تتعامل إيران مع الوضع في العراق تعاملا يتميز بتعدد الأدوار والأساليب فهي كل فترة تستخدم أسلوب معينا من اجل الإبقاء على مصالحها , فتارة تتدخل بالشأن العراقي تدخل مباشر وتارة أخرى بطريقة غير مباشرة مستخدمة في ذلك عملائها والمتعاونين معها , ففي الفترة السابقة كانت مصالحها منوطة ببقاء المالكي لذلك قامت بدعمه والوقوف إلى جانبه حتى إنها ساندته في إقصاء كل معارضيه , لكن بعد ما أصبح ملكه وحكومته على شفى جرف هار أخذت إيران بزمام المبادرة لتغير خادمها داخل العراق فقررت ضرب المالكي الفاشل بنظر الشعب بواسطة عمار الحكيم الذي يتظاهر بالوطنية ومقتدى الصدر .
فقد قدمت إيران لعمار الحكيم كل الدعم اللوجستي لكي يسقط المالكي وحكومته سياسيا , فكل ما حدثت أزمة سياسية نجد إن عمار الحكيم يظهر بصورة صاحب الحلول وهو الطرف الثالث الذي بيده القدرة على السيطرة على الوضع , مثلا أزمة الرئاسات الثلاث ظهر عمار الحكيم بأنه هو من نجح في لم الشمل بينهم , ولكن في الحقيقة أن إيران هي من أعطت الضوء الأخضر للمالكي ( دون أن يشعر بمخططها المستقبلي ) بالموافقة والقبول بما سوف يطرحه عمار الحكيم مع تأثيرها على الطرف الكردي .
والمتتبع للإحداث في العراق يلاحظ كلما وقعت أزمة معينة فان اللوم مباشرة يلقى على الحكومة ويظهر عمار الحكيم أو من يمثله مباشرة من على القنوات الفضائية يعطي تصريحات وفرضيات تجعل المواطن يتصور بان الحل الوحيد هو عمار والمجلس الأعلى ولا احد سواه ؟!, ولعل من أبرز الأمثلة الحية على ذلك هو ظهور بيان جبر صولاغ رئيس كتلة المواطن البرلمانية التابعة للمجلس الأعلى بقيادة عمار الحكيم , وإعلانه بان جميع أعضاء كتلته وقعوا على ( تنازلاتهم ) عن رواتبهم التقاعدية ؟؟!! على ضوء المطالب الجماهيرية الواسعة التي تطالب بسن قانون ( يلغي ) قانون التقاعد للبرلمانيين .
حتى إن إيران قد دعمت عمار الحكيم في انتخابات مجالس المحافظات وذلك من خلال مرجعيات النجف التي ثقفت له تثقيفا منقطع النظير مع عملها على تسقيط المالكي من خلال التصريحات النارية التي أطلقها لسان المرجعية بشير الباكستاني وخصوصا في لقائه مع قناة البغدادية الفضائية وكذلك من خلال الوكلاء ” احمد الصافي وعبد المهدي الكربلائي ” .
أما مقتدى الصدر فكان هو الشخصية الثانية التي استخدمتها إيران لتسقيط المالكي , فبعد سفر الأخير إلى الولايات المتحدة أطلق مقتدى الصدر ( بأمر من إيران التي قضى فيها سنوات عديدة ) تصريحاته اللاذعة تجاه المالكي , والتي بين فيها إن المالكي لا ينفع ولا يصلح للعملية السياسية وكانت تصريحاته مؤلمة جدا للمالكي , وما إن رد المالكي عليها حتى حصلت المفاجئة والتي لم يتوقعها أي احد وهي ” ظهور جعفر الصدر ” صاحب الشعبية والقبول عند طائفة من الشيعة وقد دعمت إيران مقتدى بهذا الشخص , الذي وقف إلى جانب مقتدى في بيان وبخ من خلاله المالكي وعنفه , وهذا أعاد لمقتدى ولو شيئا بسيطا من شعبيته وجعله يعود إلى مضمار المنافسة والسباق الانتخابي , وبنفس الوقت قلل من قيمة المالكي وشعبيته مستغلا في ذلك اسم آل الصدر عموما والسيد الشهيد الأول قدس سره خصوصا .
وفي موقف أخر جمع الحكيم والصدر ضد المالكي وبدعم إيراني بحت , ففي أيام انتفاضة المحافظات السنية الستة والتي وقف المالكي ضدها بكل قوة ( وبتحريض إيران التي جعلته يتكلم بالنفس الطائفي وصورت له إنها تسانده في هكذا عمل ولكن هذا جزء من مخططها للإطاحة به ) مما جعله شخصية غير مرغوب فيها نهائيا في الوسط العراقي جاء الأمر من إيران نفسها لعمار الحكيم ومقتدى الصدر بالظهور بصورة تدعو إلى الوحدة والوطنية ولم شمل العراق ورفض سياسة المالكي ” الطائفية ” مما جعل الحكيم والصدر يظهران بظهور حسن ويتمتعان بقول واستحسان السنة و الشيعة , وبهذا استطاعت إيران التخلص من المالكي بعميليها عمار ومقتدى .
ويبقى العراق قابعا تحت سطوة وتحكم إيران فهي من يتحكم ويتلاعب في السياسة والشأن العراقي مستغلة في ذلك غباء وإستحمار مثل هكذا شخصيات ” عمار , مقتدى , المالكي ” والعراقيين من سيء إلى أسوء .