23 ديسمبر، 2024 8:09 ص

الحكومة والبرلمان يتعاونان في تشجيع الفساد

الحكومة والبرلمان يتعاونان في تشجيع الفساد

في ممارسة ( ديمقراطية ) قل نظيرها في العالم الديمقراطي القديم والحديث , قرر مجلس الوزراء في جلسته العاشرة المنعقدة بتاريخ 10/3/2015 الطعن لدى المحكمة الاتحادية بثلث المواد التي تضمنها قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2015 , لقيام اللجنة المالية في المجلس بإضافة مواد على مشروع قانون الموازنة الاتحادية المقدم من قبل مجلس الوزراء دون الرجوع إليه, وفي هذا الطعن تمت المطالبة بإصدار قرار قضائي بإلغاء بعض مواد الموازنة أو تشريع موازنة تكميلية أو سن قانون لتعديلها , وبانتظار حسم هذه القضية فقد عطل مجلس الوزراء تنفيذ قانون الموازنة رغم مصادقة رئيس الجمهورية عليه ونشره بجريدة الوقائع العراقية بعددها 4352 الصادرة بتاريخ 16/ 2/ 2015 , ومن الناحية العملية فان بلدنا من دون موازنة رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على نفاذ قانون الموازنة الذي يبدأ اعتبارا من 1 / 1 / 2015 عملا بنص المادة 59 من القانون آنف الذكر , التي نصت على ( ينشر قانون الموازنة في الجريدة الرسمية وينفذ اعتبارا من ا كانون الثاني 2015 ) .

وفي مقابل هذا الإجراء أعلنت اللجنة المالية في مجلس النواب الأحد 7/ 6 / 2015، عن قيام الدائرة القانونية في البرلمان برفع دعوى قضائية في المحكمة الاتحادية ضد مجلس الوزراء لعدم تنفيذه قانون الموازنة العامة لعام 2015 , وقال مصدر موثوق في مجلس النواب بان الدائرة القانونية في البرلمان وبالتشاور مع اللجنة المالية رفعت دعوى قضائية في المحكمة الاتحادية ضد مجلس الوزراء لعدم صرفه مستحقات المحافظات من الموازنة العامة لعام 2015 , وقد جاء هذا الإجراء بعد أن أبدت المحافظات استيائها من عدم صرف مستحقاتها من الموازنة العامة لهذا العام ، عازية السبب إلى توقف أغلب مشاريعها الخدمية بسبب عدم كفاية الأموال الموجودة في خزينة المحافظة لتغطية تلك المشاريع , وتعاني الوزارات أيضا من عدم وصول الموازنة إليها حتى اليوم وبشكل يجعلها تسير أمورها بالترقيع , وفي المقابل لم يترشح شيئا بخصوص الموضوع من قبل المحكمة الاتحادية رغم مرور ثلاثة أشهر على الطعن المقدم من مجلس الوزراء .

يذكر إن مجلس النواب وأثناء مناقشته قانون الموازنة الاتحادية , طلب استضافة وزراء المالية والتخطيط والمعنيين بموضوع الموازنة في مجلس الوزراء لمناقشتهم في بعض مواد مشروع قانون الموازنة المحال إليه نظرا لما تحتويه من تناقضات وما تحتاجه من توضيحات , لكن السيد حيدر ألعبادي أعطى الضوء الأخضر إلى اللجان المختصة في مجلس النواب لإجراء التعديلات المناسبة , وكان الهدف من التخويل هو الدفع باتجاه التسريع بإصدار موازنة اتحادية بأسرع وقت ممكن خوفا من البقاء بدون موازنة كما حصل سنة 2014 , وقد قامت اللجنة المالية في المجلس بإجراء تعديلات كبيرة على المشروع وأضافت مواد كثيرة وبشكل أشعر مجلس الوزراء بان التغييرات والإضافات تعد خرقا للقواعد الدستورية للتشريع , ونعتقد أن من يتحمل مسؤولية أغلب ما حصل هو وزير الدولة لشؤون مجلس النواب , الذي يفترض حضوره لجلسات مجلس النواب وتسجيل اعتراضاته على كل ما يخالف مشروع القانون ليبلغ بها رئيس مجلس الوزراء أولا بأول .

وان الخلاف بين مجلس النواب ومجلس الوزراء بخصوص تطبيق وعدم تطبيق نصوص قانون الموازنة الاتحادية , بات يؤثر سلبا و بشكل كبير جدا على الأداء الحكومي فهناك فعاليات عديدة شبه متوقفة بسبب عدم وجود التخصيصات المالية في الجانبين الاستثماري والتشغيلي , وبعض الدوائر الخدمية أخذت تستخدم ظهر الورق المستخدم سابقا أو مطالبة المواطن بأن يحضر الأوراق او استنساخ النماذج الرسمية لانجاز معاملته , كما إن الأسعار ارتفعت في الأسواق المحلية بحجة ارتفاع سعر الدولار , فقد صوت مجلس النواب على تحديد المبيعات اليومية في البنك المركزي ب 75 مليون دولار بعد إن كانت تصل لأكثر من 300 مليون دولار يوميا , وقد قام المتاجرون بقوت الشعب باستغلال الفراغ في الموازنة للتحكم بالأسواق , مما ينذر بكوارث اقتصادية لا تحمد عقباها ربما سيواجهها الشعب , والمتضرر الأول منها هم الفقراء وذوي الدخل المحدود والنازحون الذي يزيد عددهم اليوم عن ثلاثة ملايين , آخذين بنظر الاعتبار إن الموازنة الحالية هي من الموازنات الفقيرة والتي يجب استثمارها بكفاءة عالية .

وتؤشر حالة غياب الموازنة وعدم تطبيقها رغم صدورها , خللا كبيرا في عمل الدولة يجب تجاوزه بأسرع وقت ممكن لمنع الفساد, وكان الأجدر بالسيد رئيس الجمهورية كونه الحامي بتطبيق الدستور والموقع على قانون الموازنة أن يتخذ إجراءات حازمة إزاء الموضوع , يقولون ( لا يلدغ المرء من جحر مرتين ) , ونحن لا نعمل حتى بهذه المقولة الشهيرة فقد شهدت سنة 2014 اكبر حالات للفساد بسبب غياب الموازنة الاتحادية , وهاهم الفاسدون يسرحون ويمرحون ويفرحون بتعطيل موازنة 2015 , فأسعار صرف الدينار تحدد على أهوائهم ومدد تنفيذ المشاريع باتت مفتوحة بغياب التخصيص المالي , وهذا الوضع المؤسف والمضر بمصلحة الخيرين والشرفاء من أبناء شعبنا الذين يعيشون الظلم تلو الظلم , ربما يعطي انطباعا لدى الناس بان الحكومة والبرلمان يتعاونون في تشجيع الفساد وليس القضاء عليه , فالعمل بالموازنة يجعل الصرف بحدود التخصيصات وبدون تجاوزات , كما انه يتيح الفرص للأجهزة الرقابية في ممارسة أدوارها , بدلا من العمل بالاستثناء ومن ثم تبرير وتمرير الأخطاء والتجاوزات وتحويل تسمياتها من تقصير إلى قصور , وبشكل يسمح لان يبقى البلد بدون حسابات ختامية , أو تقديمها بعد مرور الدورة البرلمانية لكي تبقى جزءا من التاريخ بدون حساب وعقاب , واللعنة كل اللعنة على الفاسدين والمفسدين .