في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بدأ التدخل العسكري الأميركي في فيتنام الجنوبية بأرسال مجموعة من المستشارين. وتوالى الإرسال حتى وصل عددهم الى نصف مليون عسكري. ومع ذلك لم تحقق الإدارة الأميركية ما خططت له. بل لحقت بها هزيمة كبرى، حين إضطرت للإنسحاب من فيتنام في (1975/4/25) . كان انسحاباً مُذلاً بامتياز ولا زال العالم يتذكر كيف أن الجنود لأميركان انسحبوا من العاصمة الفيتنامية وهم يمسكون بإطارات طائرات الهيليكوبتر وهي تطير في السماء. هكذا يبدأ التدخل الأميركي، وهكذا ينتهي. لكن الأحمق هو ومن لا يستفيد من معطيات ممارساته السابقة.
مستشارون
أيضاً:في العراق، بعض المقدمات تنبئ على أن المثل الأميركي سيتكرر. فبعد الغدر الداعشي للعراق، أرسلت الإدارة الأميركية بضعة عشرات ممن أسمتهم (المستشارين). وبدأ العدد بالإزدياد، حتى وصل الرقم المعلن الى (1600) ألف وستمائة مستشاراً. فهل سيتكرر المثل الفيتنامي؟.
الغطرسة الأميركية، والحماقة الأميركية، تُوصل الى هذه النتيجة، فالبدايات الخاطئة توصل الى نتائج خاطئة. وكعادتها بدأت الإدارة الأميركية بممارسات بينها وبين الحكمة والواقعية، فاصل كبير. فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً(تحت الفصل السابع) لمحاربة الإرهاب، في ظل إجماع أعضائه، هنا أخذت الغطرسة الأميركية كامل مساحتها. عملت واشنطن على تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، وتصدرت هذا التحالف. القرار الدولي (2170) لا يُعطي للإدارة الأميركية هذا الدور.
الأخطاء القاتلة
حسناً: لنقل أن الإدارة الأميركية بادرتْ وأنها تحملتْ المسؤولية لوجود خطر داهم. لنفترض ذلك لمجرد النقاش، ونتساءل : كيف تصرفت الإدارة الأمريكية في تشكيل هذا التحالف؟
وفي الجواب نقول: إن تلك الإدارة أقدمتْ على اتخاذ قرارات خاطئة وقاتلة.
أولاً: قامت بتجميع دولي على أساس إنتقائي، مع إصرار مسبق على إبعاد هذه الدولة وضم تلك الدولة.
فتصوروا: دولة مثل كندا تبعد آلاف الأميال عن مسرح العمليات ضد داعش تصبح عضواً في عملية التجميع هذه، ولنقل الحلف الدولي. وبنفس الوقت استبعدت الإدارة الأمريكية دولاً ذات صلة مباشرة: جغرافياً وسياسياً، بالمعركة ضد الإرهاب. إيران مثلاً، دولة مجاورة للعراق، وقريباً جداً من حدودها تدور المعركة ضد داعش، فهل يُعقل ذلك.لنقل أن الإدارة الأمريكية ليست على وفاق، وفي ملفات كثيرة، مع النظام الإسلامي القائم في ايران، أليس من الصحيح والواقعي أن تكون يران جزءًا من هذا التحالف، بل وفي صدارته؟.
ثانيا:كما أن الإدارة الأمريكية استبعدت دولة مهمة أخرى، هي سورية. التي تواجه الإرهاب منذُ ما يزيد على ثلاث سنوات. ولن نتحدث عن ذلك تفصيلاً. فأعداء سورية، قبل اصدقائها، يعرفون تضحيات سورية وهي تتصدى للإرهاب. فهل ينسجم قرار استبعادها مع أي تحرك جدي لمواجهة الارهاب؟
ثالثاً: قرار مجلس لأمن(2170) يؤكمد على عدم المساس بحرمة أراضي الدول، وعدم المساس أيضاً بقرارها الوطني. لكن واشنطن تصر على أن تتصرف خلاف ذلك.
رابعاً: تحاول الإدارة الأمريكية خداع العالم بالتمييز بين المنظمات الارهابية، فهي لا تأتي على ذكر (جبهة النصرة)، و(الجبهة الإسلامية)، وهما منظمتان ارهابيتان خطرتان. بل ومضت تلك الإدارة خطوةً أبعد، حين حددت ما أسمتهُ (بالمعارضة السورية المعتدلة) وقررت تدريبها وتسليحها، ودعمها مالياً. وذلك منهج خطر يهدد عملية مواجهة الارهاب. فليس هناك معتدل ومتطرف لدى الفصائل الارهابية المسلحة. ومَن يضمن أن السلاح الأميركي المرسل الى(المعتدلين) سوف لن يصل الإرهابيين؟.
أسئلة كثيرة تطرح أمام المنهج الأميركي المغامر في موضوع: مواجهة الارهاب، فهل تفضي المغامرة والحماقة الأميركية في الشرق الأوسط، الى نفس النتيجة التي وصلت إليها أميركا في الفيتنام عام 1975؟.