شمال العراق هشّ ومخترق منذ عهود طويلة بعد أن تمّ اكتساح السكّان الأصليين للعراق “الآشوريّون” أو الّذين هم من أصول أكديّة كذلك من مدن شمال العراق وتهجيرهم وقتلهم في ظروف غامضة وممنهجة ولعقود طويلة على الطريقة الأميركية “الكو كلوكس كلان” والّتي تأسّست على طريقتها أشهر ميليشيّات التدمير في العالم ومنها البلاك ووتر الإجراميّة ؛ بمخطّط ديمغرافي معادي خطير خطورته تكمن في المدى البعيد تعرّض له العراق يقلبه بالكامل لمصالح الغرب في السيطرة على جزء رئيسي من الإرث الاستعماري العثماني لم يكن الأرمن بمنأى عن ذلك قاده طلائع المستشرقين في منطقتنا قبل الحرب العالميّة الأولى بعدّة عقود “وليس غريباً عن ذلك الّذي يشهده العراق من فتن طائفيّة فهو أحد نتائج ذلك المخطّط” فيما تعرّض العراق خلالها عبر حدوده الشرقيّة أبان الحكم العثماني في مرحلة سنوات مرضه واحتضاره إلى هجرات لأقوام أخرى قادمة لهذا البلد من شتّى دول شرق العراق قيل حينها “لأسباب ظروف المجاعة والقحط” ! لم يسلم من الاستقرار في العراق قبائله الرحّل في عهد “مدحت باشا” أو ما يُعرفون بـ “الدليم” وتعود أصولهم لقبائل شمّر وعنزة كانوا رحّل “بدو” فاستوطنوا غرب العراق من أعلى غربه إلى وسط غربه وبالأخصّ حول ضفاف نهر الفرات ..
العشائر العراقيّة من جنوبه تكاد تكون مقطوعة الصلة بأيّ امتداد سياسي لها في جزيرة العرب بحكم تواجدهم التاريخيّ العميق في جنوب العراق واستقرارهم فيه منذ عصر ما عرف بعصر فجر السلالات عدى من بعض من هاجر إليه في العصر الحديث من الجزيرة والحجاز لأسباب معيشيّة في “الزبير” أو في البصرة “منها عشيرة الرمّاح ومنها أصول والدتي مثلاً” يتّصل بعضهم من هذه القبائل بشكل أو بآخر ولا تزال مع القبائل الخليجيّة عن طريق الكويت .. على عكس المناطق الغربيّة من العراق الوثيقة الصلة بالقبائل العربيّة الخليجيّة وبالتالي ستكون وثيقة الصلة بحكّام هذه البلدان الحديثة المنشأ .. يعني .. وبالتالي .. وبشكل أو بآخر سيكون “الانكريز” كما يطلق الدليم هذه التسمية عليهم أو “الانكليز” لهم يد طولا في اختراق العراق من تلك الجهات الجغرافيّة قبل الحرب الكونيّة الأولى بعدّة عقود من السنين وبعدها فيما بعد أيضاً لذلك لا غرابة أنّنا نرى صفحات الاصطفاف في القتال إلى جانب الأتراك “المسلمين” كانت من قبل عشائر الجنوب العراقي ضدّ “الكفّار” الإنكليز اشتهر منها قبل “ثورة العشرين الجنوبيّة الخالصة” معركة أو ملحمة “الكوت” الّتي لا يقلّ عنفها القتالي أو نتائجها من ناحية العمل السوقي أو الاستراتيجي عن واقعة بطرسبورغ أو “ستالينغراد” ونتائجها , سبقه تحالف “سعودي” وهّابي ـ بريطاني عمل على تدمير ما في مدينتي كربلاء والنجف من أضرحة قبل عدّة عقود من الحرب الكونيّة الأولى جزاء إصرار القبائل العربيّة في جنوب العراق على عدم تحالفها مع بعض قبائل الجزيرة العربيّة المتحالفة مع “الكفّار” البريطانيين بقيادة قبيلة آل سعود .. حتّى أنّ ثورة رشيد عالي الكيلاني 1941 أو ما عرفت بحركة “مايس” لم يكن لها لتفشل بحسب رأيي الشخصي لولا أنّ فصول ملاحمها الاستراتيجيّة الحاسمة جرت في غرب العراق “سنّ الذبّان” بعد أن صمد الجنوب العراقي أمام أطنان “الدانات” الّتي كانت تلقيها الطائرات البريطانيّة على مدن العراق الجنوبيّة وعلى مقاتليها من قبائل آل فتلة وآل ازيرج وآل حاجم الخ من العشائر المساندة لرشيد عالي الكيلاني في حربه التحرّريّة .. وعلى هذا الأساس برأيي اعتمد الرئيس العراقي صدّام حسين بشكل رئيسي على القبائل العربيّة الجنوبيّة طيلة سنيّ حكمه ..
إنّ ما يحدث في العراق اليوم بعنوانه الأبرز في السنة العاشرة من الغزو الأميركي ـ الإيراني ـ الخليجي للبلد ( الاعتصام ) برغم حسن نوايا المنضوون تحته مهما “حلفوا” ومهما أقسموا بـ “قطعة خبز” أو بكامل الخبزة أو حلفوا بالقرآن أو حتّى وإن “تجتّفوا للعبّاس أبو راس الحار” على أنّ الاعتصام أو “الانتفاضة” أو الثورة هي خالصة لوجه الله وأنّ حكومات الخليج ليس لها يد ضالعة فيه , مع احترامي الكبير للصادقين منهم بحسن نواياهم , فإنّ ذلك غير صحيح رغم أنّي أتحرّق شوقاً لأن تكون ظنوني خطءً وأنّها انتفاضة أو اعتصام حقيقيين .. والدليل هو الأسئلة الّذي تطرح نفسها باستمرار هي :
لماذا هذا التوقيت مع استعصاء النظام السوري عن السقوط وتماسكه الملفت للنظر فجاء هذا الاعتصام في وسط العام الثاني للأزمة السوريّة ومع اشتداد الغرب في مساندته للـ”الثوّار” السوريّون ..
ثمّ لماذا لم يكن الاعتصام يبدأ قبل عامين بالتزامن مع الأسابيع والأيّام الدمويّة في عهد السيّد المالكي وما سبّبه تشبّثه بكرسيّ الحكم لغاية اليوم إلى مآسي شنيعة المّت بالعراق وبالعراقيين بسبب جهله وطائفيّته المقيتة فاقت مآسي تاريخ العراق بكامله منذ فجر الخليقة وإلى اليوم فكان الأولى منطقيّاً أن يبدأ منذ ذلك الحين ..
ثمّ أين كان المنتفضون قبل عشر سنين من الطحن بالعراقيين في مدن العراق كافّة أو قبل خمس سنزات أو ثلاث ..
ولماذا يكون الاعتصام في غرب العراق المحاذي لسوريا بطبيعته الجغرافيّة ولم يكن في جنوبه ..
ولماذا لم يستجب العرب الجنوبيّون لأشقّائهم عرب الغربيّة لحدّ الآن على غير عهدهم الّذي عرفه عنهم العراقيّون ..
ثمّ أليس بالمستغرب ظهور “الصحوات” في جزئها الثاني الفاشل من رحم اعتصام اليوم كما ولدت هذه الصحوات في جزئها “الناجح” من رحم نفس البيئة الّتي ازدهرت فيها المقاومة العراقيّة بجزئها الناجح ..
ثمّ وهل الصحوات في جزئها الفاشل اليوم هي صحوات تقليد مضادّة لصحوات الأمس الناجحة الّتي امتدّت لها يد الخليج حينها فأنقذت الجيش الأميركي وأطالت في عمر بوش وخرّبت العراق وزادت من سفك دماء أبنائه أنهاراً وعصفت بما تبقّى من بناه التحتيّة ..
ثمّ لماذا “الغربيّة” فقط تجري فيها كل هذه الأحداث الجسام الّتي أخذت تأرجح العراق ذات اليمين وذات الشمال بدل أن تسهم في استقراره وأن ينبثق التحرير الكامل من هذه المنطقة الّتي سبق لها أن كانت تمثّل “مثلّث الموت” بالنسبة للجيش الأميركي …
وفي المقابل لدينا استفسارات على هذه الأسئلة الّتي تطرح نفسها :
من أين أتت فكرة “مفاوضات” المقاومون في مدينة الفلّوجة “السنّيّة” الّتي بها استطاعت اقتحام هذه المدينة “وبتآمر من بين سنّة أنفسهم” القوّات الأميركيّة بعد أن انكسرت أمامها في المرّة الأولى بعد أن امتنع المقاومون عن التفاوض ..
وهل هي مصادفة أن يطالب نشطاء “أهل الغربيّة” بالإقليم بتحريض من الكورد أم لأنّهما كلاهما يعتبر تجمّع اجتماعي أو عرقي حديث ..