23 ديسمبر، 2024 3:28 م

يا عطر القهوة اليمنية بين الدلة والشوق الى الحلة ، هذا من بعض حسرات معلم بابلي من أهل مدينة الحلة تعين في الناصرية وتنسب الى مدرستنا لتكون أول مواطن الغربة لديه ، فكان كثير التغزل بغرام امرأة ترك معها في الحلة رسائل وقصائد من الشعر الشعبي .

 والحقيقة أن بعض المعلمون كانوا يستعينون بخواطره وقصائده لأغراء لحظة اللقاء بينهم وبين حبيباتهم أو زوجاتهم في الناصرية ، وكنا نجتمع معه على عطر القهوة التي يسكبها لنا شغاتي ونحن نتسامر في مضيفه عندما يمنعنا البرد او الامتحانات من الذهاب يوم الجمعة الى الناصرية فيما كانت اجازة المعلم البابلي شهرية.

وهكذا عندما نأنس الى السهر والحكايات ويشع عطر القهوة التي نجلبها مطحونة معنا من الناصرية ، فتكون الدلة الكبيرة التي يتم فيها تهدير القهوة قبل صبها بدلال صغيرة هي الشيء الاقرب لعيون المعلم ( الحلي ) يوسف حين يشع فرحا حين يأتي صوت الدلة مقاربا لمدينة الحلة مهد طفولته وصباه وشبابه  .

ومع العطر يطير قلب يوسف فنكاد نراه ، فأقول لزملائي المعلمين : لا تصيدوه دعوه يذهب الى عشه . الدلة صورة من صور الغياب يصنعه موسيقى تشابه الاسماء يكون التيه .

 فيتندر احدنا ويقول : ما الذي يجمع الحلة بالدلة .

فأرد : يوسف.

فيرد المعلم : يوسف يجتمع مع البئر .

اقول :ذاك نبي وعبراني . وهذا معلم وبابلي ، وبينهما يتشابه حتى ما في البئر وما في الدلة وهو سائل .الأول وماء والثاني قهوة.

يضحك يوسف ويقول : يا جماعة اين ذهبتم بنا .؟

قلنا : الى الحلة والدلة فلا تخفْ .

قال :الحمد لله ، اخاف ان نتحول في النقاش بين بابل ومصر الى ذئاب تمزق براءة هذا الليل ، فيقول اخونا المتدين المعلم داود :انتم كفرة في المقارنة.

قلت :وانت يا يوسف بوجه جميل .

ضحك وقال :يقولون جمال الحلة في الخد والكذلة ولكن هذا للنساء.

قلت وللرجال : قال الجمال الحلي مثل القميص الخردلي ، جميل مع الازرق.

ضحكنا وقلنا : سؤال اخير ؟

قال :أسألوا .

قلنا :تحب اغاني سعدي الحلي ؟

قال : لا والله . مبتعد عن جادته . أما تروني اتعلق في عروة دلة عمنا شغاتي من اجل واحدة وليس واحد.

قلنا : نعم فغزلكَ نسرقه لرسائلنا.

من رسائل يوسف كان الكثير يصنع دلال قهوة السهر في تذكر محبوبته او اولاده وزوجته ، وعندما عاد يوسف الى بلدته بعد ان امضى ثلاث سنوات في مدرستنا ، ولكنهم لم يضعوه في مركز الحلة بل نسبوه الى مدرسة في قضاء الكفل  ، ليكتب لنا أول رسائله  : نقلوني الى بابل ولكن ليس الى حلتها ، نسبوني قرب النبي الكفل ولكن ربما هو من احفاد يوسف ، أذن انا قرب نبي ولكن من دون حلة ودلة..!