23 ديسمبر، 2024 8:52 ص

الحلول الترقيعية ديدن حكومات الفشل والفساد ؟!

الحلول الترقيعية ديدن حكومات الفشل والفساد ؟!

القسم الخامس
في خطاب السيد رئيس مجلس الوزراء بتأريخ 3/10/2019 قال ( وقد بدأنا بالفعل بتوزبع الأراضي مجانا على شرائح شعبنا من الطبقات المستحقة ضمن مبادرة وطنية كبرى للإسكان ) ، وقد نسي سيادته أو تجاهل كيف يبني من لا يملك قوت يومه وعياله تلك الأرض ؟!. وبإمكانه الأمر ببناء مساكن الفقراء واطئة الكلفة لمعالجة المشكلة في ثلاثة أشهر ، كما جاء فيه ( وكذلك رفعنا مقترحاتنا إلى مجلس النواب الموقر لإصلاح النظام الإنتخابي بما يعزز شفافيته ويمنع الإحتكار أو المحاصصة ) ، دون الإفصاح عما يريده الشعب بذات الشفافية في تعديل قانون الإنتخابات ، بما يضمن أن يكون المرشح عراقيا بالولادة ومن أبوين عراقيين بالولادة ، ومن غير مزدوجي الجنسية ، ومن غير من كان نائبا لدورتين إنتخابيين أو أكثر .

-* كما جاء في خطابه المؤرخ في 24/10/2019 وبالنص ( خامسا- سيقدم مجلس الوزراء مرشحين لمجلس الخدمة العامة الإتحادي الأسبوع القادم إلى مجلس النواب وأهمية المبادرة الفورية لتنفيذ قانون الخدمة المدنية ومنع إحتكار الوظائف أو التلاعب بها ) ، ويبدو أن السيد رئيس مجلس الوزراء لا يدري أن هناك قانونا نافذا بالرقم (24) لسنة 1960- المعدل ، دون أن يحل محله قانونا بديلا عنه ، ليكون بمستوى أهمية المبادرة الفورية التي يحلم بتحقيقها في عهد الدم والقنص والتشبث بالسلطة المأزومة سياسيا وإداريا ، ولعل ردنا المناسب على ذلك كامن في تكرار تثبيت ما رأيناه في ورقة بحثنا بعنوان ( دور مجلس الخدمة العامة في الحد من ظاهرة الفساد) ، المقدمة إلى مؤتمر هيئـة النزاهة / دائرة التعليم والعلاقات العامة ، المنعقد لتعزيز ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد الإداري والمالي ، الذي إجتاح دوائـر الدولة وإجراءاتها بعد الإحتلال ، في أواخر شهر كانون الأول عام 2008 ، تحت شعار ( النزاهة أساس الأمن والتنمية ) ، وبالنص المثبت في كتابنا الموسوم ( في قانون الخدمة المدنية – التعيين والتثبيت وإحتساب الخدمات – دراسة تحليلية للنص القانوني والتطبيق العملي ) المودع لدى دار الكتب والوثائق ببغداد بالرقم (635) لسنة 2010 ، حيث ( أن تأسيس مجلس الخدمة العامة الفدرالي بنص الدستور ، سيمنع من إلغائـه عند إنتفاء الحاجة إليـه ، وهو أقل مستوى من بعض دوائر الدولة الفدرالية الإتحادية ، التي لم تتضح معالمها وتستقر أركانها ، ويخضع الدستور فيها للتعديل حسب أحكام المادة (142) منه ، لإختلاف الأسس والمباديء المعتمدة عند صياغته والقوانين الصادرة بموجبه ، والتي سيبنى عليها تنظيم دوائر الدولة ، ومنها المجلس موضوع البحث ، كما إن التعيين والترقية لا يستلزمان النص عليهما دستوريا ، لأنهما من شؤون الوظيفة العامـة التي سيتولى مجلس الخدمـة العامة تنظيمهما ، بعد أن ينظم تكوينه وإختصاصاته بقانون . كما إن شؤون الوظيفة العامة ، تحكمها قوانين الخدمة والملاك والإنضباط والتقاعد ، والأنظمة والتعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذ أحكامها ، وإذا كان مجلس الخدمة العامة المؤلف بموجب قانوني الخدمة المدنية المرقمين 55 لسنة 1956 و24 لسنة 1960 ، قد حددت واجباته بالتعيين وإعادة التعيين والترفيع حصرا ، فلأنهما أعمدة بناء الوظيفة والخدمة العامة بشكل سليم . فالتعيين خط الشروع ونقطة الإنطلاق في ساحة العمل الوظيفي ، على وفق شروطه وما تجب مراعاته ، والترفيع جزاء مادي ومعنوي ، عن جهد وأداء متميز خلال مدة محددة في خدمة مكتملة الشروط ، وعلى وفق ضوابطها لنيل راتب الدرجة أو الوظيفة الأعلى ، وليس رهينة عنوان وظيفي فقد هيبته ومعناه ، بحكم ما جاء به الأمر (30) لسنة 2003 وآليات تنفيذه المختلف في تطبيقها ، لضعف كفاءة وخبرة الموظفين التنفيذيين ، وإستمرار العمل بمفاهيم وآليات خاطئة ، شوهت كل مقومات وعناصر الوظيفة العامة ، الضامنة لحق الموظف والدولة على حد سواء ، ومن غير إفراط أو تفريط .

إن المتفحص لما تضمنته القوانين والأنظمة والتعليمات ذات الصلة ، يجد فيها ما يمنع أو يحد من إنتشار ظواهر الفساد الإداري والمالي ، لصلة أحكامها بالإجراءات التنفيذية المتخذة من قبل مجلس الخدمة أو الوزارات ، في ظل مركزية التخطيط والتنفيذ ، إلا أن خرق تلك القواعد والتجاوز عليها من قبل شاغلي مواقع المسؤولية والقرار قبل غيرهم ، أو بتعديل تلك القوانين بما يتفق والتوجهات السياسية التي لا تتصف بالمهنية المحترفة في أغلب الأحيان ، وتوجه الدولة إلى اللامركزية في التنفيذ ، أدى إلى سلب دور مجلس الخدمة العامة تدريجيا ، حيث قرارات تعيين العاطلين عام 1974 ، وتخويل الوزراء والمحافظين صلاحية التعيين في بعض الوظائف ، وظهور نتائج التنمية الوظيفية ، ومن ثم التعيين المركزي للخريجين عام 1978 ، وما رافق ذلك من ترهل الهياكل التنظيمية لدوائر الدولة ، مع إتساع حركة إستحداث مؤسسات وهيئات وأجهزة حكومية ، بقواعد خدمة متعددة ومختلفة ، تستوعب أعداد الموظفين المعينين والفائضين ، بحيث أضحت المصادقة على قرارات الترفيع شكلية ، ولا ترقى إلى مستوى التدقيق الصحيح للإجراءات المتفقة ونصوص القوانين ومنح الإستحقاقات ، وليمسي المجلس عقبة في طريق الإنجاز ، مستدعيا قرار إلغائه عام 1979 ، وما كان البديل مناسبا ، لولا المتابعة بالرقابة وبالتفتيش الإداري الميداني من قبل مراكز الوزارات .

إن عدم إمكانية النهوض بأعباء الإصلاح والتنمية الشاملة ، يكمـن في إنحسار دور الدولة في وظيفة ضمان حفظ الأمن والنظام بالقوة العسكريـة والأمنية ، وترك مسؤولية دوائر الدولة ومؤسساتها ، بيد من لا يفقه أساليب إدارتها ، ولا يعرف تفاصيل أعمالها . إن ورقة بحثنا تستند إلى محاولة المساهمة في إصلاح واقع حال الوظيفة المتردي ، من خلال الإعتماد على صفوة من الموظفين ، المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة المتميزة ، بحثا وتطبيقا في شؤون الخدمة المدنية وإجراءاتها الإدارية ، لإمتلاكهم من وسائل وأساليب تطوير العمل الوظيفي ، ما يجسد مهمة محاربة الفساد الإداري والمالي أو الحد من إنتشاره ، مقترحا التوصيات المستخلصة من التجربة العملية والفعلية لتفاصيل الموضوع وكما يأتي :-

1- الغاء المادة (107) من الدستور .

2- الإستناد إلى المادة (108) من الدستور ، لضمان جواز تشكيله أو حله حسب الحاجة ، أو الغاء القرار (996) في 2/8/1979 وإعادة العمل بموجب أحكام الفصل الخامس من قانون الخدمة المدنية ، بعد تعديله بما يتناسب والمهام والواجبات الجديدة ، ودمج الدوائر ذات الإختصاص المتماثل ، وتحديد إرتباطه بمجلس الوزراء ، لضرورات التنسيق بين دوائر الدولة ، وضمان مساهمته في إعداد التشريعات القانونية والإدارية .

3- إصدار قانون للخدمة المدنية ، تواكب نصوصه مستجدات ومتغيرات الظروف ، وتلبي حاجاتها ومتطلباتها الوظيفية ، مع إعتماد مبدأ فصل الترقية عن الترفيع .

4- أن يضطلع المجلس بمهام الرقابة والتفتيش الإداري الميداني ، وتوصيف الوظائف ، وتحديد أعداد الموظفين ، وتنظيمهم الإداري ، وتدريبهم ، وإختبار المرشحين للتثبيت في الوظيفة ، والمرشحين لإشغال وظائف الدرجات (1 و 2 و 3 و 4 ) ، لإنتقاء المؤهلين منهم مهنيا من حيث الكفاءة والخبرة الوظيفية والجدارة الإدارية .

5- إصدار التعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذ القوانين والأنظمة الخاصة بشؤون الخدمة المدنية ، وتبسيط الإجراءات الإدارية اللازمة لتنفيذها بأقل جهد ووقت مطلوبين .

إن الفشل سيكون حليف مجلس الخدمة العامة الفدرالي ، إذا ما عهدت مسؤولية تكويناته على وفق المعايير التي أعتمدت في غيره . لقد كان توقعنا بفشل مجلس الخدمة العامة مبنيا على جملة عوامـل ، أهمها إناطة مسؤوليته بمن لا يمتلك الخبرة العملية الفعلية لإدارته ، وثانيهما التوسع في تحديد مهامه وواجباته ، إلى الحد الذي لا يتمكن فيه من الوفاء بإلتزاماته وإنجاز واجباته ، سيما وأنه لا يمتلك الكادر الوظيفي الكفوء للنهوض بمسؤولياته الكبيرة ، وثالثهما الكم المتراكم من الأخطاء والتجاوزات التنفيذية النوعية لقوانين الخدمة المدنية ، وخاصة فيما يتعلق بما سمي بتسكين الرواتب وفق الأمر رقم (30) لسنة 2003 ، وما تبعه من إجراءات مخالفة لواقع الإستحقاقات الوظيفية أصلا . كما إن صدور قانون مجلس الخدمة العامة الإتحادي رقم (4) لسنة 2009 ، قبل معالجة تداعيات المشاكل الناجمة عن إجراءات التخبط والفوضى الإدارية بعد الإحتلال ولغاية ممارسته لمهامه ، سيؤدي إلى زيادة إحتمالات فشله ، سيما وقد أثقلت نصوصه بما لا يقوى على تنفيذها مجلس حديث العهد بالمسؤولية من هذا النوع ، وفي ظل ظروف وظيفية غير مستقرة من حيث التشريع ، ومليئة بمظاهر الفساد الإداري والمالي الذي لا تطهر أسسه وأركانه أحكام القانون المذكور ) . إضافة إلى ما تضمنته مقالتنا بعنوان ( مجلس الخدمة العامة الإتحادي … للدعاية والإعلان السياسي ) ، المنشورة على صفحات هذه الجريدة في 11 و 12/7/2018 ، لمن أراد الزيادة في الإطلاع .