12 أبريل، 2024 5:53 ص
Search
Close this search box.

الحكومة وحدها غير قادرة على مكافحة الفساد المالي والأداري ….

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد النجاح الذي حققته قوات الجيش العراقي الباسلة ورجال الحشد الشعبي الأبطال وأفراد بعض أبناء العشائر الشجعان في تحرير الأرض وحماية العرض من حثالات داعش ومن آواهم وقدّم لهم الدعم اللوجستي كان لابد أن يتوازى ذلك مع صولة لمكافحة الفساد الاداري والمالي داخل مؤسسات الدولة ودوائرها هذا الوباء الذي استشرى كالسرطان في جسد الدولة العراقية والذي لايقل خطراً عن الارهاب بل ان هذا الأخير يبدأ من حيث تنتهي جرائم السرقة والاختلاس والرشوة والاستحواذ على المال العام من دون وجه حق فلقد استخدمت الكثير من الأموال التي حصلت عليها قوى الإرهاب وعصابات الجريمة من خلال عمليات تهريب المشتقات النفطية و تهريب الآثار العراقية والعمولات غير الشرعية والأتاوات المفروضة بقوة السلاح وغيرها من عمليات الابتزاز والسلب والنهب في تمويل ودعم العمليات الارهابية وعمليات القتل،
والفساد الاداري والمالي لم يكن وليد المرحلة الحالية أو هو نتاج ظرف آني ولد فجأة بل جاء امتداداً لمرحلة النظام المقبور وقد ساعدت على انتشاره واستشرائه وطفوه على السطح بشكل كبير ومخيف مجريات الاحداث في مرحلة ما بعد سقوط النظام في عام 2003 حيث غياب القانون وفراغ السلطة وانعدام الرقابة والانفلات الامني والفوضى العارمة التي خلفها كل ذلك مثلما اسهمت سلطة الاحتلال بانعاشه وتغذيته حتى بات العراق واحداً من اسوأ دول العالم في هذا المجال، واليوم ونحن نعمل على مكافحة هذا النوع من الفساد يبرز التساؤل : من هي الجهات التي يمكن ان تضطلع بذلك؟ وما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه والسبل الكفيلة لتحقيق ذلك؟
نقول: ان معالجة الفساد الاداري والمالي لاتتم عن طريق الاجراءات القانونية والقضائية فحسب بل تكون المعالجة سياسية واقتصادية واجتماعية ويسير كل ذلك بخط متوازٍ من غير اغفال جانب دون آخر وذلك من خلال اعتماد منهج شامل وواضح وخطط مدروسة وبرامج علمية وباسلوب حضاري ومنظم كما يجب ان تتلاحم في ذلك جهود السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية فمثلاً الحكومة وهي الجهة التنفيذية المعنية بالامر وجب عليها ان تقوم بحملة جادة لتطهير وزاراتها ومؤسساتها ودوائرها وعلى اعلى المستويات نزولاً الى القاعدة من المفسدين والفاسدين من دون تمييز او تسامح ودون الالتفات لمن يقف وراءهم من جهات والضرب بيد من حديد على كل محاولات التستر من خلال تفعيل دورهيئة النزاهة ودوائر المفتش العام وتوفير الحماية الكافية لمنتسبي هذه الدوائر الرقابية والحفاظ على سرية المعلومات المقدمة اليها وحماية الشهود والمبلغين وعدم الكشف عن هوياتهم واعتماد الاجراءات السريعة والرادعة في مكافحة حالات الفساد وعدم التهاون في ذلك، كما وجب على الحكومة ان تعتمد مبدأ الكفاءة والنزاهة والمهنية في اختيار المكلفين بشغل المناصب الحكومية المرتبطة بتقديم الخدمات العامة هذا من جانب أما من الجانب الآخر فقد وجب عليها القيام بالنهوض بالمستوى الاقتصادي لكل موظفيها ورفع الدخل المادي لهم من اجل تحصينهم من الانزلاق الى درك الفساد والافساد تحت ضغط العوز المادي وفتح الدورات التدريبية في الجانب الاداري لتطوير قابلياتهم على الاداء، والدورات التثقيفية التي تتناول مخاطر هذه الجرائم وتأثيرها على مستقبل الدولة والمواطن على حد سواء، ومثلما تعتمد الحكومة مبدأ العقاب وجب عليها اعتماد مبدأ الثواب من خلال تكريم المتميزين في الاداء الوظيفي والمتصفين بالنزاهة وعبر تقييمات شهرية او فصلية او سنوية وكذلك مكافأة من يخبر او يكشف عن حالات رشوة او سرقة او أختلاس أو هدر للمال العام أو سوء استخدام للمنصب باعتماد اسلوب المكافآت المادية وحسب نسبة الاموال المعرضة للهدر او الاستحواذ بالباطل من اجل التشجيع على رصد واكتشاف ومنع حالات الفساد قبل حدوثها.
ولما كان مجلس النواب هو السلطة التشريعية والرقابية العليا في البلاد فقد وجب عليه تفعيل دور لجانه المالية والاقتصادية والقانونية ولجنة النزاهة بهذا الخصوص حيث رصد وتشخيص ومحاسبة الأشخاص والجهات ومساءلتهم عن كل الحالات المشبوهة التي تثير الشك والارتياب واعتماد مبدأ الشفافية في المكاشفة مثلما وجب إيجاد التشريعات القانونية الفاعلة والجادة في مكافحة ذلك كتشريع قانون مكافحة الفساد المالي والإداري مثلما تم تشريع قانون مكافحة الإرهاب أما السلطة القضائية فقد وجب عليها ان يكون لها الكلمة الفصل بعيداً عن تدخل الأحزاب والكتل السياسية ومن دون النظر لخلفية انتماء هذا الطرف أو ذاك وبعيداً عن تناقضات هذه الجهات وتضارب مصالحها كما وجب على القضاة ممارسة دورهم الحقيقي في تكريس سيادة القانون وتحقيق قيم العدالة وعلى المؤسسات القضائية الإسراع في حسم القضايا المتعلقة بالفساد من اجل تنفيذ العقوبات الصادرة بحق مرتكبيها واسترداد الأموال التي تم الاستحواذ عليها بالباطل والتنسيق مع دول العالم لمتابعة استرداد الأموال المنقولة الى بنوك تلك الدول والمؤسسات المشبوهه فيها عبر طريقة غسيل الأموال ويتم ذلك بعقد اتفاقيات مع هذه الدول لأسترداد الأموال ومتابعة سارقيها عبر الأنتربول الدولي لجلبهم للمثول أمام القضاء لكي يكون في ذلك عبرة لمن تسّول له نفسه في محاولة ارتكاب مثل هذه الجرائم فأن من أمن العقاب أساء الأدب.
وما دام الفساد الإداري والمالي يمثل سلوكاً اجتماعياً منحرفاً لذا وجب على المؤسسة الدينية من خلال منابرها وواجهاتها المختلفة والتي تمتلك التأثير القوي إن تمارس دورها في دعم جهود الحكومة والبرلمان والقضاء من خلال التثقيف والتوعية والتبصير والإرشاد والتنبيه لمخاطر هذا النوع من الفساد وكشف الإخطار الناجمة عنه في الجانب الاجتماعي والأخلاقي وما يمثله من انحدار وانحراف في السلوك القويم والخروج عن المثل العليا والقيم السامية والتعاليم السماوية وما يتمخض عن ذلك من تهديم للبنى والأواصر الاجتماعية آنياً أو في المستقبل
كما إن لمنظمات المجتمع المدني وهي المنظمات غير المرتبطة بالحكومة دورها الذي يجب إن تلعبه في تسخير قدراتها وطاقاتها في رصد حالات الفساد وفضح ممارسته وبذل جهودها الخيرة في التثقيف والتنوير من خلال الندوات والمؤتمرات والتركيز على الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي يسببها الفساد الإداري والمالي من إضعاف للنمو الاقتصادي وعرقلة العملية الاستثمارية والتنموية ويزيد من الكلف الاقتصادية للمشاريع مما يؤدي إلى استمرار التخلف الاقتصادي والاجتماعي والخدمي في البلاد كما وجب على هذه المنظمات ان تمارس دورها في تعبئة الرأي العام للضغط من اجل وضع سياسة قوية وفاعلة لمكافحة الفساد.
وهنا يجب إن لانغفل دور الصحافة في هذا المجال فهي عين الشعب على السلطات وهي بالتالي تستطيع إن تلعب دوراً كبيراً وفعالاً في رصد حالات الفساد ومتابعتها وفضح المفسدين وأصحاب النفوس الضعيفة وبكل جرأة وشجاعة وبحيادية ومهنية بعيداً عن التشهير والإساءة وسعياً وراء كشف الحقائق مثلما وجب عليها إن تعمل على نشر المفاهيم الوطنية والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي لأن مناخ الحرية يؤمّن ويساعد على تصحيح الأخطاء ومراقبة الأداء العام لكل جهة أو مسؤول وفضح السلوكيات التي تتجاوز الصلاحيات والمسؤوليات العامة وكشف الممارسات التي تبتعد عن القيم الأخلاقية والمحاولات التي تجري للحصول على المغانم والاستيلاء على حقوق الناس,والعمل على إيجاد السبل الكفيلة بتقويم كل الحالات الشاذة فالصحافة هي مدرسة الرأي العام
مثلما إن للمواطن الدور الفعال في مكافحة الفساد فهو يمثل العنصر الأساس والحلقة الرئيسة في عمليات الرصد والإخبار والكشف عن مثل هذه الحالات مثلما وجب عليه إن ينأى بنفسه عن أن يكون عاملاً مساعداً في انتشار الفساد كما في حالات الرشوة أو حالات غض الطرف عن ممارسات الفساد الأخرى, وعليه وجب تضافر جهود كل هذه الجهات من أجل مكافحة خطر الفساد الإداري والمالي والحد منه وصولا إلى القضاء عليه فخطره لا يقل عن خطر الأرهاب ان لم يكن أكثر منه لكونه من أكثر مصادر تمويله ….وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون …

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب