في وطن الامامة قيض الله اليه رجالا من نوع خاص ، في ضمائرهم نقاء ، ونفوسهم صفاء ، صقلتها الظروف والمحن لتولد ناطقة في زمن الصمت ، فايقنت الوطن حرزا ، وجراحه تعويذة ، وندائه مأذنة العاشقين .
نعم ياسيدي وسيدهم : هكذا هي القيادة ، اذ أمسكت على الجراح وأيقنت أن الوطن هو القطب والمحور وقبلة الأوطان ، فتقف ثابتا أمام الكروب وخطوبها ، مسددا تبدد فتنتها ، بحكمة القول ، وسدادة العقول ، قوة بشكيمة ، وفعل بعزيمة ، وصمت بحكمة ، ونطق بمعرفة ، فينكشف سواد ليلها المطبق بولوج فجر جديد ،فمرادك ياسيدي وطن لاتغيب شموسه ، ولن تأفل أقماره ، وقد إنسابت خطواتك بوثوق ويقين ، وهمة لن تلين ، وأنت ترى في الوطن حق سيادة وريادة ،فما إن تیقنوا خطواتك بثباتك المعهود ، وعزم فيك مصفود ، وأمل معقود ،وأنت تمزق أحلامهم وسعي يلازمهم ، انبرى مأجوري الضمائر وباعة الكلمة ، حيث حطت رحالهم على عوج مايمتهنون ، يمجدون من لامجد له ، يسيل لعابهم ، وتهتز أذنابهم عن مافي فم قارون من سحت وحرام ،واؤلئك ألد الخصام .
فبالوطن يغترون ، وبأبنائه يجترئون ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ،فقادتهم عقولهم العمياء ، وتعصباتهم الهوجاء ، امتهنوا الزيف والحيلة ، وشرعنوا لأنفسهم وصاحبهم الرذيلة ، هم للفساد اقرب ، وعن الصلاح ابعد ، يخدعون الناس والله خادعهم ، فهم كمن وصف أمثالهم ، يلبسون جلود الضأن من اللين ، ويشترون الدنيا بالدين ، لعق على ألسنتهم ، يحيطونه مادارت معايشهم ، فيأتمرون باخرقهم ، يدفعهم فتات صاحبهم فيتدافعون بينهم ، قد اشترى أنفسهم بضمائرها ، فوهبوها إليه ببيع خس ، وثمن بخس ،فيملي عليهم أحلامه ، فنكصوا ونكص على عقبيه ، وذلك هو الخسران المبين ، فكانوا أفعالا مشينة ، وأحلاما مريضة ، أمسوا ضرا بعد ضر ، يصيب جسد الوطن السقيم ، فحديثهم خلل ، وعملهم فشل ، وخوضهم ملل ، هم والمفسدون على حد سواء ، عقول خواء ، ونفوس جوفاء ، فلاإخلاص يجمعهم فيعملون ، ولا عزة وطن فيهم فيخلصون ، فإخلاصهم تحايل ، وفضيلتهم تسافل ، شخوص في وهم ، وأقلام بلاذمم ، تتجاذبهم الأعداء ، وتقلبهم الأهواء ، ويطعنون في الخفاء ، فقيمتهم مايلعقونه .
فظهر منهم المخبوء ، وانكشف عنهم المستور ، وفضحوا بما كانوا يسرون ، فلن تعرق جباههم من ماء وجوههم ، فلعنهم الفرات ودجلة ، خسروا الرهان ، وحصدوا الخسران ، فهكذا هي تعويذة الوطن ، نعم ياسيدي وسيدهم، فكفك الأرجح ، وعملك الأنجح ، وصوتك الأصدح ، فذاك هو نداء العاشقين.