18 ديسمبر، 2024 8:17 م

الحلبوسي .. مخلوع بالثلاثة

الحلبوسي .. مخلوع بالثلاثة

تخبرنا الحكمة القديمة بانه “لا تفكر في المفقود حتى لا تفقد الموجود”، وهي كلمات لم اعثر على أصدق منها في وصف حالة رئيس مجلس النواب المبعد من منصبه بقرار من المحكمة الاتحادية محمد الحلبوسي، وكيف انتهت رحلته البرلمانية بعد سنوات خمس حاول خلالها صناعة “وهم” كبير بتنصيب نفسه زعيما على المكون السني، يقصي من يشاء ويعتقل بمزاجه من يعارض خطابه أو  ينتقد ادواته التي زرعها في جميع السلطات.

نعم.. كان سقوط الحلبوسي خبراً مفاجئاً وضربة غير متوقعة..حتى اخر الدقائق قبيل  نطق المحكمة الاتحادية بقرارها خلال الجلسة التي عقدت لحسم الدعوى المقدمة من النائب المبعد ليث الدليمي بتهمة تزوير استقالته، لأسباب عديدة أبرزها… توغل الحلبوسي في جميع مفاصل الدولة، وتجاوزه اكثر من مرة على السلطة القضائية ومخالفة قرارتها بدون محاسبة، إضافة إلى امتلاكه النفوذ المالي واحتفاظه بعلاقات مصلحية مع العديد من اقطاب السياسة الشيعية والكردية المؤثرة في صناعة القرار، ولعل قرب الانتخابات المحلية والحاجة لاستقرار سياسي كان من بين العوامل الابرز التي تجبرنا على استبعاد فكرة الاطاحة بالحلبوسي، لانه ببساطة إحراق ورقة سياسية “سنية” لديها قاعدة جماهيرية في مثل تلك الظروف كان سينتهي في الغالب بازمة تأثيراتها تصل للاوضاع الامنية.

لكن.. الخطأ الذي أرتكبه الحلبوسي بإستغلال سلطته وتزوير استقالة ليث الدليمي، لاعتقاده بان “الأرض طويت له” كأن الطريقة القانونية التي قدمها رئيس البرلمان المخلوع على طبق من ذهب لخصومه في السياسة، وخاصة بعد “امتلاء” سجله بحوادث الغدر بأبناء جلدته والجهات السياسة التي اوصلته لقيادة البرلمان، والجميع يتذكر كيف استخدم الحلبوسي سلطته وبمساعدة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لاعتقال رئيس حزب ”الحل” جمال الكربولي وسجنه لاكثر من عام، من اجل ابعاده عن منافسته في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت خلال العام 2021، متجاهلا بان الكربولي صاحب الفضل في تسلمه كرسي رئاسة البرلمان وحتى في دخوله للعملية السياسية حينما رشحه في صفوف حزبه، والقصة التي لا يعلمها سوى عدد قليل، حينما كان الحلبوسي يزور الكربولي في سجنه ويقف امامه متشفياً، ويبلغه بضحكة “صفراء” بان خروجه من المعتقل يقف على اشارة منه،.

وبالعودة لقرار المحكمة الاتحادية الذي حاول الحلبوسي التشكيك فيه وادخاله ضمن خانة “التسقيط” السياسي من خلال اتهامها بمخالفة الدستور والقانون وتجاوز صلاحياتها والانصياع لجهات “رفض تسميتها” لغاية في نفسه، او قد تكون ورقة ضغط حاول التلويح بها لطرف خارجي و على الاغلب الجارة ايران، لكن… المحكمة أصرت على موقفها وردت عليه بمواد دستورية والتأكيد بان قراراتها ملزمة للجميع ولا رجعة فيها، ليلجأ الحلبوسي للخطة “باء” عن طريق تحريك جماهيره في مدينة الفلوجة بعد “اشاعة” خبر كاذب عن عودته لرئاسة البرلمان، لتتحول مدينة الفلوجة والعديد من مدن الرمادي لمناطق خارج السيطرة الامنية، يتجول فيها مسلحون من انصار رئيس البرلمان المخلوع وهم يطلقون النار في الهواء ويساندهم مرشحون عن حزب تقدم استخدموا انواع الاسلحة والهتافات “المسيئة” للدولة والقضاء، في حفلة ليلية استمرت عدة ساعات انتهت بتحرك للقوات الامنية اعتقلت خلاله اغلب المسلحين بتهم “ترهيب” المواطنين, ليكتب لخطته البديلة الفشل.

في تلك اللحظات وجد الحلبوسي نفسه محاصرا ووحيدا، فاختار إقامة مجلس عزاء في دار إقامته داخل المنطقة الخضراء لاستقبال المعزين، لعله يظفر بورقة اخيرة او حبل نجاة يعيده للكرسي فحبه للسلطة يجعله يبتعد عن الواقع او يرفض تصديقه، حتى جاءت السفيرة الامريكية ببرقية تعزية خالية من اية مساندة او دعم ينفخ في روح منصبه، لتكون اخر فرصة خارجية خسرها الحلبوسي بعد “طرده” من حضن الامارات وابتعاد الجارة تركيا عنه، وحتى ايران التي ساندته بالوصول للمنصب كما اخبرنا مشعان الجبوري برواية اصطحاب نجله يزن للحلبوسي إلى منزل الراحل ابو مهدي المهندس لتقديم القسم امام الجنرال الراحل قاسم سليماني، لم تسأل عنه او تتدخل بقضيته، بعد اختياره الحضن الاماراتي، ليعود بعدها إلى الفلوجة ويبلغ جماهيره بان صفحته طويت ولا يمكن اعادتها بالاعتصامات او الخروج على القانون.
الخلاصة:.. ان قصة الحلبوسي واحلامه بالوصول للزعامة انتهت، بعد خلعه من ثلاث جهات اولها.. القوى السياسية في الداخل، وثانيها المحكمة الاتحادية، وثالثها الطرف الخارجي الذي جرده من كافة انواع الدعم، وحتى حياته السياسية التي يحاول ايجادها بعنوان اخر، معرضة لخطر الزوال، بقرار قد تصدره المحكمة الاتحادية نتيجته “حل” حزب تقدم في حال ادانته بالتعامل مع شركة امريكية يديرها “صهاينة” على رأسهم رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ايهود باراك، وتعمل على تمويل الحرب ضد غزة، ليكون رئيس البرلمان المبعد حكاية لا يمكن تجاوزها في قاموس السياسة ومحاولة التسلق بسرعة الصاروخ،… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه… هل سيعتبر الحالمون بالزعامة من مصير ابو ريكان؟..