عاودت مية صادق حديثها قائلة :تبقى اللقطة عام كامل وينشر عنها خبرا للتعريف عنها كأن تعلق لافتة يكتب عليها على من اضاع حاجة مراجعتنا مع بيان عنوان المراجعة وكذلك يتم السؤال في اماكن يمكن السؤال عنها وبعد مضي المدة المحددة وعدم ظهور صاحب الحاجة يصار الى مراجعة المكاتب الشريعة الذي سيعطي الاذن ببيعها والتصدق بثمنها هنا احسست بالحرج اذ لست اجدني غير مستطيعة ان اقوم بكل هذه الامور اشارت لي ان اذهب بها الى اي جامع او الى قسم المفقودات في العتبتين الحسنية او العباسية المطهرتين .فموافقتها الرأي واحسست ان عبئ الامانة الثقيل قد ازيح عن كاهلي وحين لاحظت ارتياحي هتفت بنبرة هادئة وقد ملئت وجهها ابتسامة رائعة قائلة: ارى من المفيد ان احكي لك حكاية اد قضاة المسلمين وهو القاضي ( ابو بكر الانصاري )
حين كان طالب علم في مراحله الاولى فقد وجد نفسه جائعا في ليلة من الليالي ما دعاه للخروج بحثا عن كسرة خبز يسد بها جوعه فعثر على كيس من الحرير الاحمر حين فتحه وجد فيه عقدا ثمينا فراودته نفسه ان يبيعه وينتفع بثمنه لكنه سرعان ما استعاذ بالله تعالى من تلك الافكار المنافية للخلق والدين وهنا سمع احدهم ينادي على من عثر ضائعة وله مكافئة قيمة فمضى الى ذلك الرجل وسأله عن اوصاف ضائعته فوصفها وكانت مطابقة للكيس والعقد فدفعهما اليه وامتنع عن اخذ المكافئة التي اهداها له الرجل عن طيب خاطر وامتنان فائق قائلا انما اديت لك امانة اللقطة التي عثرت عليها وهي ضائعتك فهذا واجب ديني واخلاقي انما افعل ذلك تقربا الى الله تعالى …تركه الشيخ ومضى لحال سبيله متعجبا من اباء الشاب وخلقه وتدينه. وأما ما كان من امر ابي بكر فقد ضاقت به سبل العيش وانتهى به الامر الى ان يعمل في احدى السفن وشاء الله تعالى ان يقف على مؤامرة الربان في امر يخالف الشرع والدين والانسانية فعرف ان الربان سوف لا يتركه حيا وسيعمد الى قتله فتوجه الى الله تعالى بقلب ملؤه الرجاء برحمته الواسعة فما اكمل دعاءه حتى هبت ريح عاصف عصفت بالسفينة وحطمتها وغرق من فيها اولئك الذين املوا ان يفعلوا ما لا يرضاه الله والذي يجر على الانسانية ضررا جسيما قبال حفنة من المال الحرام فنالوا جزاءهم .
توقفت مية صادق للحظات وهي تنظر الينا وسألت قائلة: هل من سؤال …واضافت هل من ملاحظة…؟كانت تريد لنا ان نشاركها الحديث لتعلم مدى افادتنا واستيعابنا لذلك الدرس الذي جاءت به وعلاقته بقضيتنا المتمثلة بالقرط الذهبي الذي عثر عليه .قالت لها شقيقتي :الى الان لم تتغير حال ابو بكر وهو قد وقع في مشكلة اكبر وفاجعة اشد ربما هو قد فارق الحياة مع من ماتوا غرقا بعد تحطيم المركب .
هزت مية صادق رأسها نفيا وهي تشير الى السماء بيدها قائلة :ان الله لا يضيع من التجأ اليه فقد تمكن ابو بكر الانصاري بفضل الله تعالى من السباحة حتى وصل الى شاطئ احدى الجزر الخضراء المزدهرة الجميلة فدخل اول بيت وصل اليه بعد ان نادى على اصحابه ولما لم يجبه احد توجه الى زير الماء ليطفئ عطشه وبعد ان ارتوى التفت فاذا بصاحب الدار يقف بين يديه ويسأله امره وبعد توضيح الامر وشرح القصة التي جاءت به رحب به صاحب البيت قائلا ستبقى في ضيافتنا حتى يحين موعد رجوعك الى اهلك فهذا الامر بأي فينة او مركب يمر على الجزيرة ونادرا ما يحصل هذا الامر وقدم له الزاد قائلا تفضل كل واعتذر اليك فقد حان موعد خروجي الى المسجد لأداء فريضة صلاة العصر فاستفسر ابو بكر الانصاري عن عدم رفع الاذان فأجابه المضيف ان خطيب المسجد قد توفي حديثا ولم يتم ترشيح اي احد لشغل هذا المنصب ….بعد برهة وجيرة اقترح المضيف على ابو بكر ان يشغل هذا العمل ريثما ييسر الله تعالى امره مادام هو احد طلبة العلوم الدينية فرضي ابو بكر الاقتراح وباشر عمله حتى اذ اجتمع الناس لأداء الصلاة ثم طلبوا اليه ان يبقى معهم قيما على المسجد وهم يتكلفون مصروفه اليومي وفي هذا تتحقق مصلحة الطرفين حيث هو يبحث عن عمل وهم بأمس الحاجة الى قيم لمسجدهم.
عمل ابو بكر الانصاري بإخلاص لأداء الواجب المكلف به فإذا بهم يطلبون اليه ان يكمل دينه ويتزوج ففي القرية فتاة عفيفة يتيمة وجميلة وهي بالإضافة الى ذلك ذات مال وحسب وهي تليق بأمام المسجد الذي يقوم على شؤونهم الدينية فهذه البنت اليتيمة تعتبر امانة ذلك المجتمع سيما وان والدها توفي حديثا وهي وحيدته ووريثته .وافق ابو بكر على الزواج من تلك الفتاة وكانت المفاجئة عند الزفاف واذا بالعروس ترتدي عقدا هو ذات العقد الذي سبق وعثر عليه ما دعابو بكر اطالة النظر اليه وتسبب ذلك انفعال العروس وغضبها فغضب اهل القرية وعاتبوه على فعله الذي لم يجدوا له تبريرا ولهذا حدثهم ابو بكر بحديث العقد …هنا كانت المفاجئة الكبرى فقد تبين ان صاحب العقد ما هو الا والد هذه العروس واخبروه بانه قد حدثهم بحديثه واكان قد اعجب ايما اعجاب بأمانته وعفته ولهذا كان يدعوا الله عز وجل ان يجمعه وابنته بزواج مبارك …
يا لله ها قد استجاب الله تعالى دعاء ذلك الاب وتحققت امنيته بذلك الزواج الميمون وهنأ ابو بكر بزوجة عفيفة وجميلة وذات خلق وكمال …
نتوقف هنا ولنا عودة في حلقة اخرى بأذن الله تعالى متمنية لكم الخير والفرح.