور هرتزل) .. حيث كان قد رشّح فلسطين أو الأرجنتين أو إنغولا أوطاناً لقيام دولة قومية تجمع كافة يهود العالم ، والتي حددها في المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في مدينة بازل بسويسرا في 29/آب /1897 . يتوجه الغرب اليوم إلى معالجة أخرى .. لا تقل خطراً عليها من سابقتها ، حيث كان الغرب يعاني من هيمنة رأس المال اليهودي على الإقتصاد الغربي ، ما جعله يروّج إلى تنفيذ مشروع هرتزل مطلع القرن التاسع عشرالميلادي ، وهذا ما جعل بريطانيا العظمى .. وعلى لسان وزير خارجيتها (بلفور) أن تعلن دعوتها لقيام وطن قومي لليهود بفلسطين عام 1917.. فكانت كارثة العرب الكبرى .
اليوم ؛ يواجه الغرب خطر توجه العديد من مسيحي العالم الغربي إلى اعتناق الإسلام ، حتى قدِّر معدل دخول الفرنسيين إلى الإسلام مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى (15) فرنسياً في العام ، وقد أشّر اعتناق الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي) مطلع ثمانينيات القرن نفسه .. ومن عالم البحار (كوستو) مطلع القرن الواحد والعشرين ذلك الإنتشار . ويؤشر تنامي (حزب أمّة الإسلام) بزعامة (لويس فرقان) في الولايات المتحدة ذلك الإنتشار أيضا . ولا يظن عاقل ؛ أن تغفل إدارات العالم الغربي خطر إنتشار الإسلام بين شعوبها .. الإسلام الذي أسقط إمبراطورياتها الكبرى خلال تاريخ .
من هنا ؛ تقدح ومضة الإنتباه لأسباب الحالة الدموية التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم !!!
لقد كان لإندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية نهاية السبعينات ، ونزول القوات السوفيتية في ثمانينات القرن الماضي مبررات أرادت المنظومة الغربية أن تستفيد منها إزاء ما ألمعنا إليه من معنى . حيث فشل المشروع الغربي في تحقيق أغراضه حيال الثورة الإسلامية في إيران ، إلا أنها نجحت في تنفيذ الهدف في أفغانستان .. من خلال دعم جماعة طالبان لمواجهة الوجود السوفيتي فيها ، والذي توسّع إلى تنظيم القاعدة الإجرامي في العالم بأسره .
والحالة هذه ؛ فقد أصبح العالم الغربي مستبشراً بما حصل من كارثة في برج التجارة العالمية يوم 11أيلول عام 2001 ما جعل الولايات المتحدة والمنظومة الغربية تسعى متعاونة لأجل إعلان الحروب الواسعة لإجراء عمليات التغيير السياسي في معظم المنظومة العربية والإسلامية .. وبمختلف الدواعي والحجج ، لأجل إنجاح مشروعها الجديد الداعي إلى القضاء على الإرهاب ، ومحاربته بعيداً عن أراضيها . لكن الهدف الحقيقي يسعى إلى قتل المسلمين بالمسلمين .. أينما يكونون . والذي لن يتحقق؛ مالم يكن مبررٌ موضوعي على أرض الواقع .. أن تكون قضية لكي يكون مدافعين عن قضية.
وكمايلي :
المبرر الأول : وجود إحتلال سوفيتي في افغانستان ، وهذا مايستدعي دعم المسلمين في العالم لطرد الشيوعيين السوفيت الكفار عن ديار المسلمين .
المبرر الثاني : وجود حكومات دكتاتورية تحكم باسم الإشتراكية والقومية ؛ وهذا مايتعارض مع الإسلام .
المبرر الثالث : ضرورة إعادة مجد الإسلام المنهار ؛ من خلال العودة إلى إقامة الخلافة الإسلامية على أرض العرب والمسلمين وفي العالم كافة .
حيث أستطاعت الدوائر الغربية ؛ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، أن تدعم حركة طالبان في أفغانستان لأجل إسقاط حكومة (بابراك كارمل) الشيوعية الموالية للسوفيت ، حيث كان الهدف السوفيتي منها دعم الحكومة الأفغانية الصديقة للإتحاد السوفيتي ، والتي كانت تعاني من هجمات الثوار المعارضين للسوفييت، والذين حصلوا على دعم من مجموعة من الدول المناوئة للاتحاد السوفييتي من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية ،السعودية ،باكستان والصين ، حيث أدخل السوفييت الجيش في20/ك1/1979وانسحبت القوات السوفيتية من البلاد بين15/مايس1988و2/شباط1989 . وأعلن الإتحاد السوفيتي انسحاب كافّة قواته بشكل رسمي من أفغانستان في15/شباط1989 . وهذا لم يكن له أن يحصل ؛ لولا إثارة النزعة الدينية الإسلامية في نفوس المسلمين الثوريين في أفغانستان ، إذ لم يكن في الساحة من إنفعال يضاهي إنفعال جماعة أو حركة طالبان الإسلامية الثائرة بوجه الحكومة الشيوعية في كابل .. سيّما وأن الغرب الرأسمالي كان يعاني من العملاق الإشتراكي في العالم ، فوجود نظام شيوعي في أفغانستان المجاورة للإتحاد السوفيتي يعد سبب قوة لاسبب ضعف لدولة يريدها العالم الغربي أن تنهار . ذلك الدعم الغربي الأمريكي لتنظيم طالبان توسّع ليتحول إلى تنظيم القاعدة العالمي .. الذي إنضوى بينه العديد من الغربيين الذين دخلوا الإسلام يوماً ما . حيث شجعت المملكة العربية السعودية على إنتشار الوهابية .. من خلال تبرعاتها السخية لبناء المساجد المتميزة في العواصم الغربية ، والتي كانت مراكز وعي وإرشاد ديني يبث الإعتناق بالإسلام الوهابي دون غيره من مذاهب الإسلام.
الدين الإسلام دين رحمة وكرامة لبني الإنسان ، والموروث الإسلامي التليد يؤكد هذه الحقيقة ، وكيف كانت الحضارة الإسلامية مزدهرة في دنيا الأمس ، ما جعل هؤلاء معتنقي الإسلام الغربيين الجدد يرون الإسلام حريٌّ بإقامة عدله على الأرض .. وأن الجنة مأوى المستشهدين في سبيل الدين ، فراحوا ينبهرون بذلك الإرث الحضاري للإسلام العظيم ، دون أن يميّزوا بأن الإسلام المحمدي القويم ، وبين الإسلام الوهابي اللئيم ، ما جعل المسلمين الغربيين الجدد ينخرطون في صفوف المقاومة الإسلامية في ظل المال السعودي الوهابي الوفير .. وهوالمال الذي أغدقته حكومة الملكة العربية السعودية على نظام صدام حسين في حربه على الثورة الإسلامية في جمهورية إيران .. عندما قالت : منّا المال ومنك الرجال ياصدام حسين ؛ فكان ماكان ؛ عندما استنزفت الحرب العراقية الإيرانية دماء وأموال الدولتين الجارتين المسلمتين ، من خلال قتل المسلمين بالمسلمين أنفسهم .
هذه التجربة ؛ رأتها الدوائر الغربية ناجحة جداً ، لأجل إنقاص عدد مسلمي العالم ، وتدمير إقتصاديات العالم الإسلامي ، ما جعلها تثير الحراك العربي مطلع هذا القرن ، من خلال تثوير الجماهير العربية .. ثم تمويهها باستنشاق عبق أريج نسائم الربيع العربي ، الذي أوصل العالم العربي إلى ماوصل إليه اليوم ، من صراعات سياسية لن تنتهي إلى يوم القيامة .
أما بالنسبة إلى مسلميهم ؛ فقد فسحت الحكومات الغربية المجال ، وهيأت الظروف ، وتغاضت عن أي إنخراط لمسلمي الغرب للمشاركة في العمليات الجهادية خارج حدودها الجغرافية . هذا ما حقق هدفين :
1. نقل العمليات الجهادية للنشاطات الثورية الإسلامية من أراضيها إلى أراضي البلاد الإسلامية .
2. القضاء على المسلمين الغربيين ، والتخلص من وجودهم بين مجتمعاتهم ، ومن ثم الحد من تأثير المسلمين الغربيين على المواطنين الغربيين الآخرين ، حيث أن بقاء هؤلاء بين المواطنين يكون سبباً للتأثير الأيدلوجي ونشر الإسلام أكثر بين الغربيين . ولا وسيلة في عهد الحرية الغربية ، إلا تعريض هؤلاء المسلمين الغربيين إلى القتل .. من خلال غض النظر لأجل إلتحاقهم مع الجماعات الجهادية المسلحة تحت عنوان الإستشهاد .
3. قتل المسلمين بالمسلمين ، والعرب بالعرب ، وهذا ما يحقق إستهلاك القوى البشرية في مواجهة إسرائيل ، وبالتالي تحقيق أمن إسرائيل وإستمرار وجودها بفلسطين المحتلة .
4. فتح سوق رابحة لبيع معداتها العسكرية ، وذلك من خلال إطالة أمد المعارك والإقتتال.
5. ربط الحكومات القائمة في العالمين العربي والإسلام بالحاجة إلى العون الغربي .
وما يثير التساؤل هنا .. ويعزز ما تناوله هذا المبحث ؛ إننا لم نشهد يوماً ؛ أنْ اشتركَ مسلم غربي من كل الدنيا مع المجاهدين الفلسطينيين .. منذ احتلال فلسطين عام 48 حتى يومنا هذا . علماً بأن تحرير القدس الشريف .. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .. مسرى نبي الإسلام محمد(ص) ، حيث الجهاد لأجل تحرير القدس الشريف التي يحتلها يهود صهاينة أعظم عند الله في الإسلام من تحرير ليبيا أو الجزائر أو اليمن أو العراق والشام التي يحكمها مسلمون عرب !!!؟
والحالة هذه أيضاً ؛ فما يؤسف ويؤلم حقاً ، أن نرى هؤلاء المسلحين القادمين من إستراليا ومن أمريكا ومن ألمانيا ومن فرنسا ومن بريطانيا ؛ وهم يلتحقون بالعمليات القتالية هنا وهناك .. في سوريا .. في ليبيا .. في الجزائر .. في اليمن .. في العراق ، بجهل لا يؤشر فهماً صحيحاً للإسلام.
هؤلاء المسلمون ؛ سيدخلون النار بسبب الديماغوجية الوهابية السعودية التي أفسدت عقول المنتمين إلى (الإسلام الوهابي) . وإني لأتألم بشدة ؛ على هؤلاء الناس المموهين ، الذين يتوقعون بأنهم سينالون مرضاة الله تعالى بذبح الأبرياء في العالم أجمع . وهنا أستحضر إحساس إمامنا الحسين (ع) ؛ عندما بكى .. وهو ينظر إلى جيش يزيد في كربلاء ، لأنهم أناس مغرر بهم ، (أبكي ؛ لأنَّ هؤلاءِ الناس سيدخلون النارَ بسببي) !!!
أحبتي الأكارم .. يامن تحسِّون بإحساسي .. يامن تتنفسون بأنفاسي ؛ أرجوكم :
وعّوا المسلمين والمسلمين .. أنْ لا يتقاتلوا . لأنَّ رابحَهم خاسر ، وخاسرَهم خاسر!
والله من وراء القصد ؛؛؛