التحالف الوطني أو الائتلاف العراقي؛ هو الكتلة السياسية التي انبثقت عام 2004 لتمثيل شيعة العراق, ومن يتوافق معها أيديولوجيا في أول برلمان عراقي ما بعد التغيير, وجاءت بمباركة المؤسسة الدينية للشيعة, وتم اختيار السيد عبد العزيز الحكيم زعيماً لها, إلا إن التحالف بعد وفاته بدأ لا يقوى على مواجهة التحديات.
فقد مارس الائتلاف العراقي الموحد؛ دوراً محورياً في قيادة العملية السياسية في عراق ما بعد 2003, فقد نجح في كتابة الدستور الدائم, وإجراء الانتخابات التشريعية, وتحديد معالم بناء الدولة ونظامها السياسي, وإخراج العراق من طائلة الأمم المتحدة, وإجبار قوات التحالف الدولي على مغادرة العراق بعد عقد اتفاقية أمنية معها, واستطاع التحالف أن يحافظ على محورية العراق بيده بفضل قيادته الحكيمة.
ولكن بعد رحيل السيد الحكيم؛ واجهة التحالف الوطني عدة عقبات, كانت أهمها الأزمات السياسية المفتعلة لاسيما بعد خروج بعض قواه من الخيمة الشيعية, فشهدت الساحة أزمات بين الإطراف السياسية داخل البيت الشيعي, وبين إطراف شيعية كردية, وأيضا صراع نفس تلك القوى الشيعية مع القوى السنية, ومع كل ذلك كانت رئاسة التحالف متمثلة بالسيد الجعفري غير قادرة على إيجاد الحلول الواقعية.
حيث عاش التحالف الوطني حالة من الموت السريري, طيلة أكثر من ست سنوات لا يستطع تحريك الساكن وتسكين المتحرك, إلا بأشهر معدودات لاختيار الحكومة كل أربع سنوات, ما جعله كالرجل العجوز؛ الذي اخذ أبنائه يتمردون عليه, كلما أحسوا بالعزة, نتيجة تمكنهم من اللعب بمصير البلاد, فضعفت قوة تأثير الوجود الشيعي داخلياً وخارجياً, وبات ينظر للتحالف عبر التصرفات الصبيانية لبعض أعضائه.
ولكن خلال السنتين الماضيتين؛ ونتيجة للتدهور الأمني, والإرباك السياسي, وضعف قوة الجهات الفاعلة بالتحالف, لتحملها الجزء الأكبر من تمدد داعش في الأراضي العراقية, وتفشي الفساد, وبروز ظاهرة الاستجوابات التي هددت رموز مهمة, خاصة بعد هيمنة (الدولة العميقة), بالإضافة لفشل مساعي العراق بالانفتاح الإقليمي والدولي, إذ أصبحت القوى التحالف مجبرة على اختيار زعيماً لها؛ يمتلك الاعتدال والوسطية, لإعادة هيبة التشيع سياسياً.
لذا أجمعت الكتل السياسية, وبمساندة الإطراف المؤثرة في الوضع السياسي على ضرورة اختيار زعيم سياسي متمكن وقادر على قيادة التحالف الوطني, لديه الرؤيا الواضحة, والقراءة الموضوعية لاستشراف المستقبل, ويمتلك مقومات إعادة الدور السياسي للعراق في المنطقة, لاسيما بعد بروز النجم الشيعي بأغلب بلدان العالم, وكونه العراق يمثل قطب الرحى, والزعامة الشيعية تمثل مركز المدار فيه, فاختيار الزعيم أضحى ضرورة ملحة.
فالشيعة العراق؛ وخلال الأعوام الست المنصرمة, عانت من التفكك السياسي, والتناحر الإعلامي, فقد استخدمت أساليب الاستهداف كافة, ودب الضعف والوهن بأغلب تياراتها وأحزابها السياسية, وبرز التفرد بمصير الطائفة, والتمادي على رأي الأكثرية سمة الحزبية المقيتة, حتى وصل الحال بالتعدي على حدود المرجعية الدينية, ومحاولة التقليل من شأنها ما جعل العقلاء يفكرون بإعادة توحيد الصف الشيعي, خاصة لمرحلة ما بعد داعش.
ولأن العالم بأسره, والمنطقة الإقليمية خاصة مقبلان على مرحلة خطيرة ومهمة, واعتبار عام 2017 عاماً للتسويات السياسية, بعد الإحداث التي شهدها العراق وسوريا واليمن والبحرين ومصر وتونس وليبيا, والتدخل الأمريكي والروسي الإيراني والتركي والسعودي, فالعراق معني أكثر من غيره بأخذ دوره القيادي؛ كونه يمثل العمق الاستراتيجي للشرق الأوسط, وقلبه النابض, لذا يحتاج لموقف حكيم, ورؤيا ثاقبة, وخطة متكاملة لإدارة الملفات.
وعليه اقتنعت القوى التحالف الوطني على اختيار السيد عمار الحكيم لقيادة المرحلة القادمة في ظل تلك الظروف, وتوليه الزعامة السياسية لشيعة العراق, بناءاً على امتلاكه؛ لمؤهلات الكاريزما الناجحة, وقوة التأثير الفاعلة, والنظرة الإستراتيجية الصائبة, وخطة العمل الواضحة, والعلاقات الداخلية والخارجية؛ الإقليمية والدولية مع القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية كافة, والحكيم الشخصية القادرة على حفظ البيت الشيعي, ومقبوليته السياسية لدى القوى كافة.
هذا وإمام السيد الحكيم مسؤوليات كبيرة للنهوض بهذا العمل الجبار, ومع ما أنه يتفوق على كل منافسيه, فإن ما لديه ستجعله مميزاً عن الآخرين, فالحكيم عليه الحفاظ على الثوابت العليا للتحالف الوطني, وكتابة نظام داخلي له, ووضع خطة لتصفير الأزمات, ناهيك عن إدارة الاجتماعات الدورية لرؤساء الكتل والهيأة العامة, فضلاً عن الإشراف على اللجان الاستشارية والتفاوضية على مستوى بغداد والمحافظات.
كما لابد من اهتمامه بالخطاب الإعلامي وتوحيده, خاصة بعد الفترة الضبابية التي مر فيها التحالف, والاهم أمام الحكيم؛ تحويل التحالف الوطني إلى مؤسسة سياسية رسمية لتمثيل القوى الشيعية في القضايا الإستراتيجية, وتحمي مصالح الأكثرية, وفق منظور وحدة الطائفة وعنوان الوطن.