أن أسباب الإخفاق والصراع في العملية السياسية بمجملها هو الترهل الحكومي, الذي يعتبر نتيجة طبيعية لتقسيم الوزارات على أساس المحاصصة الحزبية, فالأحزاب بمختلف مذاهبها وقومياتها وانتماءاتها, تقدم مرشحيها للمناصب الوزارية على أساس الحصص الحزبية, التي لا يمكن التخلي عنها لشخصيات مستقلة كفؤة, حتى وأن ثبت عدم كفاءة المرشح الحزبي, لأن الانتماء الحزبي أهم من الكفاءة, وهذا هو نفس المشهد قبل عام 2003, فليس من المهم أن تكون كفوءا بل أن تكون بعثيا!
العملية السياسية في العراق تدار بطريقة الشطرنج, وبطبيعة الحال التحكم بمجريات اللعبة لن يتم من خلال الحكومة بل من خلال الأحزاب, عن طريق تقديم البدائل من نفس الكتلة اذا أعترض رئيس الوزراء على المرشح.
أقتسام الحصص والتنافس على المكتسبات يتم على أساس الدستور الذي وضعه بريمر, وهو واقع حال مفروض, من منطلق التعددية الحزبية, وعدم تكرار تجربة الحزب الواحد هذا هو المعلن الا أن ما يحدث مناف للواقع تماما, بالإضافة الى مشكلة أكبر تواجه الحكومة والأحزاب على حد سواء.
المأزق الحقيقي الذي يواجه الأحزاب الشيعية والسنية والكردية, وغيرها من الكيانات من مختلف المذاهب والقوميات أن الأحزاب التي تصدر مرشحيها لشغل المناصب تعاني من الترهل والشيخوخة المبكرة, بسبب تكرار نفس الوجوه, ومحدودية البدائل وعدم أستقطاب الكفاءات الشابة والدماء الجديدة, التي شأنها أن تقضي على حالة الجمود التي أصابتها, فهي لم تعد مصدرا لرفد الحكومة بالطاقات, بل أصبحت مجرد كيانات تتنافس في المشهد الأنتخابي فقط, وأسباب هذا المرض العضال مشخص أيضا ولم يجد حلولا هو الآخر!
معظم رؤساء الكتل يحيطون أنفسهم بحاشية تمتلك زمام الأمور, سرعان ما تتحول الى محل ثقة, ثم بعد ذلك تبسط هيمنتها على الحزب, الذي يتحول بالتدريج الى كيان ضخم معطل.
وما تلبث تلك الحاشية والكيانات التي تتحكم بالمشهد الحزبي أن تصبح مجموعات ضخمة, تعمل على تجذير وجودها في أروقة الحزب, وأبعاد كل ما من شأنه أن يهدد كيانها, ويبدأ صراع الأفيال ضمن الحزب الواحد, للأستحواذ على السلطة وزمام الأمور, بينما يبقى رئيس الكتلة مجرد واجهة أعلامية, وكيان يفقد جمهوره بالتدريج.
بطبيعة الحال الأحزاب التي أصبحت تحت هيمنة مجموعة واحدة, او عائلة واحدة تعمل على أستقطاب من يضمن لها البقاء, ليكونوا قاعدة جماهيرية تعمل على دعم من أستقطبهم, وتصبح تلك المجموعة كتلة داخل كتلة, وكيان داخل كيان آخر, يعمل بشعار الحزب المعلن , ويعمل بخلاف شعارات الكتلة التي ينضوي تحت قيادتها
فتتحول تلك الكيانات الحزبية الى مجرد واجهة, لهيمنة عوائل تسحب البساط بالتدريج من قادة الحزب.
كيف تتمكن أحزاب تحولت الى مجرد كيانات منخورة من الداخل, وأصبحت مجرد واجهات من تقديم الدعم للحكومة؟ بل كيف تتمكن من تقديم كفاءات كفيلة بإدارة وزارة أو حتى دائرة؟ والاهم من هذا كيف تتمكن تلك الأحزاب من خدمة جمهورها وناخبيها؟
لم يعد الصراع في تلك الأحزاب التي أصيبت بمرض من هذا النوع كامنا في داخل أروقتها فحسب, بل أصبحت جزءا من صراع حكومي كبير, يعمل على أفشال اي مشروع ناجح, وعبء يثقل كاهل الحكومة والمواطن على حد سواء.
الحلول المتاحة لا تتعدى الخيارات الآتية, أما أن تتمكن الأحزاب من أصلاح نفسها , وهذا أمر مستبعد, والحل الآخر المتاح هو أن يغير المواطن وجهته, ويحدد خياراته في صندوق الأنتخابات, فطريقة الشطرنج الحزبية لم ولن تمكن الحكومة من خدمة الناس على الأطلاق, وسيبقى المواطن ضحية الصراع الحزبي والترهل الحكومي.