خطوة أيجابية جدا وضرورية جدا.. إلا أنها متأخرة جدا.. جدا.. جدا. ولكن كما يقول المثل الإنكليزي؛
it’s better to do something late, than to never do it at all
وترجمته؛ (أن تتأخر في عمل شيء خير من عدم عمله نهائيا). ذلك هو تدخل أمريكا والقوات المتحالفة معها عسكريا في إنقاذ العراق، من احتلال بعض مدنه من قبل عصابات داعش. ويذكرنا هذا بتحالف الثلاثين دولة عام 1991 في التدخل العسكري المباشر لإرغام صدام وآلته العسكرية على الخروج من دولة الكويت مع فوارق لاتخفى على أكثرنا.
أما التأخير في اتخاذ أمريكا هذا القرار فله أبعاد ومسببات، لاتهم العراقيين ولاتغنيهم ولا تسمنهم ولا تؤمن لهم مستقبل الأيام، بعد أن أثبت لهم ماضيها ان العدوان شاخص في كل الاعتبارات، حتى فيمن يسعى الى تحريره من شرور احتلال المنظمات الإرهابية. وفي المقابل أيضا لايهم أمريكا تخليص العراقيين مما وصلوا اليه من فقدان سيادتهم على ثلث أراضيهم، فقطعا لم يتخذ الرئيس الأمريكي قرارا كهذا لأجل سواد عيون الشعب العراقي، حيث المصالح لها أولويات في كل مقاتِلة أمريكية تقلع من بارجة، وفي كل صاروخ يطلق وكل رصاصة تنطلق من فوهات أسلحة الجيش الأمريكي. وإذا كانت عنجهية صدام وغروره وطيشه قد دفعا نيل أمريكا أطماعها في العراق والمنطقة بعض الوقت، فإن الساسة العراقيين في عراق مابعد عام 2003 سهلوا لهذا الأمر وعجلوا له بشكل مباشر وعلني.
ولو فرضنا -جدلا- ورجعنا بالزمن الى الوراء ثلاثة أشهر فقط، وتخيلنا ان العراق لم يتعرض لهجمة عصابات ماتسمى بالدولة الاسلامية، ولم يجرِ ماكان من أمر ضياع الأراضي والمدن ووقوعها تحت سيطرتها، ولم يتعرض سكانها الى القتل والتشريد والنهب والسلب والتنكيل، ونفترض ان العراقيات من سكنة تلك المدن لم يتعرضن الى اعتداءات يندى لها الجبين، ولم يُقتدْنَ سبايا ويُبَعنَ في سوق الرق كحالة منفردة في عالم القرن الواحد وعشرين، وتخيلنا ان هذا كله لم يكن قد حدث، فهل ستكون الصورة أجمل مما هي عليه الآن؟ وماالذي كان يتغير لو لم يكن العراق قد مر بالأحداث التي سببها هذا التنظيم الإرهابي؟
لاخلاف ان الويلات والمصائب التي انهالت على العراقيين عامة وعلى أهالي المحافظات المبتلية بتواجد العصابات على وجه الخصوص خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، لايحتويها كتاب او مجلد او عشرات الأسفار فيما لو أردنا تدوينها وإن اختصرنا واختزلنا أسطرها، ولو رُمنا سرد الحكايات والقصص المهولة التي دارت خلال هذه الحقبة القصيرة من الزمن لما كفتنا ألف ليلة وليلة. ولكن هل يعني هذا ان طيلة سنوات العراقيين الإحدى عشرة المنصرمة، لم تكن تحمل في ايامها ولياليها من الويلات والمصائب ما يحاكي هذه الأشهر الثلاث؟ لقد عاش العراقيون مآسيَ وشدائد منذ عقود طويلة، وهم بانتظار القبطان الذي يأخذ بمركبهم الى بر الأمان، وبديهي ان القبطان المنتظر يجب ان يكون عراقيا قلبا وصلبا وجوهرا وانتماءً وولاءً، اما انتظار قبطان أمريكي او بريطاني او فرنسي او تحالفي، فهو أمر قد يخلصنا -وقتيا- من الكماشة التي حاقت بنا، إلا أنه ليس الحل المطلوب ولايوصلنا الى الغاية المنشودة التي تبني البلد، وتمنح العراقيين الاستقرار والعيش الآمن والرغيد، بعد أن ذاق مرارة العيش بكل حواسه وجوارحه. فالحل الجذري لمشاكلنا، والعلاج الناجع لجراحاتنا، يجب أن يكون عراقيا.. بنيات عراقية سليمة.. وقلوب عراقية تنبض بدم واحد وهدف مشترك.. وقالوا قديما: (عينك على مالك دوه).