23 ديسمبر، 2024 6:21 م

الحمار والثور والسياسة العراقية

الحمار والثور والسياسة العراقية

في كتاب (قراءتي) للصف الثالث الابتدائي قصة مفادها : ان هناك فلاحاً كان يمتلك حماراً وثور ، وكان الفلاح هذا لا يتعب الحمار ، لان الحمار حظه (كاعد) كما يبدو بينما يتعب الثور في الحقل تعباً شديداً الى درجة الاعياء . فضاق الثور ذرعاً بهذا الوضع المزري وكاد ان يخرج بمظاهرة كبيرة يحتج فيها على النظام القائم وسياسته التعسفية ، لان الثور يؤمن بالتعبير عن الرأي ولا يؤمن بالعنف ، طالما ان الدساتير قد كفلت التظاهر السلمي ، لكنه مع ذلك ثور (حيوان) واذا ما ارتكب افعالاً فلا يحاسب عليها .
    الثور كان يؤمن بالحوار ، وان من استشار الرجال شاركهم في عقولهم ، بحسب تعبير احد الفلاسفة ، فجأة الى الحمار ليسدي له النصيحة وينقذه مما هو فيه من وضع مأساوي ، مع نقص في الخدمات وفساد اداري ومالي وحكومة (فلاح) ليست بعادلة لم يجن منها الثور ولا الحمار الا التعب والنصب (وشلعان الكلب) . الحمار هنا – كما يظهر من القصة – كان ذكياً وصاحب رأي صائب ، او قل انه سياسي محنك ولا يشمله الربيع العربي ولا الخريف الهندي او الشتاء السوفيتي . ذكاء الحمار هذا قد اشار اليه نيتشة ، وشاطره بالرأي الجاحظ في كتابه (الحيوان) وشرح ذلك مفصلاً الدميري .
    المهم ان الحمار – كما في القصة – قال للثور تمارض لعل صاحبنا الفلاح يعفيك من العمل ، او اضعف الايمان ان يعطيك اجازة اسبوعاً او اكثر . والثور المسكين اخذ بهذه النصيحة وطبقها تطبيق ساسة العراق للدستور الحالي . وضع الفلاح له الطعام ثم تركه وغادر ، وعندما اتاه في الصباح الباكر وجد الطعام (العلف) كما هو ، اذ لم يتناوله الثور ، فنظر في محياه فاذا محياه متجهم والكآبة ظاهر على وجهه . فايقن بان الثور مريض وحتى لا يموت ويصبح جيفة نتنة ، قرر ان يذبحه حتى يستفيد من لحمه .
    والثور حينما وصل اليه الخبر من خلال بعض وسائل الاعلام ، انتفض وقام واقفاً بالحال وصار اكثر نشاطاً من ذي قبل ، واستأنف عمله .
    ونستشف من هذه القصة ثلاثة نقاط مهمة : اولاً ان الثور بليداً او ساذجاً ، بدليل انه قد صدق كلام السياسيين قبل الانتخابات . وثانياً : ان الحمار ذكياً وفطناً ، وكيف انه يستطيع ان ينصب على ابناء جلدته ، بحكم خبرة متراكمة لسنوات عدة ، منذ سقوط الجرذ من الحكم حينما قبض عليه وهو في حفرته . وثالثاً ان الشعب العراقي المسكين من فرط طبيته صدق كلام كل من هب ودب من ساسة اخر (وكت) ، اقتداء بالثور الذي اخذ نصيحة الحمار معتبره صديقاً حنوناً ولا يخون امانة الاستشارة ، لكن الحمار ظهر من انه خائن من الدرجة الاولى .
    الشعب العراقي المسكين قد وقع عليه من الحيف والظلم كما وقع على هذا الثور ، ولا زال الشعب يلاقي ظلماً بعد ظلم من هؤلاء الساسة حيث لا خدمات ولا استقرار امني ولا سياسي ، وهم متنعمون على اربعة وعشرين قيراط . فالشعب لو لم يؤخذ بنصيحة من نصحه ، ما كان الذي كان .