في وقت ما زالت لعبة المصالح تتحكم في علاقة السلطة السياسية بالسلطة الدينية، بينما الثقافة العربية ما زالت تتنازعها رؤى ومواقف متباينة، يتداخل فيها السياسي والأيديولوجي مع الديني.
أهمية الحلول الثقافية في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب في مجتمعاتنا لا يختلف حولها اثنان، لكن المسألة ليست هنا، بل في توفر الظروف الموضوعية لنجاحها، في مواجهة هذه الظاهرة المستفحلة.
لقد عاشت الثقافة العربية منذ ما قبل الاستقلال وحتى الآن مراحل مختلفة تداخلت فيها الثقافة الليبرالية مع الثقافة القومية والأخيرة مع الفكر المادي الماركسي، ثم بعد كل هذه المشاريع التنويرية، وصلنا إلى ما وصلنا إليه من ترد وعنف متفاقم. والغريب أن الكثير من مثقفينا ما زال عاجزا عن الاعتراف بمسؤولية أنظمة الاستبداد والفساد عن هذه المآلات الكارثية لواقعنا، وعجزنا عن الدفاع عما تبقى من فكر تنويري وثقافة عقلانية في مجتمعاتنا.
فإذا كان المثقفون العرب وجلهم من المحسوبين على التيار اليساري، ما زالوا غير قادرين على المواجهة النقدية مع الذات والتجربة، فكيف يكون الحال مع القوى الأخرى في المجتمع، في وقت ليس فيه حال الليبرالية أفضل، بعد أن أصبحت قيم الديمقراطية والحداثة موضع شك مع صعود قوى اليمين الشعبوي في الغرب، والذي يعد عامل تحفيز لواقع التطرف.
الحل الثقافي لمسألة التطرف والعنف ليس مجرد مشروع واستراتيجية عمل وحسب، فهو يتطلب توفر توافق بين مؤسسات العمل الثقافي العربي، وتعزيزا لتيار التنوير والإصلاح في المؤسسات الدينية والتربوية، وقبل كل هذا وجود مناخ عام من الحريات والديمقراطية، فهل يتوفر من كل هذه الشروط ما يعين على نجاح هذا الحل؟
مؤسساتنا الثقافية والتربوية والدينية كلها تحتاج إلى تطوير مناهجها وأساليب عملها، في وقت ما زالت لعبة المصالح تتحكم في علاقة السلطة السياسية بالسلطة الدينية، بينما الثقافة العربية ما زالت تتنازعها رؤى ومواقف متباينة، يتداخل فيها السياسي والأيديولوجي مع الديني. ثم قبل كل هذا أين هو الحامل الاجتماعي للفكر العقلاني وثقافة التنوير والحداثة، في وقت قضت فيه الدكتاتوريات العربية على الطبقة الوسطى في المجتمع، وهي الحامل لهذا المشروع.
لقد فشلت تجارب عالمية في تحقيق مشروعها الثقافي، لأنها عملت على إحداث التغيير الثقافي من فوق، كما حدث للثورة الثقافية في الصين، والثقافة الماركسية، عندما تحولت الثقافة إلى خادم للأيديولوجيا وجرى اغتيال الحريات وتكريس سلطة الاستبداد.
وفي مجتمعاتنا العربية كانت الانقلابات العسكرية من أهم أسباب فشل التحديث وإجهاض صيرورة التحول الاجتماعي والديمقراطي في مجتمعاتنا، عندما جعلت الثقافة رهينة لمؤسسات السلطة وألاعيبها السياسية، حتى وصلنا إلى خسارة أغلب منجزات فكر النهضة والتنوير في مجتمعاتنا.
نقلا عن العرب