23 ديسمبر، 2024 5:54 ص

الحكومة تقترض من المصارف الأهلية .. نكتة أم إشاعة ؟!

الحكومة تقترض من المصارف الأهلية .. نكتة أم إشاعة ؟!

تداولت وسائل الإعلام أخبارا مفادها إن الحكومة في نيتها الاقتراض من المصارف الأهلية لمواجهة العجز في الموازنة الاتحادية ونقص السيولة التي ربما تعطل قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المتعلقة بالموازنة التشغيلية لدفع رواتب الموظفين وتغطية نفقات مواجهة داعش وتقديم الخدمات الأساسية للسكان ، ورغم إن الخبر يبدو صحيحا إلا انه لا يخلو عن الغرابة والعديد من التساؤلات ، فخلال السنوات السابقة لم نجد أحدا يمتدح المصارف الأهلية ، فالبعض وصفها بأنها دكاكين والآخر قال إنها واجهات لتهريب العملات وغسيل الأموال والبعض الآخر وجه لها العديد من الشبهات بخصوص أمور تتعلق بملكيتها وعلاقتها ببعض السياسيين المتنفذين والأبواب التي تمر منها واليها أرباحها ، الأمر الذي يدفع رابطة المصارف الأهلية لعرض ردودا عديدة لنفي تلك التصريحات والتي وصلت إلى حد الاتهامات في بعض الأحيان ، كما تباينت وجهات نظر الاقتصاديين بخصوص القدرات التي تمتلكها المصارف الأهلية عند المقارنة بالمساحات التي تشغلها المصارف الحكومية ( الرافدين ، الرشيد ، التجارة ، المتخصصة ) .

وكما يعلم المختصون ، فان رؤوس أموال المصارف الأهلية في العراق ليست بمبالغ عالية لأسباب عديدة ، أبرزها حداثة تجربة المصارف الأهلية بعد 2003 ، حيث تأسست بموجب القانون رقم 94 لسنت 2004 الذي أصدره الحاكم المدني بول بريمر أثناء توليه منصب الحاكم المدني للعراق ، كما إن انخفاض رؤوس الأموال يعود إلى الكبوات التي تعرضت لها بعض المصارف الأهلية عندما عجزت عن الإيفاء بمسحوبات العملاء وخضوعها إلى الوصاية والتصفية وغيرها من إجراءات البنك المركزي ، الأمر الذي أدى إلى عزوف شريحة مهمة من الجمهور من التعامل مع المصارف الأهلية تخوفا من ذهاب أموالهم هباء ، ولم تسعى المصارف الأهلية إلى تطوير خدماتها وتقنياتها لمجاراة التقدم المصرفي العالمي وتحقيق التفوق المحلي أو الإقليمي ، بل إن بعضها عملت بمستوى أدنى من عمل المصارف الحكومية التي تتبع أنظمة متقادمة عند المقارنة بالمصارف العالمية ، ونظرا لقلة رأسمال المصارف الأهلية والتي تبلغ 250 مليار دينار فان الودائع ستكون هي المصدر الأساسي لتقديم القروض إلى الحكومة ، وهذا الإجراء من شانه أن يزيد من مخاطر الإيداع واضطرار المودعين لتهريب أموالهم إلى خارج العراق .

وبمناسبة الحديث عن مخاطر التعامل مع المصارف الأهلية ، فقد فجع المواطنون بعجز بعضها عن الإيفاء بطلبات السحب وهناك أمثلة عديدة ، ومنها مصرف الوركاء الذي أدار ظهره للجمهور عندما أوقف عمليات السحب منذ سنة 2010 وخضع إلى وصاية البنك المركزي العراقي ثم تمكن من رفع الوصايا ، وانقطعت أخباره مما اضر بمصالح المتعاملين معه ، فالعاملون بفروع المصرف يتنصلون عن الإجابة على الاستفسارات ولا يعطون أية إجابات عن الودائع ومصيرها ، وآخر ما ترشح عن هذا المصرف من أخبار إن البنك المركزي العراقي قرر إعادة تأهيل مصرف الوركاء على وفق خطة أعدت لهذا الغرض وقد يطول هذا التأهيل لأجل غير معلوم ، ولا نعلم لماذا لم يلجا المركزي إلى تصفيته وشطبه من قائمة المصارف الأهلية هو وكل المصارف المتلكئة وسيئة الإدارة والمعسرة لأنها تسببت في إيقاع الضرر المادي وغير المادي بالمودعين ، فالوركاء مثلا يحتجز أموال الناس منذ 6 سنوات وقد انخفضت القدرات الشرائية للمبالغ المودعة بسبب التضخم وارتفاع الأسعار ، ولو تمت إرجاع الأموال لأهلها فإنها سوف لا تعادل ربع قدرتها الشرائية عند الإيداع .

إن سبب عدم حماسة البعض لتأييد الإجراء المتعلق بالاقتراض من المصارف الأهلية ، يعود إن الوضع المالي العراقي ليس بكامل عافيته بعد انخفاض أسعار النفط وعدم وجود مصادر لتنويع الإيرادات ، ومن الناحية العلمية فان غير المتعافي عندما يحتاج إلى نقل الدم إليه ، فانه يستعين بجسم سليم وليس ضعيف كضعف المصارف الأهلية للتزود بالدم ، فعملية نقل الدم من جسم ضعيف قد تضر بالاثنين بدلا من تقويتهما والمساعدة على التشافي السريع ، فلو تزايدت طلبات السحب من الجمهور على المصارف الحكومية والأهلية فان مشكلة ستبرز في العجز عن الاستجابة للطلبات والاضطرار إلى تقنين أو برمجة المسحوبات ، وإجراءات من هذا النوع من شانها إيقاع الضرر بالمودعين وضعف الثقة بالنظام المصرفي الوطني ، مما يعطي المسوغ للبعض في ولوج المصارف العالمية والإقليمية واللجوء إلى تهريب الأموال لمستويات أكثر مما عليه اليوم ، وهذا يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار محليا وتحمل الفقراء تبعات انخفاض قيمة الدينار ، وخروج العملات الصعبة للخارج مما يضعف الاستثمار المحلي ويؤدي إلى نتائج أكثر مأساوية في القطاعات الاقتصادية كافة .

ويلاحظ الجمهور ، التوسع الكبير في سياسات الاقتراض من خلال المباحثات التي تجرى مع صندوق النقد الدولي وبيع الحوالات في الخارج وإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة ولندن بهذا الخصوص ، وتخويل الوزارات للبحث عن مصادر للاقتراض لتنفيذ مشاريع النفط والنقل والكهرباء وغيرها ، وجميع هذه السياسات مبنية على أمل ارتفاع أسعار النفط عالميا ، وهي تتم في ظل الإعلان بان عجز موازنة 2015 سيرتفع إلى أكثر من 25 مليار دولار وان الاحتياطي في البك المركزي العراقي قد انخفض إلى 60 مليار دولار بعد إن كان 77 مليار ، كما صرح السيد رئيس مجلس الوزراء في إحدى خطاباته التي عرضت في الفضائيات بان أسعار النفط العالمية انخفضت بحيث إنها أصبحت لا تغطي تكاليف إنتاج النفط ، ويعني ذلك بأنه لا إيرادات للعراق عندما تكون التكاليف أعلى من الإيرادات ، وفي ظل هذا العوز النقدي فقد تم الإعلان عن تخصيص 5 تريليون دينار إلى المصارف الزراعية والصناعية والعقاري الإسكان ، والغرض منها دعم المشاريع وتنشيط الاقتصاد وتقليل البطالة بين الشباب ، وقد حذرت المرجعية العليا في النجف الأشراف من ذهاب هذا المبلغ للحيتان ، وكما هو معلوم فان المرجعية الشريفة تستند في توجيهاتها ونصائحها إلى معلومات مؤكدة .

وعند تلخيص المواضيع التي طرحت في هذه السطور , يمكن أن نكتشف خطورة الوضع المالي الذي يمر به بلدنا وهو يواجه عدوا يتلون بألوان مختلفة يوما بعد يوم ( داعش ) ناهيك عن الضغوطات التي يمارسها المتظاهرون لإجراء إصلاحات ، وهو ما يضع الحكومة تحت العديد من الضغوطات في ظل ضعف الانسجام مع الشركاء ، والموضوع الأكثر خطورة هو أن تكون معالجات الأزمة المالية تفضي إلى التزامات لا يمكن الخروج أو التنصل منها في الأمد المخصص لها ، وان ما يدعونا لإبداء العديد من التحفظات إن الحكومة الحالية ( حالها كحال الحكومات السابقة ) ليست حكومة تكنوقراط ، كما إن اغلب المناصب المهمة يتم إشغالها بالمحاصصة والاستحقاقات الانتخابية ، بمعنى قد لا تكون أفضل الحلول آخذين بنظر الاعتبار إن المقرض الأجنبي يبحث عن الضمانات المؤكدة ويضغط باتجاه الحصول على ضمانات سيادية ، سيما بعد إن وضع العراق في تصنيف ائتماني لا يطمأن المقرضين حتى وان كانوا من اقرب ( الأصدقاء ) ، وهو ما يتطلب تشكيل لجان من ذوي الخبرة والاختصاص ومن غير المنتمين للأحزاب لغرض وضع الصياغات واقتراح التوصيات قبل اتخاذ القرارات المالية ، أما لماذا يتم اللجوء إلى المصارف الأهلية لكي تمنح القروض للدولة ، فالجواب واضح وهو ضمان استمرار وهيمنة بعض المصارف الأهلية وتمتعها ببعض الحصانات .