23 ديسمبر، 2024 5:54 ص

الحلقة 4- هل ان المشاركة في الانتخابات واجبة ؟ ام ان مقاطعة الانتخابات هي الحل ؟ / انتخابات مجلس النواب العراقي 2018 المظاهر والنتائج

الحلقة 4- هل ان المشاركة في الانتخابات واجبة ؟ ام ان مقاطعة الانتخابات هي الحل ؟ / انتخابات مجلس النواب العراقي 2018 المظاهر والنتائج

المقدمة (مهمة جدا ولابد منها)

تعد الانتخابات بمختلف صورها واهدافها ومستوياتها ، برلمانية ، رئاسية ، مختلطة ، أقليمية ، مجالس محافظات ، ومجالس بلديات ، الطريق الوحيد للوصول الى السلطة في الدول التي تتخذ الديمقراطية نظام حكم لها ، ما يعني ان الانتخابات بقانونها وآلية اجرائها ومدى حرص الناخبين على الادلاء باصواتهم بما يحقق المصلحة الوطنية بعيدا عن المنافع الفئوية ، الحزبية والمناطقية والعشائرية والمذهبية وغيرها، هي الفيصل الذي يحدد شكل وهيكلية وتوجه الحكومة الناتجة عنها. وحيث ان الحكومة هي من يضع الاطار العام الذي تسير عليه الدولة في المجالات كافة وخاصة الاقتصادية والسياسية والقانونية ، فهي التي تحدد مدى الحريات الممنوحة للشعب وفرص العمل التي توفرها والتي تساهم في رفع المستوى المعاشي للعاملين للفئات القادرة على العمل اضافة الى القوانين التي تحكم وتنظم العلاقات المختلفة ضمن حدود الدولة وخاصة الاجتماعية والوظيفية ، عليه تكون مشاركة المواطنين بالانتخابات على درجة كبيرة من الاهمية لان القوة العددية المشاركة فيها وكفاءة ونزاهة واخلاص المرشحين الذين يتم انتخابهم سيكون لها بالغ التاثير في حياة المواطنين بمختلف جوانبها.

وبعد كل الذي قدمناه …

هل ان المشاركة في الانتخابات واجبة ؟

ام ان العزوف عن المشاركة حالة صحيحة ؟

لكي يكون الجواب علميا دقيقا علينا ان نستعرض سريعا الواقع العراقي الذي افرزته وانتجته العملية السياسية الحالية لتتضح لنا صورة القرار الواجب على المواطن اتخاذه بالمشاركة او بالمقاطعة.

فالفساد المالي والاداري الذي تتسم به جل الطبقة السياسية الحاكمة والمستشري في كل مفاصل الدولة وسلطاتها والدين الكبير الذي يرهق البلد من جراء عمليات الاقتراض الفاشلة التي تعقدها الحكومات مع مصادر التمويل الخارجي والداخلي وتراجع الخدمات الصحية المقدمة الى المحتاجين واحيانا انعدامها وتدني مستوى اداء المؤسسات التربوية والتعليمية والاكاديمية وتوقف العجلة الانتاجية الصناعية واضمحلال الدور الوطني للقطاع الخاص وتفشي البطالة وانتشار الانحراف والجريمة وتجذر الازمات وخاصة في مجالات النقل والسكن وعدم تلبية احتياجات المواطنين من الماء والكهرباء والحصة الغذائية والزيادة الكبيرة جدا في اعداد الارامل والايتام والعوائل التي تعيش تحت خط الفقر … وغير ذلك الكثير من مظاهر الفشل الذي تتسم به الحكومات المتعاقبة وكذلك فشل السلطتين التشريعية والقضائية والمؤسسات الرقابية في اداء دورها المطلوب لبناء الدولة يقتضي ان يسعى الشرفاء المخلصون الوطنيون جميعا للمشاركة الفاعلة في تغيير هذا الواقع نحو الاحسن ولايكون ذلك الا من خلال المشاركة الصحيحة في الانتخابات لان بقاءه على نفس الحال او تغييره الى الاحسن او حتى الى الاسوأ مرتبط بالانتخابات وذلك لان الكثافة العددية لاشتراك الناخبين بها وانتخابهم قوائم معينة هي التي تشكل صورة وتوجه وفاعلية مجلس النواب الذي تنبثق منه الحكومة التي ستكون مسؤولة عن هذا الواقع .

فإن كان اختيار الناخبين للمرشحين لعضوية مجلس النواب غير سليم فان الحكومة المنبثقة عن هذا المجلس ستبقي الواقع السيء على حاله او تزيده سوءً ونفس النتيجة ستحصل في حالة مقاطعة الانتخابات لان الاختيار السيء والمقاطعة يؤديان الى نفس النتائج وهي سيطرة الفاسدين الفاشلين على السلطة . اما ان كان اختيار الناخبين للمرشحين سليما اي بناءً على ما يمتلكونه من مؤهلات مطلوبة للتغيير المنشود فان الحكومة المنبثقة عن هذا المجلس ستغير الواقع السيء الى حال احسن وهذا هو المطلوب.

وعلى ذلك يجب ان يتقدم من يمتلكون الكفاءة والقدرة على تغيير الواقع نحو الاحسن والنهوض بالمستوى المتدني لمختلف القطاعات من خلال تقديم الحلول والعلاجات لتصحيح المسارات المنحرفة للعملية السياسية وتشريع القوانين التي تهم مصالح الشعب ، للترشيح لانتخابات عضوية مجلس النواب في حالة توفر الفرصة لذلك وكذلك يقتضي على الناخبين الفحص والتمييز بين المرشحين لتشخيص الصالح منهم وانتخابه.

واذا كان الكثيرون يرون ان المشاركة في الانتخابات حرية شخصية فاني اراها واجبة بل باقصى درجات الوجوب الى الحد الذي لايمكن معه العزوف عنها . ووجوب المشاركة في العملية الديمقراطية عموما والانتخابات خصوصا يستند على اسس عدة نستطيع ان نضعها بالعناوين التالية :

اولا : الوجوب الشرعي للمشاركة في الانتخابات والعملية الديمقراطية :

ونقصد به الوجوب المستند على قواعد وتوجيهات دينية تفرض على الفرد المشاركة في الانتخابات مرشحا او ناخبا ، وهذه القواعد عديدة ولكننا نكتفي بمبدأ (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) حيث يعد هذا المبدأ من اركان الاسلام التي يقوم عليها المجتمع وتتحسن احواله .

وقد ورد ذلك المبدأ في ايات واحاديث كثيرة منها :

{يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران : 114]

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : 104]

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ

الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة

: 71].

 

ويتضح من هذه الايات ان الله تعالى قد امر الناس بتطبيق قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لانها المقدمة للخير وللحصول على الرحمة الالهية وانه تعالى قد وصف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالمفلحين والصالحين. 

وحيث ان الواقع الحياتي العراقي هو نتاج عملية سياسية فاسدة فاشلة منحرفة يسيطر عليها الفاسدون أي انها (منكرة) وان تغيير هذه العملية بمؤسساتها وقوانينها وقواعدها وشخوصها الى الاحسن هو المرجو من الانتخابات فيكون النهي عنها اي السعي لتبديلها بمؤسسات رصينة منتجة وقوانين صارمة بالحق ووجوه تمتلك الكفاءة والنزاهة والاخلاص وتخدم الشعب هو فعل تطبيقي لقاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . وعليه يكون كل من الناخب والمرشح مأموران بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات لانهما محكومان بقاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وبعد هذا لايقولن متدين مخالف لما ذكرناه بانه مؤمن ويطبق اركان الاسلام !!!

ثانيا : الوجوب العقلي للمشاركة في الانتخابات :

وذلك استنادا الى قاعدة (دفع الضرر) التي يجب على العقلاء اتخاذها مبدأ وتطبيقها عند الحاجة . ففي حالة تعرض مجموعة من الناس الى هجوم من حيوان مفترس او شخص ظالم ولهم القدرة على رده لمنع ظلمه وعدم تعرضهم الى الضرر في انفسهم واموالهم واعراضهم فان التصدي لذلك يعد واجبا يحتمه العقل لان عدم التصدي يعني تعرضهم الى الاذى وربما الهلاك وهو ما لايقبله عاقل ولايتوافق مع المنطق .

وكذلك يحكم العقل بوجوب ترك السير في الطريق الذي يقف فيه حيوان مفترس أو شخص ظالم والاتجاه الى الطريق الخالي منهما تطبيقا لقاعدة دفع الضرر .

والواقع الفاسد الذي نعيشه هو الطريق الذي تحفه المخاطر ، وتشبث الفاسدين بالمناصب ومشاركتهم الواسعة في الانتخابات هو هجوم الخطر على الناس ، وعليه يجب اختيار طريق يؤدي الى تغيير الواقع الى الاحسن وكذلك التصدي لرد هجوم الفاسدين ولا يكون هذا الامر فاعلا الا من خلال المشاركة الصحيحة في الانتخابات واختيار المرشحين الصالحين من اجل تحقيق النتيجة المطلوبة .

وبعد هذا لايقولن عاقل مخالف لما ذكرناه بانه يسير على وفق منهج وقواعد عقلية !!!

وبناءً على ما تقدم فان المشاركة في الانتخابات بالشكل الصحيح واجب شرعي وعقلي ووطني ومقاطعة الانتخابات في ظل هذه الاوضاع التي نعيشها ذنب يتحمل المقاطع إثمه ومخالفة عقلية وتخلف عن اداء واجب وطني .

مع العرض ان هنالك وجوبا اخران هما (الوجوب الوطني) و (الوجوب الاخلاقي)

عبد الستار الكعبي

كاتب سياسي وباحث قانوني

بغداد –   4 / 5 / 2018