23 ديسمبر، 2024 4:10 ص

الحكومة العشوائية تقتل الجماهير ، الادارة الفاشلة تقتل الابداع !

الحكومة العشوائية تقتل الجماهير ، الادارة الفاشلة تقتل الابداع !

تعيش الدول كل الدول لمصلحة شعبها ، ولا تموت الا بموته ومن هذا المنطلق وجدت من عمق التاريخ فلسفة السلطة والحكومة وظهرت النظريات والمُثل لتحقق هذه المصلحة ، وفي سبيل ذلك فالدول لا تدخر اي جهد لمواكبة التطور ، بل ذهبت بعض الدول الى خلق التطور او المساهمة فيه لتخلق منظومة ادارية متكاملة لتحقق السعادة والنجاح للمجتمع ، فالدولة ليست تاجر تهدف تصرفاته الى الربح والخسارة انما غرضها تحقيق مصلحة الشعب في السعادة والعيش الكريم .
وجعلت هذه المفاهيم الدول تدخل في منافسة شرسة على امتداد التاريخ فظهرت بصورة مختلفة ، ثم ادى ذلك الى ظهور مقايس عالمية متنوعة تقيس مستوى تطور الشعوب كمقياس السعادة والمقبولية وجواز السفر او الرفاهية ، وكلها موازين لمعرفة مدى التقدم الذي تحرزه الدول في سبيل مصلحة شعبها وسعادته، وما يؤسفني حقا حين اذكر القارئ الكريم ان هذا يحدث في النصف الاخر من العالم ، والا فمن يعيش في بلادنا لا يدرك معنى ذلك الا كما يدرك الاعمى وصف الضياء . فلا زال البعض ممن عاش طفولته او شبابه في ظل تحكم نظام البعث الساقط (انحطاطاً ) يدرك لوعة الظلام الذي عاش فيه بعيدا عن ابسط مقومات السعادة والعيش الكريم فقط كرم قائد (السطولة) !! في تقديم اقل مسببات الحياة مخلوطة ببرادة الحديد تارة ونشارة الخشب تارة اخرى ، مجبرا بموجب المواثيق الدولية ؛ وعجبي كم ان البعض لا يمتلك حتى عقل دجاجة حتى ينسى تلك الايام .
وقبل ان نطلق الاحكام جزافاً فأن حال المجتمع لم يتغير البته حتى وان مضى قرابة العقدين من الزمن على قبر ذلك الجاثوم (او نحاول ان نقتنع انه قٌبر ، ولم يتحول رفاق الامس الى حجاج اليوم) ، فمن سلم في بدنه من بطش بعث (الصخول ) لم يسلم اليوم من القتل والارهاب وسفك الدماء ظلماً وعدوانا ، ومن كان يحصل على كسرة خبز ويبيع فائض حاجته من الغذائية ليتقوت بها هناك ، اصبح اليوم بلا قوت ولا خبز، الا من كان فاسد او منضماً لفاسد . حتى اضحت هذه المآسي تشكل الهوية البائسة للمواطن والصرح البارز في معالم الوطنية .
كل هذا يقودنا الى مجموعة من الاسئلة المهمة التي قد تراود الكثيرين ، منها ما الذي يجعل الدولة متنكرة لأهم واجب من واجباتها (مصالح وسعادة الشعب ) ؟؟
وللإجابة على اول التساؤلات شخصيا ًافترض ان الشعب هو المعول عليه في كل شيء وارى ان الشعب هو العامل المؤثر والاعب الاساسي في كل معادلة طرفها الاخر الدولة، فكل الدول على امتداد التاريخ لم تصل مكانة الريادة الا بأراده شعبها ولم تطور امكانياتها وقدرتها الا بتظافر الفكر والدم سعيا الى الارتقاء بالعيش الكريم ، لكن هذه النظرة لا تعفي الحكومة من المسؤولية، فأن ما حصل فعلا هو تعاقب لحكومات ما وجدت لمراعاة المصلحة الجماهرية ، لا بل انها لا تستطيع ان تلتفت الى مصالح الشعب ذلك لان شخوصها لم تتوافر فيهم الا مقومات الانتماء الفئوي او الحزبي ،فأصبحت بالتعاقب عبارة عن عناصر مجموعة عشوائياً اهدافها مختلفة ونظراتها متفاوتة ، لا بل حتى ممثلي الشعب الذين اوجدوا هذه الحكومات قد طبقوا نظام الغنائم سيء الصيت ، حيث يستحوذ على الادارة من يفوز بالانتخابات بمقدار تمثيله البرلماني ، بعيدا عن شرط الخبرة والدراية ومصلحة البلد فوجد اشخاص مزدوجي الجنسية والانتماء في اعلى السلطة ، كما ان عناصر التشريع لم تلتفت الا الى ما يركز هذا النظام وترسيخ امتيازاتهم ومخصصاتهم وراتبهم الكبيرة بلا حياء ، ولا نبالغ اذ نقول ان الموازنات المالية تحولت الى مناصفة بين المسؤولين والمتقاعدين منهم وبين سائر الشعب ، ولكل مراقب ان يدرك ان البلد تسير بقوانين تصل الى اربعة عقود مضت دون محاولة النظر فيها واعادة صيغتها لتناسب متطلبات العصر ، كما انه لم يصدر قانون جوهري واحد يصب في المصالح الاجتماعية ويحسن احوال الناس المعيشية سوى بعض القرارات والمواد المتفرقة هنا وهناك ، فالأمر منصب في غايته على التركيز في قواعد الحكم ومصالح الحاكمين . وهذه العشوائية نتيجتها الحتمية تبديد الطاقات والاسراف بالمقدرات بل حتى انها تؤدي الى قتل الجماهير ، فلم يعد لمبدأ ثروة الاجيال المستقبلية وجود في الدفاتر الحكومية ولم ترد مفردات الانتاج الوطني والاراضي الزراعية في قواميسها المنشئة للأمد الطويل، ومع ان لكل حكومة خطط ودراسات وبرامج ؛ الا انها تنتهي بانتهاء الولاية، ذلك لأنه لا يوجد مانع يردع الحكومة التالية من تهديم مقررات سابقتها بحجة او بدون حجة .
وتجدر الاشارة الا ان هذا التصور يجب ان لا يؤدي ولو خيالاً الى تفضيل الدكتاتورية المقيتة والحزب الواحد وقائد (السطولة ) على هذا النظام ، انما يدق لذلك ناقوس الخطر وينذر بأن قواعد الحكومة القصيرة والطويلة يجب ترتكز على مصلحة الشعب اولا ، وماذا يضر ممثل الشعب لو مثلهم براتبه الوظيفي او براتب متوسط ان لم يكن موظفاً دون ان يفضل نفسه على مصلحة شعبه ويتُخم على حساب الجياع والمحرومين، ثم يمنح ثقته الى حكومة نزيهة يترك لها الاختيار على اساس المهنية والكفاءة بعيدا عن الاستحقاقات والغنائم والعقلية الفئوية وهذا ما لا يمكن الحصول عليه الا اذا توصلت الارادة الشعبية في البحث عن ممثل حقيقي لمصلحتها العليا.
ولكن ما الذي يدفع الادارة بمفهومها الحديث الى العيش في عقلية القرون الغابرة ؟؟
وقبل الاجابة على هذا التساؤل يمكن ان نأخذ مثالين من دول العالم ليتسنى تطبيقه على واقع اليوم ، ولنفترض تطبيقا لما مشهور ان الطفل الصيني يقوم بتصنيع جهاز حاسوب اثناء حصته المدرسية وهذا لا يدلل من القريب او البعيد على مستوى عقل الصيني الا ان امكانيات الطفل صيني او اي بلد اخر مختلفة باختلاف الارض عن سائر الكواكب فلو اراد ان يصنع جهاز نقال او روبوت فانه سيذهب الى اقرب المتاجر فيجد كل ما يحتاجه ابتدأ من وحدات الجهاز صغيرها وكبيرها وانتهاء بالوسائل والطرق التي تساعده على صنع الفكرة ، فهو يسير بخط محدد غير مانع له من الابتكار او الاضافات ، ويأتي دور الادارة في الدولة على احتواء التطور وتقنينه كما فعلت اغلب الدول مع الطائرات المسيرة لأغراض مدنية، بدلا من منع ، اما في بلادنا فالمميز بالإدارة انها ادارة تقليدية خائفة ، تخشى الاستخدامات غير القانونية فتمنع حتى الاستخدامات النزيهة ، والدستور وان كفل حقوق المواطن وحريته الا ان القوانين والانظمة لا زالت تحاول تقييد هذه الحرية وتقمع هذا الابداع في فرض المنع هنا وهناك ، لا لشيء فقط لفشل الادارة في مواكبة واحتواء التطور ، والدليل على ذلك مثالنا الثاني فلو كنت تسكن في امريكا مثلا واردت ان تبحث عن كلمة (انتحار) على الانترنت سيظهر لك المتصفح في اول الصفحة نصائح حول ضرر هذا الفعل ويعرض لك اقرب مراكز التأهيل والمساعدة و ارقام المساعدة السريعة الى غيرها من النصائح والارشادات ، بعكس الحال في بلادنا اذ لا انصحك ان تجرب هذا النوع من البحث ، هل يعني ذلك ان الادارة عاجزه عن مواكبة التطور وتسخيره ؟ افترض نعم انها عاجز عن ذلك متى ما بقت مترسخة بالمفاهيم الحجرية ، ذلك لان الادارة تقوقعت بمفاهيم القرون السحيقة فلم تعبئ بما يجري حولها ولم تشاء من الناحية الفعلية مواكبة هذا التطور وتسخيره في خدمة مصلحة المجتمع ، وللإنصاف فالإدارة (حجرياً)! كانت اكثر تنظيما في تعاطيها مع الوسائل الورقية ، مما هي عليه اليوم وليس لذلك سبب سوى ان الادارة فاشلة في سرعة المواكبة والانفتاح، وحتى وان توافرت لها الامكانيات فسوف تبقى قاصرة عن فهم التغيرات بعقلية غابرة .
اما كيف يمكن للحكومة ان تطور قدراتها لتناسب حاجة الجماهير ؟؟ فمتى ما كانت مصلحة الشعب والمصلحة الوطنية هي المقدمة فقط على كل اعتبار فأنها سوف تكون مناسبة لحاجة الجماهير .
وحسبنا بذلك اخيرا قول عز من قال (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) .