23 ديسمبر، 2024 4:06 م

الحلول الجذرية لا الترقيعية لإنقاذ العملية السياسية في العراق

الحلول الجذرية لا الترقيعية لإنقاذ العملية السياسية في العراق

بعد إن أرخى الليل سدوله على بلدنا لمدة تزيد عن الثلاثة عقود غرست فيها الدكتاتورية العمياء أنيابها في اللحم والعظم بكل ما تتسم به الدكتاتورية البغيضة من سمات الظلم واستخدام أدوات البطش والقمع، وصلت إلى حد وأد الكلمة وخنق الحرف، فلا حرية في التعبير عن الرأي، بل لا رأي يُسمح بتبنيه، فلقد احكم النظام الشمولي (نظام الحزب الواحد) قبضته على كل مفاصل الحياة بل لحقت حتى الأموات، واختصر الكل فيه فأصبح هو الحزب والشعب والوطن والحكومة. فلا رأي إلا ما يراه الحزب أو بعض الأميين من أعضائه.
وفي سبيل فرض هيمنته الكلية والشاملة على كل أجهزة ومفاصل الدولة المترنحة أصلا تحت سيطرة الأجهزة الأمنية القمعية، لجأ النظام الاستبدادي إلى نهج كل ما يمكنه من كتم أنفاس الشعب العراقي  وتضييق الخناق عليه، حيث تم اختراق القوانين التي يفترض بها أن تكون صمام الأمان الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين المحكومين أنفسهم.
فضلاً عن هذا اتبع النظام الشمولي أساليب قذرة في استعداء طائفة على أخرى، أو تنفير قومية من أختها، أو تفضيل قرية على محافظة من خلال انتقائية التعامل والتفاوت في تخصيص الموازنة المصروفة على المحافظات ليحقق مآربه الشيطانية.
وما إن أشرق فجر التاسع من نيسان حتى انبلج نور الحرية يشع في ربوع بلادي يداعب أحلام وآمال وتطلعات العراقيين في مستقبل يطوي صفحة الماضي السوداء الرهيبة بمآسيها ومراراتها، معتبرين بما عانوه ليجنبوا أبناءهم  ما اكتوى به الآباء من عنجهية وهمجية الطاغوت.
وكنا نظن بان الديمقراطية جاءت لترفع لواء الكرامة للإنسان العراقي واحترام حقوقه ومعرفة ماله مما عليه، والعمل على تحقيق رغباته في أن يتفيأ ظل دولة يحترم فيها القانون بل لا سيادة لغير القانون فيها. والتمتع بكل  ما حرم منه من حقوق وامتيازات، دافعة به إلى التطلع إلى مواكبة بلدان العالم ذات القدم الراسخة في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وكل ما من شأنه رفعة وإعلاء مكانة الإنسان العراقي في العهد الجديد.
وفي بداية الامر عشنا فعلاً بأجواء الديمقراطية بمظاهرها المتنوعة  التي تجلت في نظام اتحادي تعددي يفرض عليك احترام حقوق الآخر كما تريد أن تُحترم حقوقك معلناً -هذا النظام- إن لكل عراقي حقوق مقدسة ومصانة في هذه الأرض المعطاء.
ومن المظاهر الديمقراطية الأخرى حرية التعبير عن الرأي وإنشاء الكيانات والتجمعات والأحزاب السياسية دون تمييز بين حزب وآخر، أو وضع قيد على هذه الجهة ورفعه عن تلك، فانفتح باب التعددية على مصراعيه، ولأول مرة في تاريخ العراق تؤسس أحزاب بهذه الكثرة العددية وبإجراءات ميسرة. ولم يصادر حقها في المشاركة “بالعملية السياسية”
ولكن سرعان ما اكتشفنا بأن تسمية “العملية السياسية” على النظام القائم في العراق منذ عام 2003 جاءت تيمننا بالعملية الجراحية  لأنها  لازالت على شفا حفرة من نار والعملية الجراحية تظهر نتائجها خلال عدة ساعات او ايام  على اعلى التقديرات لتقرير مصيرها بالنجاح او الفشل ولكن عمليتنا السياسية مر عليها تسع سنين عجاف ولم يتمخض منها لحد الان ما يبشر بالخير للرسو بالبلد الى بر الامان ….
وقد افلح الساسة منذ عام 2003 ببناء الاحزاب وتطويرها لا ببناء البلد وتطويره والغريب يوعزون سبب فشل تحقيق الاعمار هو الارهاب ولكن لماذا الارهاب لن يقف حائلا عن اعمار وتطوير الاحزاب فنلاحظ التطور الذي حصل في الاحزاب بشكل مذهل وسريع فمن حيث عددها ارتفع من 9 احزاب عام 2003 الى ان اصبح عددها حاليا يفوق 500  تشكيل سياسي ومن حيث البنى التحتية فقد كانت مقرات الاحزاب اما حسينية او جامع او دكان او شقة صغيرة لا يتجاوز اجارها مائة دولار شهريا وحاليا اصبحت مقراتها  قصور فخمة وزاد عددها حتى اصبح لكل حزب مقر في كل محافظة وفي كل قضاء وحي  وكانت لبعض الاحزاب جريدة شهرية او نصف شهرية  وهي عبارة عن اربع ورقات سمراء اللون واليوم لدى كل حزب صحيفة يومية او اكثر وملونة  اضافة الى اذاعة وفضائية وكانوا اعضاء الحزب يتنقل مشيا على الاقدام او يسقل باص المصلحة في النقل العام ومن انتعش منهم  كانت لديه دراجة هوائية او نارية واليوم يستقلون احدث السيارات المصفحة والمظللة مع موكب حرس شرف وكانوا اعضاء الحزب رصيدهم العفة والنزاهة والامانة ويتلقون اجور عن صلاة او صوم الاموات وافضل مطاعهم الحسينيات والمناسبات الافراح ومجالس عزاء الاموات واليوم ارصدتهم بالدولار واليورو حتى طفح الكيل وانتفخت الخزائن والارصدة الخارجية والاملاك وعقارات وبقدرة قادر تحولوا  الى قادة في اعلى المناصب بغض النظر عن صحة شهادته الدراسية ومنهم اصبح مقاول ومنهم تجار الذهب والمجوهرات ومنهم لا سبيل له باي مهنة سواء ارتفاع أرصدته المالية ذاتيا..!!!
وهنا نتسأل لم تبنون انفسكم دون البلد والمواطن المسكين يعيش في حي التنك وفي المزابل ولماذا انشغلتم بالصراعات الداخلية والمحاصصة  الحزبية والطائفية  واصدار التشريعات التي تهبكم الامتيازات مدى الحياة انتم وعوائلكم وحتى اصهاركم أدام ظلهم الوارف !!
حتى اصبح كل عضو في الحزب منتفخ مالية وعقليا واصبح لا يدرك بانه عضو حزب وهو يملك الشيء الفلاني فانشطر الحزب الواحد الى حزبين ثم الى اربع وهكذا دواليك حتى اصبح اصعب شيء  على مؤسس الحزب الجديد هو اختيار اسم الحزب لنفاذ الاسماء لتشابهها وفقا للحروف الابجدية
واصبحت اسرع تجارة مربحة في العراق تأسيس حزب او كيان او كتلة او….. لأنها تدر بالأموال وترفع في الجاه وان كانت تطرد اعضاءها من رحمة الله
حتى ضاع الحابل في النابل على المواطن لكي يفرق بين الحزب الوطني والحزب التجاري وبين السياسي الوطني والسياسي التجاري
وعليه اقترحنا المقترحات الوارد ادناه حتى يتبين الحزب الابيض (الوطني) من الحزب الاسود (التجاري) لعلنا  نحصل على النتيجة الايجابية لنجاح العملية السياسية ( من الولادة العسيرة) والتي تجاوزت التسعة اشهر اقصد تسعة سنين
وحينها سوف تتبخر الاحزاب الزائفة والتجارية وسينخفض عدد المرشحين للبرلمان ولن يتصدى لها الا الوطني الشريف الذي لا يرجوا الا القربة لله في خدمة الوطن والمواطن
 
الحلول المقترحة :
1.تقليل عدد اعضاء مجلس النواب من 325 نائب الى 131 اي يكون كل نائب مقابل 250 الف مواطن بدلا من نائب مقابل 100 الف مواطن لان الترشيد في مجلس النواب يعادل اكثر من عشرين ضعف عن الترشيد في مجلس الوزراء ومن ثم زيادة عدد النواب سيساهم بتأخير انجاز القوانين لاستغراق وقت كبير بالنقاش المقيت بسبب غاية الكثير منهم في التحدث امام وسائل الاعلام ليس الا..
وبما ان تقليل عدد اعضاء مجلس النواب يحتاج الى تعديل دستوري او الذهاب الى تعداد عام للسكان جديد وعليه يتطلب الامر اعادة اعتماد عدد اعضاء المجلس 275 نائب كما كان عليه في الدورة السابقة لحين اجراء تعداد عام فعلي للسكان من قبل وزارة التخطيط وليس تعداد تخميني (حصر وترقيم ) كما اجري عام 2009 واعتبر بموجبه عدد نفوس العراق  31.6 مليون نسمة وعلى الرغم  من ذلك اعتمد مجلس النواب عدد اعضاءه 325 اكثر مما حدده الدستور بثمانية اعضاء !!!
2. الغاء الامتيازات لأعضاء النواب ويمنح النائب نفس الراتب الذي كان يتقاضاه في اخر مؤسسة كان يعمل فيها او يمنح مكافئة مليون ونصف دينار لمن راتبه السابق اقل من مليون ونصف او لمن ليس لديه عمل سابق في الدولة وبذلك يخير بعد انتهاء دورة البرلمان ما بين العودة الى وظيفته السابقة او الاحالة على التقاعد من المؤسسة التي كان يعمل فيها حسب قانون التقاعد وخلال فترة عمل النائب في مجلس النواب يداوم اسبوع في مجلس النواب والاسبوع الثاني يداوم في المؤسسة التي كان يعمل فيها لممارسة عمله السابق اضافة الى نشاطه البرلماني
3. الغاء الرواتب التقاعدية المخصصة لأعضاء مجلس النواب و مجالس المحافظات والمجالس البلدية كونه عمل تطوعي لتمثل الشعب وكما معمول فيه الدول الاخرى والا فتصبح الرواتب التقاعدية بعد عدة دورات للمجالس اعلاه حمل ثقيل جدا على موازنة البلد وعجزها
  4. تخيير كبار المسؤولين ما بين الجنسية الثانية المكتسبة او المنصب وهذا لا يمنع  أي مواطن عراقي  من اكتساب جنسية ثانية وفقا للدستور المادة 18 الفقرة رابعا , ولكن المقترح يمنعه ان يكون نائب في مجلس النواب او أي منصب سيادي اخر او منصب امني رفيع المستوى وهو حائز على جنسية ثانية مكتسبة, وعليه المطلوب التعجيل بتشريع قانون ينظم ذلك
5. منع صرف رواتب حمايات اعضاء مجلس النواب بالجملة للنائب ويجب تحديد العدد اللازم من الحراس لكل نائب فهنالك من له نشاطات كبيرة وحضور اعلامي متواصل وقد يستهدفون من قبل اعداء العراق ولكن هنالك اعضاء في البرلمان غير معروفين الا من قبل عوائلهم فمن غير المعقول ان يكون عدد افراد الحماية بالتساوي ومن غير المعقول تصرف رواتب الحمايات للنواب بالجملة وبمجرد تقديم قائمة اسماء فيجب تعين افراد الحماية في وزارة الداخلية بعقود وقتية ونستغرب من صرف رواتب بدون تعيين وهل تعتقدون اذا طبق هذا المقترح سيقل عدد الاحزاب والكيانات  كما كان عددها عام 2003 عند سقوط النظام البائد  والسبب بزيادة عدد الاحزاب والكيانات السياسية هو المكاسب الخيالية والامتيازات التي يحصل عليها النائب مما جعل البعض منهم لتأسيس حزب جديد او الانشطار المزدوج على اعتباره دكان تجاري مستقل
6. الاسراع في اقرار قانون الاحزاب مع التأكيد على احتواءه ضوابط مشددة للحد من التخمة السياسية في زيادة عدد الاحزاب والكيانات السياسية بل ان يساهم في الغاء الكثير من الاحزاب غير الموافقة للضوابط القانون اعلاه, مع وضع ضوابط لمسألة الحزب حول تمويله تحت عنوان “من اين لك هذا”
7. تعديل قانون الانتخابات لتحقيق الديمقراطية الحقيقية ولا يصل الى مجلس النواب من لم يحقق العتبة الانتخابية كما حدث في الدورة الاخيرة وحصل البعض على عضوية المجلس وهو لم يحقق مائة صوت واستبعد اخر في قائمة اخرى رغم حصوله على عشرين الف صوت !! وعليه المطالبة باعتماد نظام الاغلبية بدلا من نظام التمثيل النسبي ويمكن تقسيم العراق الى 325 دائرة انتخابية
وفي جميع الاحوال فان زيادة عدد اعضاء مجلس النواب يعني زيادة  المشاكل والتأخير  بإنجاز القوانين  اضافة الى تحميل الموازنة التشغيلية اعباء كبيرة قد تؤدي الى العجز فيها مستقبلا ولو ان جمهورية الصين الشعبية قد اعتمدت نفس النسبة المعمول فيها حاليا في العراق وهي نائب لكل مائة الف مواطن فهذا يعني ان عدد اعضاء البرلمان في الصين سيكون خمسة عشر مليون نائب ..حينها لا قبة تسع البرلمان الصيني الا القبة السماوية !! وللعلم بان ايران عدد نفوسها ثلاثة اضعاف عدد نفوس العراق وعدد اعضاء مجلس النواب لديها 290 نائب فقط .
وفي الختام ادعوا المرجعيات الدينية والسياسية وشيوخ العشائر والوجهاء خصوصا وابناء الشعب العراقي عموما للضغط على مجلس النواب العراقي والجهات ذات العلاقة لاعتماد الحلول الجذرية الواردة اعلاه بدلا من الحلول الترقيعية  والتي سأم الشعب منها لإنقاذ العملية السياسية الى برا الامان وتجنبا من عواقب لا تحمد عقباها .
وزير النقل السابق