إتباع أحسن القول من سمات أولي الألباب ، وهم الذين يحكمون العقل والإدراك، ويجعلونه هو المعيار الذي بواسطته يميزون بين الصحيح والفاسد ، وبين الحسن والأحسن، وينتخبون الأحسن، وهو منهج قرآني يرسم للإنسان خارطة التعامل مع ما يطرح عليه أو تواجهه من أفكار ورؤى وحلول، ويعطي مساحة واسعة لحرية التفكير والاختيار، فلا تحديد، ولا تقيد، ولا جمود للتفكير، ويحمل على جناحيه البشرى لمن عمل به ودعا إليه قال الله تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ،
والملاحظ أن هذا المنهج جعل طرفي المفاضلة هما القول الحسن والقول الأحسن، وأمر بإتباع الأحسن والعمل به، مخرجا بذلك القول غير الحسن من دائرة المنافسة لأن أساس عملية المفاضلة إنما تجري بين طرفين يشتركان في الخصائص إلا أن احدهما يتميز بالزيادة، فجميل وأجمل يشتركان في صفة الجمال إلا أن احدهما أكثر جمالا من الآخر، فالمفاضلة لا تجري بين الأضداد، فلا مفاضلة بين القول الحسن والقول غير الحسن( القبيح)، وهنا تبرز لنا بلاغة القرآن الكريم حينما جعل طرفي المفاضلة بين القول الحسن والقول الأحسن والنتيجة ان القول غير الحسن لا يصح أتباعه بداهة….
المشكلة التي عانت وتعاني منها البشرية عموما، وفي العراق خصوصا، تكمن في الابتعاد عن هذا الشعار والمنهج القرآني، بل الفطري العقلي المنطقي الأخلاقي الإنساني الحضاري، الذي تُقر به كل الإيديولوجيات حتى الوضعية،لأن العقل يحكم باختيار الأحسن،
نعم مما يؤسف له ويدمي القلب أن هذا المنطق القرآني العقلي، غاب تماما عن الذهنية الجمعية في العراق خصوصا، إذ انقاد السواد الأعظم خلف القول غير الحسن، أو خلف الشعارات الرنانة التي رفعها الانتهازيون لركوب الأمواج والتي لا تصلح إلا للخديعة والتغرير بالناس فسارت الأمور من سيء إلى أسوا،
لم تنتهِ المأساة إلى هذا الحد، وإنما وصل الأمر إلى تهميش أو تغييب أو قمع القول الأحسن وأصحابه، فكم من الحلول والأطروحات التي قدمتها الأصوات الوطنية المخلصة والتي ثبتت تماميتها، لم يتم التعاطي معها بصورة ايجابية من أجل إنقاذ العراق وشعبه من النفق المظلم المهلك الذي زُجَّ فيه،
وأخيرا نتساءل أما آن الأوان أن يتبع الشعب المسحوق أحسن القول والحلول والأطروحات الناجعة مهما كان مصدرها أو أصحابها، فالمهم أنها تمثل الإستراتيجية الشاملة الناجعة الصادقة لإنقاذ العراق وشعبه، فلا يُنظر إلى من قال وليُنظر إلى ماذا قال…؟!!!.