17 نوفمبر، 2024 11:42 م
Search
Close this search box.

الحلاج ضحية – الهوس التكفيري / 2 ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه

الحلاج ضحية – الهوس التكفيري / 2 ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه

رُميَّ الحلاج بالقرمطةِ وهؤلاء القرامطة ظهروا في جزيرة العرب قبل زمن الحلاج وهم فرقة من الباطنية أقاموا دولة في البحرين دامي عدة عقود وزعيمهم الحسن الصباح وهو القائل عندما إقتلع باب الكعبة المُشرَّفة:
أنا بالله وبالله أنا يخلق الناس وأفنيهم أنا
وقال أيضا:
خذي الدفًّ يا هذه وإضربي   فذاك نبي بني هاشمٍ وهذا نبي بني يعرب.
وقد هاجم الحسن الصباح مكة المكرمة وهدم الكعبة ونقل الحجر الأسود معه للبحرين حيث بقيَّ هناك أربعين سنة. كما هاجم مدن العراق ونهبها.
 و رُميَّ الحلاج بالشعوذة والسحر من قِبل الذين لم يفهموه ويفهموا فلسفته, التي ترى جوهر الأنسان وليس ظاهر سلوكه .ومن رموه بذلك هُم هواة التكفير والمتحجرين دينياً أعداء التجديد  الرافضين ربط الدين بالعقل والفطرة, أعداء التجديد في التفسير دون تعارض مع العقيدة والأيمان. وقالوا عنه إنه مخدوم من الجن والشياطين ,وله حِيَل في خداع الناس .ولم يكن الحلاج سوى متصوفا ً مُبدعا في معرفة الله, رافضاً الطغيان ,مجاهداً ضد الظلم, داعيا للتجديد. وهو القائل في نظرته لوجود الله ولم يسبقه فيها أحد:
النقطة أصل كل خط,والخط كله نقطة مجتمعة,فلا غنى للخط عن النقطة,
ولا للنقطة عن الخط,وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة, ومن النقطة بعينها. وكل ما يقع عليه بصرُ أحدٍ فهو نقطة بين نقطتين.وهذا دليل على تجلي الحق من كل ما يُشاهَد وترائيه عن كل ما يُعاين. ومن هذا قلت:ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه.
ولا يخفى ما بهذه الجملة من فلسفة , حول وحدة الوجود التي ترى توحد الخالق بمخلوقاته.
ولمقولات الحلاج معانٍ فلسفية باطنة غير المعاني الظاهرة. وهذه المعاني لا يفهمها إلا النخبويون التنويريون  التجديديون.
آمن الحلاج بالله وبوجوده في كل مكان. حتى إنه أجاب أحدهم عندما سأله ماذا في جيبك ؟ فأجابه ليس به شيء إلا الله.!!
لم يَفهم الحلاجَ في عصره إلا القليل , لعمق فلسفته. ومن شعره الفلسفي:
أقتلوني يا ثقاتي       لإن في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي    وحياتي في مماتي
إن عندي محوَ ذاتي   مِن أَجلِّ المُكرُمات
وبقائي في صفاتي   من قبيح السيئات
سَئِمت مني حياتي    في الرسوم الباليات
فأقتلوني وأحرقوني   بعظامي الفانيات
ثم مرّوا برفاتي     في القبور الدارسات
تجدوا سرّ حياتي     في طوايا الباكيات
إنني شيخٌ كبيرٌ       في علو الدرجات
ثم إني صرت طفلاً  في جحور المرضعات
ساكناً في لحد قبرٍ   في أراضٍ سبِخات
ولدت أُمي أباها     إن ذا من عجباتي
فبناتي بعد أن  كُ     نَّ بناتي أخواتي
ليس من فعل زمانٍ لا ولا فعل الزنات
فإجمعوا الأجزاء جمعاً  من جسود نيرات
من هواء ثم نارٍ     ثم من ماءٍ فرات
فإزرعوا الكلَ بأرضٍ تربهُا ترب مَواتِ
وتعاهدوها بسقيٍ     من كؤوسٍ دائرات
مِن جوارٍ ساقياتٍ   وسواقٍ جارياتِ
فإذا أتممت سبعاً    أنبتت خير نبات
ولهذه القصيدة معانٍ فلسفية وفيها صورجديدة ومفاهيم للحياة والموت , وبخاصة قوله( ومماتي في حياتي وحياتي في مماتي ) وهويعني هنا إن أفكاره ستُبقيه حيّاً بعد مماته. وإن بقاءه حيا على ما هو فيه في مجتمع القمع والإرهاب الفكري وسيطرة الجهلة على نواصي الأمور هو الموت بعينه.لآن يعتقد إن الحياة بالعقل لا بالجسد. وإن الحياة بلا فكر متجدد هيَّ الموت.فالحياة عنده مرتبطة بحرية الفكر والأعتقاد.لذا إعتبره المثقفون والمجددون ودعاة الديموقراطية شهيداً من شهداء الحرية والفكر الحر.

 ولكن الشعراء والفلاسفة و المفكرين في العصر الحديث ومنهم الشاعر والفيلسوف الهندي المسلم محمد إقبال ,الذي سبر غور الحقيقة, وأصابها, تفهم حياة هذا الفيلسوف الوسطي العاشق لله ,إذ كان مبدعا في وصف علاقة الأنسان بخالقه , فآمن بمفاهيم الحلاج . وكانت قناعته ثابته في أن (عالم القرآن)ينفتح لكل إنسان,وفي كل عصر بصورة جديدة ,وإن الأسلام ليس دينا متحجراً بعيدا عن الواقع , بل إن المفكرين والصوفيين الكبار قد تغلغلوا الى طبقات بعيدة في الأعماق من الفهم والأدراك. وتجلت أمامهم حقائق لم تتجلَّ لغيرهم من سائر الناس, بحيث أصبحوا أمثلة عليا يقتدي بها الإنسان العصري أيضاَ . ومن وجهة نظر إقبال , إن الحلاج قد فهم أعماق الوحي الألاهي بشكل أفضل مما فعل كبار الفقهاء ورجال الدين الذين يعجزون عن التعمق والتحليق الى الذرى الفكرية . ويصف إقبال هذا بسخرية فيقول :إن كلاً منهم يجثم كقارون على المعاجم العربية , أي إنه لا يستطيع التحليق بسبب عبء معارفه اللغوية الفقهية, بل يُضغط ميتاً تحت الغبار, كما غرق قارون تحت عبء كنوزه. لقد كان الحلاج في نظر إقبال مناضلا رائدأً في سبيل الإيمان الحي ,وهو مثلا أعلى للإنسان المعاصر.
إهتم الحلاج بمعرفة سر الوجود وأسس لهذه الفلسفة وتبعه من الكتاب والفلاسفة الكثيرون وحاول نجيب محفوظ في رواية الشحات أن يصل الى معنى الوجود الألاهي و معرفة الله من خلال تفريغ رغبات الجسد ومن ثَمَّ من خلال الأنفراد بالنفس والتجرد و الغيبوبة  التي عُرفت عن الصوفيين. ولكنه كما في الرواية في الغيبوبة والنوم تتراءى له الحياة. وفي الصحو لم يتعرف على سرِّ الوجود. وما وصل لشيء.ولكن الحلاج حلّقَ في معرفة الله ووجوده.وسبر الغور بفلسفة التجديد.فما أحوجنا اليوم للتجديد.

[email protected]

أحدث المقالات